في المسألة السورية ..


قد تصدق تصريحات الساسة في دمشق حول اختلاف ظروف الأوضاع بين دمشق وبقية العواصم التي شهدت تغييرات جذرية في نظامها السياسي ، ويبدو أن النظام في دمشق محافظ حتى اللحظة على رباطة جأشه وقدرته على مواجهة التحديات الداخلية بحزم، وكذلك مواجهة الميوعة العربية والدولية المحددة بحصار اقتصادي قد تفشله الامكانات المتوفرة لدى سوريا والظروف المحيطة ، فما يقال عن تمرد في صفوف الجيش لا يعد في الميزان والحسابات العسكرية ذاك الشيء الهام أو الملفت للنظر ، والدبلوماسية السورية لم تسجل حتى اللحظة إختراقا من قبل حتى ملحق ثقافي او سفير او قنصل عام يعلن رفضه وانفصاله عن النظام هناك ، والجيش لا زال بقبضة النظام وموال له ، والمحافظات السورية خلا حمص وبعض حارات درعا وحلب وحماة لا زالت تترقب تطورات الاحداث خشية ان تدفع الثمن مقابل عودة النظام نفسه اكثر قوة وجبروتا ، وأما المعارضة الخارجية فحدث ولا حرج ، اذ ينخر جسدها الخلاف والاختلاف في التوجه المتعدد تبعا لتعدد الاتجاهات بين الغربية والعربية والتركية ، وكأن لسان الحال يقول ان دمشق استطاعت اختراقها والعبث في ديناميكية أدواتها الضعيفة ، كذلك لم تشهد العواصم الغربية تلك التحركات الشعبية التي تطالب بوقف القتل والتنكيل بحق ابناء الشعب السوري كما كنا نشهده أبان حكم الرئيس العراقي وغيره ، ويبدو أن الدوائر الغربية باتت مقتنعة بعدم جدوى تلك التحركات ولذلك غابت عنها مؤسسات رسمية كانت هي المحرك الرئيس لتلك الجماهير في الغرب .
إسقاط النظام في سوريا هو الهدف الأساس لتلك الدول مجتمعة عربية كانت ام غربية ، والقناعة بدأت تتضاعف لدى الناس ان التحالف الناتوي – العربي والتركي ليس معني بتحرير شعب سوريا من قبضة النظام بقدر ما يهدف الى إسقاط النظام السوري وهناك فرق كبير ، فمنذ متى كانت الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا تذرف دموع الحزن والألم على واقع الامة العربية وشعوبها وهي التي أذلت وقسّمت ونهبت خيراتها وحالت دون تطورها ، فالادوار الغربية المساندة والداعمة لإسرائيل في احتلالها وغطرستها للضفة الغربية يشير الى كذب ودجل تلك السياسات الهوائية، فمن يستخدم حق الفيتو ضد قرار الاعتراف بفلسطين دولة كاملة العضوية في مجلس الأمن لا يحق له الحديث عن حقوق الشعب السوري والتباكي على أوضاعه ،اوحتى ما يتعلق منها بمساندة اسرائيل في حربها المدمرة على غزة والدفاع عن ممارساتها في قتل وتدمير القطاع واعتبارها حربا مشروعة لاسرائيل لحماية شعبها ! ولم تكن حتى البلاد العربية وانظمتها الشمولية معنية بحقوق المواطن العربي ، وهي التي كرست اكثر من خمسة عقود مضت كل أدواتها ومقدراتها للحيلولة دون تطوير بلدانها ومنح شعوبها الحرية والكرامة ، وتسامح الغرب بل وساند كل أدوات الانظمة العربية القمعية وسياسات القتل والتنكيل والملاحقة حينما كانت تلك الانظمة تغرد مع السرب الامريكي والغربي !
بعض الدول العريبية والخليجية منها خاصة اتبعت سياسات براغماتية وفرت لها الإدارة الأميركية الغطاء والحاضنة لتقاطعها التام مع مصالحها وإستراتيجيتها وخدمتها للكيان الصهيوني الذي وجد في البوابة الإعلامية والسياسية والاقتصادية لتلك الدول ضالتها ونافذتها الواسعة للتطبيع العملي مع شعوب المنطقة المسكونة بحالة العداء التاريخي لها.‏ ولا يخفى على أحد ان الدور التركي القادم الينا بعباءة الاسلام العلماني ليس إلا محاولة أخرى لتتريك الاسلام بعد ان انتهى مشروع تتريك العروبة وهي مهمة يقودها باقتدار عرابوا المشروع في حزب العدالة والتنمية التركي الذين يكثفون سعيهم لتلقي الدعم من المال العربي الخليجي والغربي للاستمرار في الانتعاش الاقتصادي، ونيل رضا الغرب بنفوذ إقليمي على حساب الشعوب العربية وسفك دمائه إرضاءً لطموحاتها في أن يكون لها مكان متميز في الشرق الأوسط ولو كان هذا الدور خدمة للمصالح الاستراتيجية لإسرائيل والاستعمار الأميركي والغربي ، فالموقف التركي للاسلام المعتدل كما يوصف كان ضعيفا في مواجهة معارك بسيطة مع الكيان الاسرائيلي، ولم نرى طحنا بقدر الجعجعة التي صمّت أذاننا لسنوات خلت .
واضح تماما، إن السيناريو القادم لن يتعلق بحرب الناتو على سوريا وإن كان خيارا قائما، بل قد يستعاض عنه ولطبيعة الظروف الاقليمية والتحالفات القائمة في المنطقة الى تعزيز الحصار العربي و التركي على سوريا والتحضير لحرب أهلية شاملة تنتهي بسقوط سوريا في أوحال لن يسلم منها أحد قد تعود نتائجها الى تقسيم سوريا الى دويلات ضعيفة كانت فرنسا نفذتها ابان الاحتلال الفرنسي عام 1925 وهي دويلات "حلب - الدروز - العلويين – دمش ولكن بصورة مغايرة ومختلفة الى حد ما تستجيب وتعززالتقسيمات الديموغرافية في البلاد سيكون لها ان حصلت تأصثيرات واسعة على دول الجوار لا يستفيد منه إلا اسرائيل والضالعين بتقسيم البلاد العربية الى دويلات ضعيفة .
يبدو ان الدور الحاسم والمانع لمثل تلك التطورات التي قد تحدث متوقف على موقف القيادة السورية وسرعة تحركها نحو الإسراع في إجراء الاصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي كانت سبب انطلاقة الثورة ، والتعامل مع التطورات بشكل جدي من خلال الدعوة الى وقف إحتلال المدن الكبرى وسحب قوات الجيش والاجهزة الامنية ، ووقف الاعتقالات والملاحقات وإطلاق سراح المعتقلين والدعوة الى مؤتمر أو حوار وطني شامل تلبي نتائجه طموح الشعب السوري وتحافظ على وحدة الارض والشعب المستهدفة بالتقسيم كما يبدو ، فالقيادة السورية قادرة على تجاوز تلك المحنة ، والشعب لا بد ان يتناسى جراحه ان تعلق الأمر بتهديد جدّي لوحدة أرضه وشعبه .



تعليقات القراء

صايل عريقات
أحسنت ، منذ متى يتباكى الغرب على وجعنا وألمنا ! منذ متى بات الغرب يبحث لشعوبنا عن الديمقراطية والحرية . منذ متى . منذ متى . حين تتطابق وجهات النظر العربية مع الامريكان فلتعلموا انها مؤامرة ضد العرب أنفسهم .
07-12-2011 12:47 AM
حامد المصري
تحليل يذهب الى المنطق الحقيقي لموقف كل من تركيا ودول الخليج التي تعض اصابعها ندما على زوال نظام صدام حسين ، والغرب .. اه من الغرب وما صنعه في بلادنا . ولكن يبقى السؤال : هل يصمت الشعب السوري عما يتعرض له على يد الاجهزة والشبيحة في سوريا ويتوقف ان تعلق الامر بوحدته او تقسيم شعبه ؟؟ لا نعرف بعد . والله يفرجها على الامه .
07-12-2011 06:58 AM
عادل الشبيلات
دول الخليج لم تتعلم من دروس العراق ولن تتعلم حتى تجد نفسها مقسمة كالسعودية وضعيفة كالكويت وقطر . وحينها ستدرك الخطأ الذي ترتكبه في سوريا ان اصرت على ملاحقة المخططات الاسرائيلية والامريكية .
07-12-2011 08:40 AM
مجدي القراله
يا صديقي . شكلك حنيت لدمشق والمصايف . من زمان والله يا صديقي واحتفالات النيروز واشعال الشعله فوق الجبل ... الله يهدي النفوس ويحفظ سوريا والبلاد العربية من كل خبث ومؤامرات
07-12-2011 09:26 AM
سناء جبري
لن يحرك الناتو سلاحه ، والحصار العربي فاشل لان الاردن تحفظت والعراق داعم لسوريا ولبنان تساهم بحد كبير في تخفيف الحصار بريا وبحريا . وسوريا لن يضيرها الحصار لانها مختلفة عن غيرها بالاكتفاءالذاتي... اما الحرب الاهلية فدول الخليج مستعدة لشراءالسلاح الامريكي او الاسرائيلي وتلك مشكله ...ندعو الله لسوريا وشعبها بالامان .
07-12-2011 11:29 AM
سلمان الخوالده
هناك تقارير تتمحور عن مدى قدرة النظام السوري على حفظ التماسك الداخلي بعدما بدأت أولى ثمار التعاون الوثيق مع طهران تنعكس خللا في التوازن وتهدد بإثارة حساسيات مذهبية. ويبدو أن انتشار ظاهرة التشيع والتفريس بات ينظر إليه لدى غالبية السوريين على أنه "تحالف ديني" وليس سياسيا أو عسكرياً فقط مع إيران. وهي نظرة تنذر في حال تجذرها وانتشارها رغم إصرار النظام على التعتيم الإعلامي الكامل عليها، بإشعال ظاهرة التطرف الديني في سورية وتهديد مستقبل البلاد والنظام. وثمة من يضيف إلى هذه المخاوف تحذيرات من أن تؤدي مجدداً إلى إعادة صراعات الأجنحة داخل النظام حيث يقال إن ثمة جناحا كان يحذر من مغبة وضع كل بيض سورية في سلة إيران وأن هذا الجناح قد يستغل المخاطر التي تنذر بها هذه المعادلة.
وليس مستبعداً أن يكون استمرار رهان البعض على قرب حصول التغيير الداخلي في دمشق مرتبطاً بهذا الوضع الصعب للنظام رغم إشراف ومراقبة وحماية المستشارين الإيرانيين من قلب العاصمة السورية!
07-12-2011 02:10 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات