العنف المجتمعي والشباب, مسؤولية من؟


الملاحظ لتصرفات المجتمع الأردني على امتداد عقد من الزمن يكتشف التنامي المزعج لظاهرة العنف المجتمعي بين اطياف ومكونات النسيج الإجتماعي الأردني, حتى أصبحت هذه الظاهرة مصدر إزعاج للنظام السياسي الأردني وتهديد للحياة الاجتماعية والاستقرار الأمني الذي يسكن الأردن وبشهادة الجميع.

ولعل الأجهزة الأمنية المسؤولة تعاملت في البداية مع هذه الظاهرة بشكل سلبي حيث عمدت الى إنكار وجودها بدلا من حلها وتبرير الحديث المتنامي عنها بالتضخم الإعلامي وتضخيمه لظاهرة العنف وغيرها من الظواهر, وقد نتفق ان هذا الإعلام المحلي ساهم بكشف العديد من مظاهر العنف في مناطق عدة وجعل العنف المجتمعي معضلة تبحث عن حل وهذه تحسب له لا عليه ولكن لا يجب انكار ان الإستقرار الذي نعم به الأردن منذ عقود أصبح مهدد بفعل هذا العنف.

ولعلنا وقبل البدء بإعطاء حلول أو مشاريع حلول لما نتحدث عنه فعلينا معرفة المسبب المسؤول عن تزايد العنف في الوطن الغالي, بإعتقادي ان هناك عدة عوامل ساهمت وما زالت تساهم في نشر العنف بقصد او بغيره يعود بعضها الى الثقافة المجتمعية وغياب الفهم الواعي لمفهوم الحضارة والإنسانية بما يتناسب مع الأديان السماوية والعرف العربي ويعود البعض الى عدة ممارسات حكومية نشرت العنف بقصد او بدون قصد في النسيج العشائري الأردني وكامل الطيف الديموغرافي الأردني.

بالنسبة للثقافة المجتمعية وهنا تلعب العشائرية السلبية أو الفهم الخاطئ لمفهوم العشائرية الى ترسيخ التعصب للجماعة وتقزيم الانتماءات لدى الفرد والجماعة, الأمر الذي ساعد على وجود حالة من الإحتقان ضمن مناطق يوجد فيها تنافس عشائري ما على شاغر معين سواء كان منصب سياسي أو حتى نشاط رياضي أو اقتصادي.

وهنا لا بد من الأشارة الى سياسات حكومية متعاقبة ساهمت في تمزيق النسيج الإجتماعي الأردني كان اخرها قوانين الأنتخاب المؤقتة التي سيسة العشيرة واعتبرتها احزابا لتشوه صورة الديمقراطية في بلد قاد افراده احزابا على مستوى قومي ولهم وحودهم في العمل السياسي الشعبي العربي المشترك, ولن نتحدث عن سلبيات القانون الانتخابي 2010 الذي أوجد العشيرة الحزب, فالجميع شاهد مدخلات القانون وافرازاته وما سببه ضيق جغرافية التنافس او ما يسمى بالدوائر الفرعية الى ايجاد نزعات شر واحتقان بين افراد العشيرة الواحدة او المنطقة الواحدة.

ايضا ثقافة المجتمع وللدقة اغلبيته في تطبيق الأحكام العرفية على الشباب الأردني مع ان الأردن كدولة وككيان سياسي تجاوز الأحكام العرفية منذ 1989 وانطلق الأردن ولو بطيئا نحو مأسسة العمل السياسي والشأن العام الأردني, ولكن نظرة الأجيال السابقة والتي عاصرت الأحكام العرفية ما زالت تنجب اثارها في الوقت الحالي, فالترهيب من عمل الشباب بالمجال التطوعي او الدعوي الفكري والديني او السياسي او حتى النشاطات اللامنهجية ضمن مجالات الحياة الأخرى ما زال يضغط لإنتاج الشباب اللامثقف واللاواعي لما يعصف بالوطن والأمة من تحديات واخطار داخلية وخارجية مع العلم وجود خطاب رسمي يؤكد على ضرورة إشراك الشباب الأردني في العمل السياسي والعمل العام ودعوتهم للتحزب ضمن ما يروه مناسبا لخدمة الوطن والأمة لكن هذا الخطاب الى الآن لم يجد ردا مناسبا من المواطنين لعدة اسباب.

وساهمت مدارسنا وجامعاتنا على ترسيخ فكرة الترهيب من العمل السياسي والعمل في الشأن العام وذلك بتحييد اللامنهجية عن حياته الطلابية , بل وتعدى ذلك الى المعاقبة بالفصل والظلم والتهديد لمن يمارس العمل السياسي في الجامعة بما لا يتناسب مع السياسات الحكومية او السياسات الجامعية,مما دفع الأغلبية الطلابية الى كتم طاقاتها وايجاد شباب بلا مواهب او هوايات جعله يخرج طاقاته بالصورة السلبية على شكل مشاجرات وافتعال مشاكل من صغائر الأمور واتفهها.

عدم الوضوح في سياسة العقاب لمفتعلي الشغب والعنف ساهم بنشر العنف وتكراره وتوسعه فالأوّلى وحال ثبوت الإدانة تطبيق النص القانوني بما يتناسب مع الجرم ولكن وللاسف تعود العشائرية اللامسؤولة للإنتقاص من القانون العام والسعي لتحييد مسبب العنف عن العقاب او حتى ابعاده عن المعالجة السايكولوجية اللازمة للعديد من افراد المجتمع مفتعلي العنف على الدوام.

ويأتي دور ذات الشاب الأردني الأن كعامل مساهم في عنف مجتمعه , حيث ونتيجة الممارسات الممتدة من طفولته الى حياته الجامعية بتخويفه من احتواء فكر ما او نشاط ما بحجة تأثيره على المستقبل الوظيفي له, يعمد الشاب الى الإبتعاد عن العمل العام وعن المهتمين بهذا النوع من العمل تجنبا لنقطة سوداء في سجله الأمني وهذا بإعتقادي غير صحيح فعديد القيادات ومدراء المؤسسات الحكومية والخاصة والهيئات المدنية والتطوعية هم إما حزبيين أو مهتمين بالشأن العام, وساهم الشاب بتقزيم اهتماماته وتحييدها عن التثقيف والمعرفة لذلك نلاحظ فقرا رهيبا ثقافيا وفكريا وفي اساسيات المواطنة بالذات, مما افقده الحس الحقيقي بالوطن والمواطنة والوطنية الحقة كمفهوم وكتطبيق, وهذا قاده الى ان لا يفكر في تأثير اي عمل من أعماله على المجتمع المحلي واستقرار نسيجه الامني والإجتماعي.

والمسبب الأخير من وجهة نظري هو دور الأعلام المرئي في ايجاد دوافع الشر لدى النفس البشرية, فالإحصائيات العالمية تشير الى تأثير مشاهد العنف والإجرام في الافلام والمسلسلات على سلوك الفرد ضمن محيطه الأسري ومجتمعه المدني وهنا يجب على المؤسسات الإعلامية مراجعة سياساتها وفرض رقابة على ما تعرضه وتحديد اعمار المشاهدين في كل ما تعرضه كما تفعل القنوات الأوروبية وبعض القنوات في المغرب العربي.

الى هنا ينتهي نقاشي لمسببات العنف المجتمعي وسيكون لنا عودة بإذن الله مع حلول نقترحها للحد من هذه الظاهرة التي اساءت وشوهت صورة المجتمع الأردني الذي نريد.



تعليقات القراء

عمر الصعوب
كلام سليم ورائع جدا يا استاذ عباس
21-11-2011 04:03 PM
هذلول بن متعب
الكاتب الكريم
عليك بقراءه الارث الثقافي و الاجتماعي لشعبك الكريم لتفسير ما ترى من فوضى في اداب السواقه و عدم احترام الدور و الاصطفاف و احترام الرأي و االرأي الاخر و التناحر و اهدار المال العام و الفساد و المحسوبيه و عدم نظافه المرافق العامه و الاستهتار بالاخرين ووووووو اتريد المزيد؟
22-11-2011 10:59 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات