عيدية الأبطال ..


سنوات طوال إنقضى فيها العيد، والزوجة تنتظر تلك اللحظة التي يأتي فيها لتعيشها مع زوجها الذي أحبته، لحظة تسمع فيها تهنئة زوجها لها بحلول العيد، أو تقدم هي التهنئة له مع باقة من الورود.

في كل عام تجلس "المسكينة " بجانب الصور القليلة التي جمعتها بزوجها خلال الأشهر الثلاثة الوحيدة التي إنقضت على زواجهما قبل إبتعاده عنها، وتبقى معاهدة نفسها أن تبقى على الوعد والعهد، صابرة، محتسبة، منتظرة لحظة اللقاء بزوجها في الدنيا، أو حتى في الآخرة إن لم يكن اللقاء قد كتب بينهما في الدنيا مجدداً، رافضة العرض الذي قدمه لها بعد إبتعاده عنها مباشرة، بأن تكون حرة طليقة محللة من أي إرتباط معه !!

سبعة وعشرون عاماً من عمرها قدمتها لزوجها الذي أحبته في الله، وتستعد لتقديم ضعفها له إن إقتضى الأمر، فقد تربت وتعلمت معنى الصبر والصمود منذ نعومة أظافرها.

وعشرون عاماً تقدمها زوجة أخرى من عمرها، صابرة محتسبة هي وإبنتها، إبنتها التي كانت تحملها جنيناً في بطنها يوم أن ذرفت هي وجنينها الدموع حزناً على فراق زوجها الذي إبتعد وفارقها منذ أمد بعيد، وها هو ذلك الجنين اليوم يصبح شابة ممتلئة إيماناً، وحيوية، وعنفواناً تعلمته طوال تلك السنوات الطويلة من والدتها الصابرة، الصامدة، المجاهدة، المحتسبة.

لكن عيد الأضحى يأتي هذا العام على كل هؤلاء بنكهة وطعم ولون مختلف تماماً، لون ملئ بالسعادة، والتفاؤل، والفرج الذي طالما طال إنتظاره.

فمنذ ذلك الزمن البعيد لم يعتد هؤلاء أن يكونوا مكتملي النصاب مع أحبتهم وأهليهم، وهاهو الصمود والتحدي يثمر أخيراً بعد توفيق الله عزوجل، وتقدم المقاومة الفلسطينية المحاصرة، المحاربة، المنبوذة، هدية العيد المختلفة عن أي هدية سبقتها، هدية لكل الأحرار الصامدون الصابرون المجاهدون فوق أرض فلسطين.

أخيراً ستتمكن تلك الزوجة من أن تهنئ زوجها بحلول العيد وجهاً لوجه، وسيكون بمقدور الأخرى سماع جملة "كل عام وأنتي بخير" من زوجها بدون واسطات، أو حواجز، أو مضايقات.

أما تلك الشابة المحرومة من حنان والدها فأخيراً سيصبح حلمها حقيقة، بالإرتماء في حضن والدها، والإرتواء من حنانه، الذي فقدته وغاب عنها عشرون عاماً هي مجموع ماعاشت من عمرها حتى تلك اللحظة.

ما سبق ذكره ليست قصص من نسج الخيال، أو روايات تحكى بدون تدقيق في مصادرها، ولكنها قصص حقيقية لعائلتين من عوائل هؤلاء المجاهدين، الذين إستطاعت المقاومة في فلسطين بفضل صمودها، وقوة إيمانها، بعد توكلها على الله عزوجل، أن تطلق سراحهم، وتفك أسرهم من سجون الإحتلال الصهيوني، رغماً عن أنف المحتل، روايات سمعناها بأنفسنا من أفواه أقاربهم، ومعارفهم، وهناك بالتأكيد أكثر من ألف قصة أخرى لبقية الأسرى المحررين وعوائلهم الصابرة، هؤلاء الذين كانوا عبارة عن "عيدية الأبطال" التي قدمتها المقاومة في فلسطين، لأهلها وأحبتها من مكلومين، ومهمومين، ومحرومين.

ونقولها هنا وبكل وضوح، وبمقياس العزة والكرامة، دولة يحاصرها العالم ولا يعترف بها، وأبنائها وبناتها الأبطال المجاهدون يخرجون من سجون الإحتلال، محررين رافعي رؤوسهم، لهي أفضل ألف مرة من دولة يعترف بها العالم أجمع على الورق، وأبنائها وبناتها الأبطال المجاهدون قابعون في سجون الصهاينة لا يكترث بهم أحد..

كل عام والأمة الإسلامية بألف خير، وكل عام وأحبتنا في أرض الصمود فلسطين يتذوقون طعم الحرية والإستقلال "الحقيقي"، ونرجو الله أن لا يأتي العيد القادم إلا وجميع أبطال الشعب الفلسطيني الشقيق، ذكوراً كانوا أم إناثاُ، خارج سجون الإحتلال، أعزاء، أحرار في بيوتهم، وبين أهليهم وأحبتهم، وأرض فلسطين شامخة عزيزة، تعطي الدروس الجديدة في الصبر، والكرامة، والصمود، كما عهدناها دائماً، وأن يعود شعب فلسطين الحبيبة شعباً واحداً موحداً في وجه الإنقسام، والإحتلال الصهيوني، لتكون عندها الدولة التي يحلم بها جميع أبنائها وبناتها، دولة يعترف بها العالم بأسره، وجميع أبنائها وبناتها محررين أعزاء شامخين مرفوعة رؤوسهم.

عندها فقط ستكون أجمل "عيدية" تقدمها قيادة الشعب الفلسطيني إلى أرواح شهدائه الأبرار، وإلى صمود رجاله ومجاهديه الأبطال.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات