أفكار ثورية ( الربيع العربي )


يمر عالمنا العربي حاليا بما يسمى بالربيع العربي المتمثل بعدد من الثورات التي تجتاح العديد من الدول العربية و هي ثورات لم تأتي من فراغ و لكنها أتت كنتيجة حتمية لعدد من العوامل لعل أهمها ( الهوة ) التي أوجدت بين الحاكم في هذه البلدان و بين الشعب ، هوة على جميع الأصعدة سواء اقتصاديا أو اجتماعيا أو سياسيا فقد تمثلت الهوة الاقتصادية في تركز رؤوس الأموال في أيدي حفنة من الفاسدين الذين نهبوا قوت المواطن العربي و مقدرات هذه الأوطان التي تئن فيها الشعوب تحت وطأة الفقر و العوز و نقص الحاجات الأساسية اللازمة لحياة كريمة فيما الحكام العرب يعيشون في بروج عاجية في حياة مترفة ملئ بالمجون و البذخ دون أي التفات منهم إلى حال هذا المواطن المقهور ، و أما الهوة الاجتماعية فتمثلت في إيجاد بؤر فساد اجتماعي من خلال خلق طبقة اجتماعية أرستقراطية تتحكم تحاول الاستعلاء على باقي الطبقات في هذه المجتمعات و تحاول أيضا تقزيم دور باقي الطبقات في المجتمع و الاستئثار بدور النخبة في المجتمع ، و أما الهوة السياسية فتمثلت في حكم الفرد الواحد أو الحزب الواحد مع إقصاء كل الخصوم و محاربتهم و نزع صفة الوطنية عنهم كونهم لا يدينون بالولاء المطلق لهذا الحاكم الفرد الذي يسمح له بفعل ما يريد دون أي حساب أو مسائلة من أحد كونه يسيطر على كل المؤسسات المدنية و العسكرية و يتحكم بجميع خطوط اللعبة ، كل هذا و غيره أدى إلى الانفجار المتمثل في الثورة فحيث وجد الظلم و الفقر على ثورة أن تقوم و هو ما حصل بالفعل .
اتخذت الثورات في الوطن العربي شكلا لم يعتد عليه العرب ألا وهو المطالبة بإسقاط الأنظمة من خلال الاحتجاج السلمي و عدم اللجوء إلى الكفاح المسلح في غالبية هذه الثورات بداية بالثورة التونسية التي كانت باكورة الربيع العربي تبعتها الثورة المصرية و هما ثورتان أسقطتا حاكمين جثما طويلا على صدور أبناء هاتين الدولتين و كل هذا في وقت قصير جدا و على الرغم من إسقاط الحاكمين إلا أن النظامين لم يسقطا بالكامل و لم تمارس المظاهر الثورية مع هذين النظامين و مع هذا فان نجاح يمكن أن يسجل لهذين البلدين على المستقبل قصير الأمد في التخلص من فلول هذين النظامين ، و أما الثورة اليمنية فقد اختارت هي الأخرى السلمية في مطالبتها بإسقاط النظام اليمني و استمرت كذلك رغم حجم الوحشية في القمع الذي تعرضت له الثورة و رغم امتلاك الشعب اليمني للسلاح الكافي للقيام بثورة عسكرية بامتياز إلا أن الشعب اليمني أبى إلا أن يستمر في خيار السلمية رغم أن النتائج لم تكن بمستوى الطموح فخروج الرئيس اليمني بشروطه و تخليه عن الحكم دون إسقاط النظام لا يشكل أي مكسب ثوري و لعل إصرار الشعب اليمني على الابتعاد عن المظاهر المسلحة ما أدى إلى فرض الرئيس لشروط من أجل التنحي و حتى المماطلة في ذلك و استغلال الوقت في قتل المتظاهرين و هو ما يطرح تساؤلات عديدة حول صوابية خيار الشعب اليمني نحو السلمية ، أما ليبيا فقد اتخذت الثورة فيها خلافا لباقي الدول طابع المقاومة المسلحة لإسقاط النظام الأكثر تخلفا و هو ما انتهى بالقضاء على هذا النظام و قتل معظم رموزه رغم ما شاب هذه الثورة من استعانة بحلف شمال الأطلسي لتوفير غطاء جوي للثورة و الثوار و هو ما أسهم دون شك في الإسراع بإسقاط هذا النظام و على الرغم من تشويه وجه الثورة بالاستعانة بالغرب إلا أن ذلك لا يمحي كل ما قدم من تضحيات في سبيل إسقاط هذا النظام ، إلى الثورة السورية التي تواجه عديد المخاطر و الظروف الخاصة بها فهي ثورة قامت ضد أحد أكبر الدكتاتوريات في العالم و رغم ذلك يشك كثيرون من القوميين العرب في كونها ثورة حقيقية رغم كل المجازر المرتكبة من قبل النظام القمعي في سوريا و لكن الثورة في استمرار رغم كل ما تواجه ، و لكن ما يؤخذ على هذه الثورة هو رفع بعض المحتجين لمطالب تتمثل في طلب توفير حماية دولية و حظر جوي كما حدث في ليبيا و هو ما لا يحمد عقباه خصوصا في بلد كسوريا له وضعه الخاص لموقعه الهام في المنطقة .
تواجه الثورات العربية العديد من التحديات لعل أهمها اكتفاء الشعوب العربية بإسقاط أنظمتها القمعية دون إحداث تغيير جذري في المجتمعات الثائرة فليست الأنظمة وحدها الفاسدة فالفساد الأخلاقي و الاجتماعي ينتشر بشكل كبير في هذه المجتمعات فالثوار الحقيقيين من يثورون على كل أشكال الفساد حتى في أنفسهم و لا يسمحون أن ينجر المجتمع إلى ما كان عليه سابقا قبل الثورة ، و من أهم التحديات التي تواجه هذه الثورات هو الحفاظ على نقاء الثورة و إبعاد ذوي النفوس الضعيفة عن هدم المنجزات الثورية سواء كان هؤلاء من الداخل أو الخارج أما الداخل فهم من يحاول أن يسرق الثورة من الشعب الثائر و الركوب على كل ما تم إنجازه لصالح أفراد أو جماعات بعينهم ليعيد ما كان سائدا قبل اندلاع الثورة ، و أما الخارج فيتمثل في محاولة الغرب إيهام الشعوب العربية أن الغرب يقف إلى صف هذه الشعوب للخلاص من طغاتها و كأنه ليس هو نفسه من أتى بهؤلاء الطغاة و بقي يدعمهم في قمعهم لشعوبهم و تقاسم مع هؤلاء الطغاة مقدرات الأمة فماذا سيستفيد الغرب و على رأسه أمريكا من دعم الثورات العربية إلا إن كانت لهم مطامع لدينا أو محاولة منهم تحقيق أكبر المكاسب التي تخدم مصالحهم فلا تطبيق الديموقراطية لدينا يعنيهم و لا التحرر من طغاتنا يهمهم لذا يجب على الجميع التنبه إلى هذا الأمر و الكف عن اللجوء إلى طلب الحماية الدولية و ما شابه فالثوار الحقيقيين لا يسمحون لأحد بالثورة نيابة عنهم حفاظا منهم على نقاء الثورة .
ما حصل و يحصل يجب أن ينبه جميع الحكام الذين سيأتون أن الشعب لن يقبل بعد اليوم حكم الفرد و لا فساد الأنظمة أو تبعيتها العمياء للغرب أو قمعها لشعبها و التضييق على حرياتهم و عليهم أن يعرفوا جيدا أن الظلم و البؤس في عيون المقهورين ما يصنع الثورة لذا عليهم أن ينحازوا إلى صف الشعب و لا أحد غيره .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات