نقابة المناجم والتعدين .. تمخض الجبل فولد فارا


لعل جميع العاملين القدامى في شركة البوتاس ، يشعرون بالحسرة على الايام الخوالي ، التي عاشوها في شركة البوتاس قبل انشاء نقابة لهم ، انضوت تحت لواء نقابة المناجم والتعدين ، فمنذ عام 2003 ، وهو عام الخصخصة للشركة ، وانشاء النقابة قبل ذلك بفترة وجيزة ، والاشكالات تتوالى ، وكأن هذه النقابة جاءت لخلقها فقط ، فاصبحت مبرر وجودها .
في عام 2008 ، قررت الادارة الكندية لشركة البوتاس ، تعديل سلم الرواتب ، بزيادات مجزية وصلت عند البعض لمضاعفة الراتب ، ارتكبت هذه الادارة خطأ فادحا ، عندما اصرت على موافقة نقابة المناجم والتعدين على هيكلة الرواتب تلك ، من خلال اتفاقية عمالية عقدت بين الشركة والنقابة ، وبدا كأن هذه الزيادة في الرواتب انجاز نقابي ، وفي حقيقة الامر لم تكن كذلك ، بل جاءت برغبة من ادارة الشركة ، وكان جل مطالب النقابة في ذلك الوقت ، هو زيادة بالراتب لجميع العاملين ، مقدارها خمسون دينار ، كالتي امر بها جلالة الملك للموظفين الحكوميين .
لم تقتصر مشاركة نقابة المناجم والتعدين ، على التوقيع فقط على اتفاقية هيكلة الرواتب مع الشركة ، مقابل عدم لجوء النقابة لاي مطالبة مالية لمدة سنتين قادمتين ، بل ان ما اساء الى هذا الانجاز هو تدخل عامل المصالح الشخصية ، حيث بدأت مفاوضات بدت في ظاهرها علنية ، بين اعضاء في النقابة وادارة الموارد البشرية العربية ، طغت على نتائجها المنافع الشخصية لاعضاء النقابة واتباعهم ، كما اطلقت يد ادارة الموارد البشرية الاسبق ، في جلب المنافع لاتباع مديرها واصدقائه ، على طريقة ، يا غلام اعطه الف درهم ، وبالتالي فان المبلغ المالي الثابت ، الذي تم تخصيصه لهذه الزيادة ، قد وزع بطريقة غير عادلة ، اوجد الشكوى المستمرة من الظلم وغياب العدالة ، وقد ساهم مدراء الادارة الوسطى العرب في ذلك ، من خلال التلاعب بالمسميات الوظيفية ، ومنح مسميات لمن لا يستحقونها ، وحرمان اخرين منها ، كما تفتقت عبقرية الادارة العربية للموارد البشرية ، عن قاعدة في العدل ليس فيها اي ذرة عدل ، فرئيس قسم في دائرة معينة منذ اثنتا عشر عاما ، سيحصل على نفس راتب من منح هذا المسمى منذ اشهر ، مستندين الى مقولة ، انه ما دام الاثنان يقومان بنفس العمل ، فانهما يستحقان نفس الراتب ، وبالتالي كانت زيادة الثاني اضعاف زيادة راتب الاول ، وهنا تدخل عامل المحسوبية باقرار المسميات وترقية البعض قبل الزيادة ، لانها ستكون الاساس في تحديد الزيادة المقبلة في الراتب ، وهذا هو احد اهم اسباب انتفاء العدالة في هيكلة الرواتب ، فاين دور الخبرة التراكمية ؟ وكيف ان كان الاول من قدماء العاملين ، الذي عمل في اصعب الظروف واقل الرواتب ، وساهم في وصول الاخر الجديد ، المساوي له بالراتب ، الى هذه الاريحية في العمل ، هل تعلم الادارة الكندية ، ان هذا الموظف القديم ، عمل سابقا مئات او الاف الساعات الاضافية دون مقابل ، وان العمل الاضافي حاليا هو منفعة يتم منحها لغير المغضوب عليهم ، وغير الضالين ، وان هذا العمل الاضافي ، ومع زيادة الرواتب ، اصبح رديفا للراتب ، وهو غير مبرر للجميع ، ولا يعلمون حجم الوقت الضائع في شتى النشاطات ، لمن يعمل عملا اضافيا في فترة بعد الظهر والمساء ، وفي يوم العطلة الاسبوعية ، فهل المقياس هو الارباح السنوية ، التي تلغي الالتفات الى الممارسات السلبية ، واين الجوانب الانسانية في الادارة ؟
قبل الزيادة على الراتب ، نشط المدراء العرب ليس في منح المسميات الوظيفية للاتباع فقط ، بل فيما سمي "الوزن الوظيفي" ، اي حجم واهمية العمل الذي يقوم به الموظف ، وهنا لجأ بعض مدراء الدوائر العرب ، الى لعبة اخرى ، من خلال زيادة حجم العمل للاتباع ، بخلق مهام جديدة لهم ، والحاق مجموعات اخرى بعملهم ، من اجل تعظيم دورهم ، وفي نفس الوقت ، تحجيم دور الاخرين ، من غير المحسوبين عليهم ، وسحب جزء من عملهم ، ومن القوى البشرية العاملة لديهم ، لحرمانهم من الزيادة العادلة في الراتب ، استطيع ان اؤكد ان مشكلة التظلمات وانتقاص حقوق العاملين ، هي عربية بامتياز ، لكن خطا الادارة الكندية ، هي الوثوق بالمدراء العرب ، ومنحهم الصلاحيات المطلقة ، الغير قابلة للنقض ، فاصبح المدير العربي هو القاضي والخصم معا ، وقد اثبت هذا المدير العربي ، وفي ظل رعاية الادارة الاجنبية ، انه الاقدر على ايذاء العاملين ، فهو يعرف "الجنب اللي بوجع" ، وعنده القدرة على استنباط مختلف وسائل الايذاء ، واخرها التلاعب بتقييم من لا يريدون الخير له ، فهل يعقل ان موظفا عمل اكثر من اربعة وعشرين عاما ، كان تقديره على الاغلب ممتازا ، وفي سنوات معدودة ، وبسبب الضغط لتحديد عدد تقاييم الامتياز ، اصبح تقديره جيد جدا ، وفجأة يصبح تقديره جيد فقط لاخر عامين ، كي يحرم من الدرجة الادارية حسب نظام الترفيعات ، رغم ضآلة امتيازاتها ، من يستطيع ان يبدع بوسائل القهر كمثل المدير العربي ، انني متاكد ، انه لو كانت الادارة الوسطى ايضا اجنبية ، لما كان الظلم الذي وقع .
لم تعاني نقابة المناجم والتعدين من "البطالة" ، فقد ظهرت اشكالية اخرى بين الموظفين وادارة الشركة ، غابت ارادة حلها عن النقابة منذ البداية ، وتمثلت هذه المشكلة ببساطة واختصار ، في ان شركة البوتاس العربية ، قد منحت موظفيها منذ تأسيسها ، امتيازا في التامين على حياتهم ، والاعتلالات المهنية التي قد يتعرضون لها خلال مدة عملهم ، لدى احدى شركات التامين المحلية ، وتمثل البند الاخير بمنح العاملين بدلا ماليا لاعتلالات دائمة تصيبهم ، طبقا للتقرير الطبي بذلك ، واكتشف عمال البوتاس هذا الامتياز بعد عشرين عاما من عمر الشركة ، حيث كان يمنح بدل الاعتلال سرا لمدراء الشركة والمتنفذين ، وهم ما زالوا على رأس عملهم ، فاندفع العاملون للمطالبة بهذا الحق ، وتم الاقرار به لهم من قبل المدير العام خطيا ، ثم تراجعت الشركة لاحقا عن ذلك ، مؤجلة صرف التعويض لحين انتهاء الخدمة ، فاضطر بعض العاملين للجوء الى القضاء لتحصيل هذا الحق حاليا ، وبسبب الانتقاص من نسبة الاعتلال الممنوحة لهم من اللجنة الطبية للشركة ، ونجحت هذه القضايا ، فاندفع العاملون لرفع مثلها ، كما فعل ايضا من شعر بالظلم وانتقاص الحقوق ، ويئس من الانصاف ، ليس باختلاق اعتلالات ، بل بعدم الانتظار لنهاية الخدمة كي يعوض عن حقه الضائع ، في ظل الخوف من الغاء بوليصة التامين ، مما شكل عبئا ماليا على الشركة خلال فترة قصيرة ، وكان بامكان النقابة حل المشكلة ، بطمأنة العمال الى عدم ضياع حقهم ، وترتيب حصولهم عليه وفق جدول زمني ملائم لطرفي القضية ، لكن المماطلة والتسويف كانا عنوانا بارزا لعمل النقابة ، لجميع الاشكالات السابقة .
بالامس وقعت نقابة المناجم والتعدين ، على اتفاقية مع ادارة شركة البوتاس ، لحل مشكلة التامين الصحي ، كان التقييم المبدئي لها من قبل بعض رجال القانون ، بانها غير ملزمة للعاملين ، ولا نريد استباق الوقت ، وسنترك الحكم القانوني النهائي عليها للايام القادمة ، لكن المنطق يفند بعضها .
فكيف يمنح جميع العاملين الذين لم يرفعوا قضايا تامين صحي ، مبالغ مالية بدلا من الغاء بوليصة التامين ، دون ان يكون لديهم اعتلالات صحية ، وكيف تتساوى نسبة الاعتلالات المفترضة لجميع العاملين ، وكيف يعتبر بيان اللجنة النقابية في البوتاس ، هذا البند مكافاة لمن لم بلجأ للقضاء ، هل اصبح اللجوء للقضاء جريمة ، تستوجب مكافاة من لم يرتكبها ، وما الذي يعوض من رفع قضايا عن تكلفة اتعاب المحاماة ، التي قضمت خمس المبلغ ، وعن المعاناة التي تعرض لها هولاء ، كمثل حرمانهم من الترقيات والدورات والتنافس على الوظائف الاعلى ؟ اسئلة عديدة تجول في خاطر كل عمال البوتاس ، رغم البرباغندا الهائلة ، التي ارفقتها النقابة لتوقيع الاتفاقية ، واخرها اعلانات الشكر في الصحف المحلية ، خاصة بعد ان اختارت نقابة المناجم والتعدين ، اللجوء "السياسي" لموقع البوتاس ، بعد ان انقلب عليها عمال الفوسفات وعزلوها ، فحق تسميتها الان "نقابة عمال البوتاس" بدلا من نقابة المناجم والتعدين .
اننا ننطلق من حرصنا على حل مشاكل جميع عمالنا ، وان لا تفجر الحلول الناقصة مشاكل لاحقة ، وعلى تعظيم الانجازات والمكاسب لعمال البوتاس ، وتحقيق اغلى امانيهم ، وهي مكافاة نهاية الخدمة ، اسوة بمئات الزملاء القدامى ، الذين تم تعيينهم قبل عام 1986 ، بحيث اصبح عمال البوتاس فئتان ، فئة ترث واخرى لا ترث ، وكلنا امل ان يهدي الله نقابتنا لتحقيق هذا الهدف ، رغم ايماننا باستحالة تحقيقه في ظل النقابة الحالية ، لانها لا تمتلك الارادة لذلك .
ان العدالة هي اساس الحكم ، ولا اشك بقيمة الانتماء الحقيقي للغالبية الساحقة من العاملين في البوتاس ، الذين لن يتوانو عن التضحية في سبيل استمرار نجاح شركتهم وازدهارها ، لكن الظلم قد يقتل هذه القيم النبيلة .

مالك نصراوين
m_nasrawin@yahoo.com
05/12/2011



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات