الفتنة الكبرى .. طبعة جديدة ومزيدة


اخشى اننا نعيش هذا الاوان، على كامل الصعيد العربي، زمن "الفتنة الكبرى"، وان عميد الادب العربي الدكتور طه حسين يتأهب للعودة الى رحاب الحياة كي يكتب الجزء الثاني من كتاب "الفتنة الكبرى" الذي سبق له ان تحدث في جزئه الاول، منذ جملة اعوام، عن افدح الصراعات الاسلامية التي نشبت في وقت مبكر من التاريخ الاسلامي، بين الخليفة الراشد الامام علي، ووالي الشام معاوية بن ابي سفيان•
اخشى اننا نكابد فتنة مدبرة بليل، وملتبسة لا سابق لمثلها في التاريخ العربي المعاصر، حتى باتت محاولات سبر اغوارها والوقوف على حقائقها، تحتاج الى توصيفات وتعريفات ومعاجم ومساطر قياس جديدة ومبتكرة، نظراً لما انطوت عليه هذه الفتنة الدامية والداهمة من اضطراب وانقلاب في القيم والمعاني والمعايير والمواقف والطروحات والتحالفات والاصطفافات التي كانت سائدة وراسخة حتى الامس القريب•
اخشى ان ربيع الثورات العربية قد اسلم قياده لرعيان الرجعية الخليجية، وطلاب الثأر القديم في تركيا العثمانية، واعداء العروبة في المحافل الاوروبية والامريكية والصهيونية، حتى بات المستقبل العربي مهدداً باعاصير الفوضى غير الخلاقة، وملاحق جديدة لمؤامرة سايكس- بيكو، وخرائط اضافية للاطماع العدوانية الصهيونية، وعودة مشؤومة للوجود الاستعماري السافر والمباشر في الوطن العربي•
ورغم رهاننا الدائم على عبقرية امتنا، وايماننا العميق بقدرتها على استنهاض ذاتها وفرض ارادتها وتصويب اخطائها ورسم معالم مستقبلها، الا ان كل ذلك لا يجوز ان يحجب عن ابصارنا وبصائرنا واقع الحال العربي الراهن الذي لا يبعث على الاطمئنان، او يحمل على الرضا والارتياح، بعدما دبت الخلافات واستعرت الصراعات حول الاحداث الجارية، ليس بين قطر وآخر، او حزب وثانِ، او حاكم ومحكوم فحسب، بل بين الابن وابيه، او الاخ واخيه، او الزوج وزوجته، او الصديق وصديقه، وذلك ضمن دوامة تناحرية اسقطت معظم القواسم المشتركة بين الناس، وذرت الكثير من الرماد في العيون، ودفعت بشدة نحو الوقوع في فخ الفتنة الكبرى•
غاب العقل الجمعي او الرشد العام•• اختلفت المواقف وانقلبت الادوار والاطوار والاقدار، فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، واذا الذي بينك وبينه تحالف وصداقة كأنه خصيم ذميم، واذا الذي لم يكن يوماً نصيراً للثورة والحرية كأنه ارنستو جيفارا، واذا الذي لم يعترف طوال تاريخه بالديموقراطية او الدولة المدنية كأنه هارولد لاسكي، واذا الذي بالغ في هجاء امريكا وتحالفها العضوي مع العدو الاسرائيلي كأنه انور السادات الذي ما ان اشارت اليه واشنطن بطرف اصبعها حتى هرول نحوها طائعاً ومنبطحاً وضارباً عرض الحائط بكل قناعاته وتحالفاته القديمة•
اضطربت الصفوف، وانهارت التحالفات، وتناسلت الغرائب والمفاجآت، وتلاشت بين عشية وضحاها حصيلة جهود مضنية ومخلصة استغرقت قرابة عشرين عاماً، للتجسير بين القومي والاسلامي، وبناء اواصر الثقة والمودة بين دعاة الوحدة ودعاة التوحيد•• ولم يعد من المستبعد ان نرجع القهقرى الى حروب داحس والغبراء السياسية التي اندلعت بين القوميين والاسلاميين منذ فجر الخمسينات حتى بواكير عقد التسعينات الذي شهد قيام اول مؤسسة شعبية ونخبوية مشتركة بين هذين الجانبين، تحت اسم "المؤتمر القومي - الاسلامي"•
واذا كان هذا الافتراق المؤسف قد وقع على مستوى الوطن العربي الكبير، فلعل ما وقع على الصعيد الداخلي الاردني ان يكون اشد فداحة واكثر مدعاة للاسف، حيث ادى تضارب المواقف من الازمة السورية الراهنة، الى تقويض وحدة قوى المعارضة السياسية، وتعاكس اقوالها وافعالها واصطفافاتها، وتقديم هدية ثمينة جداً للسلطات الحاكمة التي لم تعد فقط ترقب بسعادة غامرة ما يجري بين "الاخوة الاعداء" من خلافات وتجاذبات لم تكن تحلم بها، بل سارعت الى تسعيرها وتسميمها وقطع خط التراجع عنها، وذلك من خلال استرضاء فريق واستبعاد آخر، وتقديم الجزرة الى فصيل مقابل اشهار العصا في وجه بقية الفصائل•
وليس خافياً على احد ان زخم الحراك الشعبي، ومسيرة الاصلاح السياسي المتعثرة اصلاً، سوف يكونان اول ضحايا هذا الانقسام في صفوف المعارضة، وابرز الخاسرين والمتضررين من اي تقارب وتحالف بين الدوائر الحاكمة وبين الحركة الاسلامية، نظراً لان هذا التحالف المرتكز اولاً واساساً على وحدة الموقف من الاحداث السورية، سوف يعفي الدوائر الحاكمة من استحقاقات الاصلاح الديموقراطي والسياسي، ويساعدها على محاولة تصدير ازماتها الى خارج الحدود، وشد الانظار والاهتمامات الشعبية الى الاحداث الاقليمية بدل التركيز والاصرار على القضايا الداخلية والتطلعات الوطنية•
خلال الايام القليلة الماضية رأينا شيئاً عجيباً، ولمسنا لمس اليد كيف التقى كتاب التدخل السريع الذين طالما تهجموا على الحركة الاسلامية، مع اقطاب هذه الحركة في مناشدة الدوائر الحاكمة قطع العلاقة مع دمشق، وطرد السفير السوري من عمان، والاعتراف بشرعية المجلس اللاوطني السوري، او بتعبير ادق "الاسطنبولي" الذي يعلم الداني والقاصي انه مجرد صنيعة ذليلة لجملة من الدوائر الاستخبارية الصهيونية والاستعمارية، وعلى رأسها المهووس اليهودي الفرنسي برنار ليفي الذي ما انفك يفاخر بانه الاب الروحي لثورات الربيع العربي•
لا لوم ولا تثريب على كتاب التدخل السريع القدامى والجدد، لان دأبهم ودورهم مهاجمة كل قوى المقاومة والممانعة والجهاد في الوطن العربي•• اما "حلفاء الامس" فالمأمول ان يراجعوا انفسهم، ويعيدوا النظر في حساباتهم وتوجهاتهم الطارئة، حفاظاً على ما تبقى من تفاهمات قومية - اسلامية وجدت تجسيدها في المؤتمر القومي - الاسلامي، وحرصاً على بقية وشائج ائتلافية مع احزاب المعارضة الوطنية الاردنية ضمن اطار لجنة التنسيق العليا•
مؤكد اننا نقف جهاراً نهاراً مع سوريا، ونرتبط باوثق العلاٌّئق مع قيادتها الحكيمة، ونأبى ان ننكرها ونخذلها وقت الشدة، ونثق بوعود الرئيس بشار الاسد في الاصلاح السياسي والانطلاق الديموقراطي والعدل الاجتماعي•• غير ان هدفنا بالدرجة الاساس من هذا المقال ليس نصرة سوريا واعلان التضامن مع قيادتها، بل محاولة نصح وتبصير المراهنين في صفوف المعارضة على الحصان الخاسر، ثم تنبيه وتحذير المغامرين في صفوف الحكومة من التورط في الاحداث السورية•
ليس في صالح الاردن، ولا في طاقته، الدخول في صراع لن يقتصر على سوريا وحدها، بل سوف يشمل ايضاً كلاً من ايران وحزب الله، وربما العراق عقب الانسحاب الامريكي الوشيك•• وليس في مصلحة الاردن انتقال اية فوضى يمكن ان تعم الاراضي السورية الى ارضه وشعبه، ولعل احداث الرمثا الاخيرة خير شاهد ودليل•• وليس في طاقة الاردن وحده ردع العدو الصهيوني عن تنفيذ مخططاته على التراب الاردني في حال تفكك ظهيره السوري، لا سيما وان هذه المخططات والاطماع قد خرجت مؤخراً الى حيز العلن، وباتت واضحة للعيان وماثلة للتنفيذ فور توفر الظروف المناسبة•



تعليقات القراء

ابو العلائق
العلائق مع سوريا يا خوي لا تبرر الدفاع عن المجرم ونظامه الفاشل سقوط مدوي لكل من يدعم المجرمين
29-11-2011 10:55 AM
عفاش
............
رد من المحرر:
نعتذر....
29-11-2011 07:45 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات