الايمــو


﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾
كثيرة هي الظواهر السلبية التي انتشرت في مجتمعنا خلال القرنين الأخيرين, والتي أتى معظمها من الغرب أو الصهاينة, ومن هذه الظواهر ما يسمى بـ "الإيمو" وهي جماعة من المراهقين (ذكور وإناث) أعمار معظمهم ما بين 10-19 يتبعون نظام لبس معين وموسيقى معينة وتسريحة شعر معينة, وكلمة إيمو (EMO) هي كلمة انجليزية وهي اختصار لمصطلح ذو نفسية حساسة (Emotive Driven Hardcore Punk), وكانت بدايات جماعة الإيمو على شكل تيار موسيقي في موسيقى الهارد روك في أوائل الثمانينات، ثم تحولت في بداية الألفية الثالثة إلى نمط حياة (Life Style) لجماعات معينة, وبداية ظهور هذه الجماعات كان في واشنطن ومن ثم انتشرت إلى باقي أنحاء المعمورة نتيجة للتقليد الأعمى لكل ما هو آتٍ من الغرب.
والإيمو ليست بديانة, وهم ليسوا عبدة شياطين, وكذلك ليس جميع الإيمو شاذين جنسياً, وغالباً يصعب التفريق بين الإيمو الفتاة والإيمو الصبي نتيجة للتشابه الكبير في اللبس وتسريحة الشعر, ويتميز الإيمو بسماعهم لأنواع معينة من الموسيقى التي تنتمي إلى الروك والميتال وموسيقى الـ (Screamo) ذو كلمات أو أحاسيس مختلفة عن الأنماط الموسيقية العادية, حيث تتحدث حول الألم والحزن وهكذا, وهي طرق التعبير عن النفس بالنسبة للإيمو.
للإيمو لباسهم الخاص حيث يرتدون في العادة الملابس التي يغلب عليها اللونين الأسود والزهري وسراويل ضيقة جداً أو فضفاضة جداً, وكذلك اغلبهم يرتدون الكثير من الأساور في أيديهم, وملابس الإيمو أحياناً قد تحمل كلمات من أغاني الروك المشهورة أو صوراً لمشاهير الروك أو صوراً لجماجم بشرية, كما ان شعر الإيمو يكون منسدلاً من الأمام ليغطي إحدى العينين أو كلتاهما وقد يحتوي على خصلات زهرية, وعن سبب هذه التسريحة يقول الإيمو بانهم يغطون إحدى عينيهم لأنهم يرون النصف الفارغ من الكأس, وآخرون يقولون ان سبب هذه التسريحة هو إخفاء مشاعرهم ودموعهم, ويقوم الإيمو عادةً بعمل تخطيط أسود حول عينيه لتظهر كبيرة.
"الإيمو" هم نتيجة لاضطرابات نفسية واضطرابات شخصية يصاحبها العديد من الأعراض التي تظهر عليهم ومنها السرية التامة في تعاملهم مع الآخرين، والعمل على عدم كشف هويتهم, وعدم الرغبة في الحديث مع الآخرين, والعزلة عن المجتمع، وكثير ممن ينتمون لهذه الجماعة لا يبحثون عن علاج بسبب قناعتهم بأنهم ليسوا مرضى وبالتالي نادراً ما نجدهم في العيادة النفسية.
شخصية الإيمو غالباً حزينة ومتشائمة وصامتة وخجولة ولا تنخرط في المجتمع بشكل ايجابي, ولكن الإيمو في كثير من الحالات يكونون أشخاص مبدعين فمنهم من يكتب الأشعار أو الأغاني عن الأحاسيس التي يشعرون بها, ومنهم من يرسم ويحاول برسمه أن يجسد أحاسيسه, ومنهم من يغنون الـ (Screamo), وغيرها من الطرق التي يقوم الإيمو بالتعبير عن أنفسهم من خلالها. وثقافة الإيمو يتبعها العديد من المراهقين، كوسيلة للتعبير عن مشاعرهم، وفي أغلب الأحيان هي مرحلة يمر بها المراهق ثم يفيق منها.
أما في الأردن فالإيمو موجودين ولو بنسب قليلة ومعظمهم من المراهقين الأثرياء المحبطين الذين يقدسون الألم والتعاسة, وتستطيع مشاهدتهم ليلاً في بعض مناطق عمان مثل شارع الرينبو, شارع الوكالات, عبدون, الرابية, المولات المشهورة.. وغيرها. وأكثر انتشار الإيمو في المدارس والجامعات, وذلك لأن الطالب أو الطالبة يقضون ساعات عديدة في هذه المؤسسات التعليمية، ويلتقون بزملائهم الذين قد يكون بعضهم قرناء سوء يتعلمون منهم هذا السلوك فيصبح عاملاً أساسياً في تمثل الطالب أو الطالبة لهذه المظاهر كنوع من التقليد والمحاكاة، وفي ظل غياب الرقابة والتوجيه في المدرسة أو الجامعة تصبح هذه الأماكن بيئة مناسبة لتعلم هذا السلوك (الإيمو) وشيوعه بين الطلاب. وهنا تأتي مهمة المعلمين وأساتذة الجامعات في التركيز على السلوك الصحيح وتبنيه وان يستمروا في عملية صيانته وتركيزه في الأجيال.
ان تقمص بعض المراهقين في الأردن لسلوكيات الإيمو -بغض النظر عن حرمتها أو حلها أو صلاحيتها للمجتمع- لأنها تخدم هذه الفئة من المراهقين، وهذه الخدمة تكون في الغالب نوع من إثبات الذات أو الظهور بمظهر التميز أو التحدي أو الرغبة في تبني هذا النوع من السلوك، وفي جميع هذه الأحوال فإن تبني مثل هذه السلوكيات يعد من الضعف في التكوين التربوي والأسري والثقافي في البنية الشخصية لهذه الفئة من المراهقين، وفي المقابل يمكن القول إن المؤسسات الإعلامية والتربوية والثقافية في المجتمع تشهد نوعاً من الضعف أو القصور في تناول مثل هذه المستجدات السلوكية، ولم تستطع إقناع الجيل الصاعد بجدوى المحتوى الثقافي للمجتمع، هذا الضعف على مستوى تلك المؤسسات جعل المراهقين أكثر قبولا للمعطيات الخارجية. لقد كنا نرى ظاهرة الإيمو في السابق بين طلاب وطالبات المرحلة الثانوية والكليات، ولكن الآن نشاهدها بين طلاب وطالبات المتوسط والابتدائي، لذلك لا بد من أن تضع المدرسة خطة عمل لتعديل مثل هذه السلوكيات, لأن دور المدرسة لا يقتصر فقط على التعليم، بل أيضاً تعديل السلوك والحد من انتشار السلوكيات الخاطئة.
كذلك على الأسر الأردنية ضرورة التعاون مع المدرسة إذا ظهر ان أحد أبنائها من الإيمو حتى يتم متابعته ومحاولة التوصل إلى علاج من خلال التعاون بين المدرسة والمنزل، حيث يلجأ بعض الأبناء إلى التمرد على قيم الأسرة ولوائح المدرسة بتأثير من الجفاء العاطفي وانعدام القدوة الحسنة في بيئاتهم الأسرية والمدرسية، كما يعتبر عدد كبير منهم ضحايا الإهمال وضعف تأثير التنشئة الأسرية والتفكك الأسري. وقد تشجع البيئة المدرسية على ظهور تجربة الانحراف من خلال تعميم العقوبات أو تضخيم بعض المخالفات، واستخدام أساليب عنيفة في التخاطب مع الطلاب أو الطالبات، فهناك معلمون تميل سلوكياتهم إلى التجاهل والاستفزاز بدلاً من الاهتمام والاحتواء، وهم بذلك -أي المعلمون- يستكملون دائرة الضياع والشتات الفكري والعاطفي الذي توجده بعض الأسر لدى أبنائها باستخدام أساليب القسوة أو الإهمال.
ونتساءل كيف لأبنائنا أن يسلموا من تأثير عوامل الانحراف ومغرياته وهم يشاهدونه بصفة يومية في منازلهم سواء على شاشة التلفاز أو عن طريق الانترنت، حيث يتعرضوا لصور مزيفة ومثيرة للواقع تجعل من الجريمة إثارة, ومن الانحراف رمز من رموز الحضارة, كما ان عملية التربية باعتبارها الدور الأساسي الذي ينبغي أن يلعبه الوالدان أصبحت يقوم بها أشخاص آخرون مثل المربيات والخادمات، والحوار داخل الأسرة بين الوالدين وأبنائهما لا يلاقي اهتماما من الآباء والأمهات بالرغم من أهمية ذلك للتعرف على الأسباب التي تدفع هؤلاء الأبناء لممارسة هذه السلوكيات. لقد آن الأوان لوضع رؤية نقدية شاملة ومتكاملة توجه جميع أنشطة وبرامج المؤسسات التربوية إلى تحقيق أهداف تربوية تلائم المستجدات، وتؤكد على تكريس القيم الدينية والأخلاقية، ومواجهة مظاهر الانحراف بالحكمة والموعظة الحسنة.
إن المادة والفراغ والقسوة وغياب الرقابة هي الأسباب الرئيسية لظهور ظاهرة الإيمو الشاذة عن مجتمعنا.. وكذلك التشبه بالغرب وتقليد كل ما هو جديد له دور فاعل في انتشار الإيمو في مجتمعنا.. ان هذه السلوكيات المدفوعة بعوامل اجتماعية ونفسية وثقافية بحاجة إلى أن تتكاتف جهودنا لإيقافها؛ ويجب نشر الوعي بين المراهقين، والتحذير من هذه السلوكيات التي تسيء إليهم وإلى أسرهم ومجتمعهم، والتأكيد على دور مؤسسات المجتمع في التكاتف للتقليل من آثار هذه السلوكيات على المراهقين.



تعليقات القراء

sahar
thanks alot sir. I live in one of the Gulf countires where there are many female students who try to imitate this way. I wonder what about the parents role in educating their kids.
23-11-2011 08:10 AM
هذلول بن متعب
الكاتب الكريم
1.(كثيرة هي الظواهر السلبية التي انتشرت في مجتمعنا خلال القرنين الأخيرينوالتي أتى معظمها من الغرب أو الصهاينة,)لدي صديق يعتني بالدراسات الاجتماعيه و حد علمي لا يوجد توثيق للظواهر السلبيه قبل قرنين كما ان الصهاينه لم يكونوا موجودين في فلسطين.
2.( ومن ثم انتشرت إلى باقي أنحاء المعمورة نتيجة للتقليد الأعمى لكل ما هو آتٍ من الغرب.)الغرب جزء من المعموره فكيف يكون التقليد الاعمى للغرب في الغرب؟
3.(بعضهم قرناء سوء)لم تقل عنهم انهم عبده شياطين او او او و فجأه وصفتهم بأنهم قرناء سوء ثم تحولت الى انهم مرضى و بحاجه لعلاج(و هذا هو الصحيح)انتبه لمفردات مقالك و ركز.
23-11-2011 09:35 AM
ربا خليل
الله يريحنا من اسرائيل بس لانه ما بيجي وجع راس الا منها
23-11-2011 05:27 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات