أفكار ثورية 4


اتخذت العديد من الثورات في العصر الحديث قالبا جديدا تمثل في مظاهر الاحتجاج السلمي دون العسكري ، و لعل أحد أبرز رواد هذا الفكر و مبتكريه كان المهاتما غاندي و الذي قام فكره على مقاومة الاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل و إتباع سياسة اللاعنف في مقاومة المستعمر و يقول غاندي معلقا على هذه السياسة : إن اللاعنف هو أعظم قوة متوفرة للبشرية..إنها أقوى من أقوى سلاح دمار صنعته براعة الإنسان ، بداية عمل غاندي في الاحتجاج السلمي كانت في جنوب افريقيا حيث عمل مدافعاً عن حقوق عمال الزراعة الهنود والبوير العاملين في مزارع قصب السك و بعد عدد من السنوات في المقاومة السلمية ضد اضطهاد أبناء جلدته من الهنود في جنوب افريقيا عاد غاندي إلى وطنه الأم الهند حيث أصبح أحد أهم الزعماء هناك في مقاومة الاحتلال البريطاني للهند من خلال عدد كبير من المسيرات و الاعتصامات إلى أن تم اعتقاله عام 44 خرج بعدها ليجد الهند قسمت لدولتين واحدة للمسلمين و أخرى للهندوس على الرغم من محاولاته الحثيثة على إبقاء وحدة الهند و مطالبته الأغلبية الهندوسية باحترام حقوق الأقلية المسلمة و هو ما تسبب في اغتياله على أيدي الهندوس المتعصبين و قال غاندي قبل وفاته جملته الشهيرة (سيتجاهلونك ثم يحاربونك ثم يحاولون قتلك ثم يفاوضونك ثم يتراجعون وفي النهاية ستنتصر ) و لكن على الرغم من كل ما تعرض له غاندي من محاولات للقمع ظل الرجل وفيا لمبادئه السلمية كما كان يقول ( العين بالعين ستجعل كل العالم أعمى ) ، (أنا مستعد لأن أموت، ولكن ليس هنالك أي داع لأكون مستعدا للقتل ) ، (إن النصر الناتج عن العنف مساو للهزيمة، إذ انه سريع الانقضاء ) ، (إننا سوف نكسب معركتنا لا بمقدار ما نقتل من خصومنا و لكن بمقدار ما نقتل في نفوسنا الرغبة في القتل ) .
لعل أبرز تلامذة مدرسة المهاتما غاندي في اللاعنف كان المناضل و الزعيم الجنوب افريقي نلسون مانديلا حيث كان مانديلا يدعو إلى المقاومة السلمية لسياسة التمييز العنصري ضد السود في جنوب افريقيا الذي كان يقوم به نظام الحكم الذي كان بيد الأقلية البيضاء لكن بعد إطلاق النار على متظاهرين عزل في عام 1960، وإقرار قوانين تحظر الجماعات المضادة للعنصرية، قرر مانديلا وزعماء المجلس الإفريقي القومي فتح باب المقاومة المسلحة.
حيث شهد تلك الحقبة تحولا في مواقفه نحو الكفاح المسلح فأصبح مانديلا رئيسا للجناح العسكري للمجلس الإفريقي القومي. في فبراير 1962 اُعتقل مانديلا وحُكم عليه لمدة 5 سنوات بتهمة السفر الغير قانوني، والتدبير للإضراب. وفي عام 1964 حكم عليه مرة أخرى بتهمة التخطيط لعمل مسلح والخيانة العظمى فحكم عليه بالسجن مدى الحياة. خلال سنوات سجنه الثمانية والعشرين، أصبح النداء بتحرير مانديلا من السجن رمزا لرفض سياسة التمييز العنصري. وفي 10 يونيو 1980 تم نشر رسالة استطاع مانديلا إرسالها للمجلس الإفريقي القومي قال فيها: "اتحدوا! وجهزوا! وحاربوا! إذ ما بين سندان التحرك الشعبي، ومطرقة المقاومة المسلحة، سنسحق الفصل العنصري".
إلى أن تم إطلاق سراحه عام 1990 مقابل إعلان وقف المقاومة المسلحة ليصبح بعدها أول رئيس أسود لجنوب افريقيا منهيا عهد طويلا من التمييز العنصري ضد السود في ذلك البلد و على الرغم من المدة الطويلة التي سجن بها مانديلا إلا انه قال عند خروجه ( إذا خرجت من السجن في نفس الظروف التي اعتقلت فيها فإنني سأقوم بنفس الممارسات التي سجنت من أجلها ) و من أقواله أيضا (الحرية لا يمكن أن تعطى على جرعات، فالمرء إما أن يكون حرّاً أو لا يكون حرّاً ( .
يعد الأمريكي مارتن لوثر كنغ من أهم الشخصيات التي كانت تطالب بالحرية و المساواة عبر الاحتجاج السلمي و اللاعنف في عام 1954 قدم مارتن وزوجته إلى مدينة مونتجمري التي كانت ميدانا لنضال مارتن, كان السود يعانون العديد من مظاهر الاضطهاد والاحتقار ، خاصة فيما يلقونه من شركة خطوط حافلات المدينة التي اشتهرت بإهانة ركابها من الأفارقة، حيث كانت تخصص لهم المقاعد الخلفية في حين لا تسمح لغير البيض بالمقاعد الأمامية، وعليه كان من حق السائق أن يأمر الركاب الزنوج بترك مقاعدهم لنظرائهم البيض فقام مارتن بدعوة لمقاطعة شركة الحافلات استمرت عاما كاملا و هو ما أثر كثيرا على إيداعاتها في 30 يناير 1956، كان مارتن يخطب في أنصاره حين ألقيت قنبلة على منزله كاد يفقد بسببها زوجته وابنه، وحين وصل إلى منزله وجد جمعا غاضبا من الأفارقة مسلحين على استعداد للانتقام، وأصبحت مونتجمري على حافة الانفجار من الغضب، ساعتها وقف كنغ يخاطب أنصاره: "دعوا الذعر جانبا، ولا تفعلوا شيئا يمليه عليكم شعور الذعر، إننا لا ندعو إلى العنف".
وبعد أيام من الحادث أُلقي القبض عليه ومعه مجموعة من القادة البارزين بتهمة الاشتراك في مؤامرة لإعاقة العمل دون سبب قانوني بسبب المقاطعة، واستمر الاعتقال إلى أن قامت 4 من السيدات من ذوى أصول افريقية بتقديم طلب إلى المحكمة الاتحادية لإلغاء التفرقة في الحافلات في مونتغمري، وأصدرت المحكمة حكمها التاريخي الذي ينص على عدم قانونية هذه التفرقة العنصرية. وساعتها فقط طلب كنغ من أتباعه أن ينهوا المقاطعة ويعودوا إلى استخدام الحافلات " بتواضع ودون خيلاء"، وأفرج عنه لذلك.
بعدها اتسعت حجم مطالب مارتن ليطالب بحق الانتخاب للسود و قام بذلك من خلال عدد من الاعتصامات و المسيرات رغم سن قوانين تحظرها ، ما أدى إلى إلقاء القبض عليه و استمر الأمر بين كر و فر إلى أن قام أفارقة أمريكا بثورة قوامها 250 ألف شخص قال فيها كنغ : "لدي حلم بأن يوم من الأيام أطفالي الأربعة سيعيشون في شعب لا يكون فيه الحكم على الناس بألوان جلودهم، ولكن بما تنطوي عليه أخلاقهم" ، استلم بعدها مارتن جائزة نوبل للسلام لدعوته إلى اللاعنف ، و هي جائزة لم يهنئ بها كثيرا حيث تم اغتياله عام 1968 ، و على الرغم من ذلك إلا أن نضاله لم يذهب سدا حيث حصل السود على كثير من الحقوق التي طالب بها كنغ بعد وفاته و بقيت عباراته تنير الطريق لهؤلاء كما كان يقول ( علينا أن نتعلم العيش معاً كإخوة، أو الفناء معاً كأغبياء (
(يجب أن تكون الوسيلة التي نستخدمها بنفس نقاء الغاية التي نسعى إليها ) ، (أعترف لكم بأن المرء إذا لم يكتشف شيئا بإمكانه الموت دفاعا عنه، فهو غير جدير بالحياة (
في نفس فترة ظهور مارتن لوثر كنغ ظهر مناضل آخر يدافع عن حقوق السود ألا وهو مالكوم اكس ، فهذا الزنجي الأمريكي كان قد بدأ حياته شابا في حياة اللهو و المجون فألقي القبض عليه عام 1946 و حكم عليه بالسجن عشر سنوات ، انضم بعدها إلى حركة أمة الإسلام و اعتنق الدين الإسلامي و انكب بعدها على قراءة الكتب فكان يقرأ في اليوم لمدة خمسة عشر ساعة ، و خرج عام 1952 من السجن رجلا آخر أكثر حكمة و بصيرة و أصبح بعد ذلك رجل دين و داعية إلى الإسلام و انطلق في رحلة إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج حيث انبهر هناك مما شاهده من إخاء بين البيض و السود حيث لا فرق بينهم ثم صاغ بعد عودته أفكارا جديدة تدعو إلى "الإسلام الصحيح"، "الإسلام اللاعنصري"، وأخذ يدعو إليه ، وأسس منظمة الاتحاد الأفريقي الأمريكي؛ لذلك هاجموه وحاربوه، وأحجمت الصحف الأمريكية عن نشر أي شيء عن هذا الاتجاه الجديد، واتهموه بتحريض السود على العصيان، فقال: "عندما تكون عوامل الانفجار الاجتماعي موجودة لا تحتاج الجماهير لمن يحرضها، وإن عبادة الإله الواحد ستقرب الناس من السلام الذي يتكلم الناس عنه ولا يفعلون شيئا لتحقيقه".
فتنامت الخلافات بينه و بين منظمة أمة الإسلام إلى أن قامت المنظمة باغتياله عام 1965 و قد كرم بعد وفاته بإعلان يوم ولادته عطلة رسمية في أمريكا و على الرغم من وفاته إلا أن أفكاره بقيت ماثلة فهو القائل (على الوطنية أن لا تعمي أعيننا عن رؤية الحقيقة، فالخطأ خطأ بغض النظر عن من صنعه أو فعله ) ، (لا أحد يمكن أن يعطيك الحرية ولا أحد يمكن أن يعطيك المساواة والعدل، إذا كنت رجلاً فقم بتحقيق ذلك لنفسك ) ، (نريد الحرية، العدل، المساواة بأي طريقةٍ كانت ) ، (لقد تعلمت باكراً أن الحق لا يُعْطى لمن يَسْكت عنه، وأن على المرء أن يُحْدِث بعض الضجيج حتى يحصل على ما يريد (.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات