الثورات العربية بين معركة الهدم ومعركة البناء


هجوم معاكس!!!!
الثورة في مفهومها اللغوي: ثار وهاج وأندفع وفي المصطلح تعني تغييرا في المسار والنهج وهي ظاهرة ديناميكية متحركة وهذا المصطلح لا ينطبق على الثورة المضادة بل إن مصطلح عودة الأمور إلى نصابها حفظ الأمن "تثبت الأمن " أقرب إلى ذلك بأساليب ناعمة وأخرى اشد وأقسى من قمع وبطش وعنف ترقى إلى الإبادة الجماعية بهجوم معاكس
أسباب اندلاع الثورة:
أهمها الرغبة الجماعية العارمة في كسر حاجز الخوف ،الصعوبات الاجتماعية
محفزات أساسيه تبدأ برغيف الخبز وتنتهي بالحرية و بالكرامة الإنسانية،
كما لم يكن بالضرورة انطلاق الثورة خلف أيدلوجيات سياسيه
ولم تعد الثورة مستحيلة لأن هناك لحظة حاسمة في الزمن يكتشف فيها الفرد مواطنة مسلوبة يستردها بدلا من البقاء في زمن كامل من الخضوع والخنوع.
كما أن هناك تزاوج بين الطغيان والاستبداد وتواطؤ القوى الغربية في حماية الأنظمة المستبدة حماية لمصالحها وحماية لأمن الكيان الصهيوني وتعرض الأمن القومي العربي للخطر بتدمير قوته العسكرية والإقتصادية كما حدث لبعض الأقطار العربية أدى ذلك إلى تنامي الوعي الوطني لدى الجماهير
إن تعطل الإرادة وتآكل ثقة الشعب بالحكومة بتردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية أدت إلى بدء عملية الحراك الشعبي من أجل التغيير.
وتندلع شرارة الثورة بحدث عاطفي كإحراق شخص لنفسه كما حدث في تونس او
اغتيال شخصية وطنية معارضه أو تطبيق قوانيين غير عادية بصورة مفاجئه
إن العقلية العربية ملتبسة وجامدة بين ثنائية الاستبداد والطغيان والبطش الدموي والتمسك بالسلطة لدى الحكام وما بين نزعة الرفض التي تريد كل شيء مره واحده والتي تفضي إلى ثورة الاجتثاث والانتقام والقصاص التي لا تنتهي..
تتحدد ملامح الثورة بمرحلتين:
المرحلة الأولى- مرحلة الهدم للنظام القائم وأركانه ومؤسسات الدولة وهي المرحلة الأسرع والأسهل وبزمن قياسي قصير
المرحلة الثانية- مرحلة البناء وهي الأصعب والأطول وهي بحاجه إلى جهد وصبر وعناء شديد ويلزمها إعادة الأمن وتشغيل عجلة الاقتصاد على أسس سليمة والعامل الأهم هو الإبقاء على ثقة الشعب بالثورة وانتقال السلطة المنتخبة بشكل سلس وهادئ
هواجس الثورة والثوار:
إن الاختلاف في مقاومة الأنظمة الظالمة والمستبدة هلاك الثورة وانتحار لها ، وقد تنتج الثورة بالتخلص من طاغية دون التخلص من الطغيان
يرى الفيلسوف "كانط" إن الثورات لا تدوم إلا وقت اشتعالها أي أنها يوم بلا غد ، بل بمدى قدرة الثورة على المحافظة على زخمها الثوري القوي ومحتواها المتجدد .
ومن الفلاسفة من يرفضون الثورة ويعتبرونها خرابا يصيب البنى السياسية والاجتماعية ويهدد مؤسسات الدولة وكيانها لكن الرأي المغاير لهم هو نجاح الثورة السلمية التي تحدث دون إراقة دماء.
هناك من الثورات من تأكل أبناءها وخيانة مبادئها وتوجهاتها وانحرافها عن مسارها ، بانقلابها على رفاق الدرب فمن الناس الذين يتظاهرون في الشوارع والميادين العامة هم من يتم تجاهلهم وتجاوزهم حين تكتمل الثورة
لأن الثورة المضادة كما ترى المؤرخة الفرنسية "سيفلي ابريل " تتكيف مع بعض المطالب السياسية وتتبناها وتحويلها إلى أدوات لممارسة سلطتها
اخطر ما يواجه الثورات النهايات وليست البدايات ، لان الثورة أحيانا تنجح في معركة الهدم ولكنها أيضا قد تفشل في معركة البناء ، مع ميلاد الثورة تتعرض إلى ثورة مضادة تعمل على وأدها في مهدها أو تغيير مسارها أو هدم منجزاتها
هنالك متسلقون يسعون لقطف ثمار الثورة وحراك الشارع ومنهم من يكون رجالات النظام يحولونها إلى نسخة مستنسخة من النظام الاستبدادي القديم ليتحول من أشعل الثورة إلى وقودا للثورة المضادة جراء غباء سياسي أو سوء تقدير .
يجب الحذر وكل الانتباه من التنافس على مغانم الثورة والتنافس على قيادتها لان غاية الثورة تحرير الشعوب لا حكمها ،كما أن غاية الثورة ليس تبديل حاكم مكان أخر وإنما حكم الشعب نفسه بنفسه في جو شفاف وواضح ،ولأن الاختلاف في مقاومة الأنظمة الفاسدة هلاك للثورة وانتحار لها، قد تنجح الثورة في التخلص من طاغية دونما التخلص من الطغيان.

الهجوم المعاكس للنظام "الثورة المضادة":
تعتمد السلطات على دعم قوى الثورة المضادة بهجوم عكسي يد مر الثورة بمعاول هدم ويستأصل قادتها
-كسر إرادة الجماهير من قمع وبطش باستخدام القوة المفرطة بداء بالغازات السامة والرصاص الحي وانتهاء بالأسلحة الثقيلة
-القتل المعنوي لنشطاء الحراك بأساليب التجويع والتركيع والعزل من الوظائف العزل الاجتماعي بإغلاق المنابر الاعلاميه الحرة
-تظليل الرأي العام المحلي والدولي بتعديل تجميلي للدستور وإصلاحات سياسية شكلية
لتقطع الطريق على المطالبة بإصلاحات حقيقية
-الإصرار على إسلوب القمع الناعم بحشد فئات من البلطجة والمجرمين والمنحرفين أصحاب السوابق تدفع بهم للاحتكاك مع المسيرات والإعتصامات من أجل تصوير الوضع على أن هناك رأي أخر يعارض الحراك ليتسنى للأمن التدخل للفصل بينهم
وغاية ذلك إفشال الحراك
-تظليل إعلامي أدواته فضائيات ومواقع إلكترونيه وصحف وكتاب مرتزقة يزورون الحقائق بتزييف الوعي الشعبي بتلطيخ صورة الثوار ونشطاء الحراك و تحويل الثورة عن مسارها معتمدة على نشر الأكاذيب والإشاعات الضالة
-تمزيق صف الثوار بالإغواء والإغراء بعدة أساليب منها تقديم العون لأشخاص من أجل استمالتهم وتحويل الثورة إلى حركة مطالبة لا مغالبة.
تدخل النظام بشكل مباشر في حياة الأفراد مما يجعل ثقافتهم تقوم على فكرة "الثقافة الأبوية" بالخضوع التام للسلطات واعتمادهم على المكارم والهبات وهي ظاهرة تسول بامتياز فرضت على قطاعات واسعة من المجتمع.
-إنتاج وإخراج سلسلة من التسويفات لمنع صياغة دستور جديد يحد من صلاحيات الطغاة
-تقديم بدائل ترقيعيه تزيف الواقع كالتضحية ببعض أجنحة النظام والإبقاء على الآخر
_يسعى النظام في مراحل متأخرة إلى انزلاق الاحتجاجات السلمية إلى العنف الدموي
ليمنح النظام أخلاقية الرد بعنف مضاد ليضفي على ذلك طابعا شرعيا ودفاعا عن النفس

-البعد الديني كهجوم معاكس اعتمدت عليه الأنظمة العربية بحمله منظمة قوامها جيش جرار من المشايخ والمفتين والوعاظ اعتلوا خلالها المنابر المحافل وعبر وسائل الإعلام بتحريم المظاهرات وتجريمها وبأنها تعد خروجا على ولي الأمر وبهذا التحريم تدس الفتن بين شعوبها بين مؤيد ومعارض ومن ثم يتم تصوير المشهد على أن ما حصل من فتنه كنا قد حذرنا منه مؤكدين بذلك على حرمة الاحتجاجات من جديد.

رياح التغيير :هل ستنهار النظم الملكية كما انهارت النظم الجمهورية؟
لا مشكلة مع النظم الملكية أو الجمهورية ، ولكن المشكلة هي في غياب الحريات العامة وحقوق الإنسان ، بريطانيا واسبانيا نظم ملكية ديمقراطية وفرنسا نظام جمهوري وديمقراطي فلا فرق بينهم ولسنا بصدد المفاضلة بين النظامين الملكي والجمهوري بشكل مطلق لان هناك أمور يعود للمبادئ والسياسات المتبعة التي يقوم عليها الدول نلاحظ أن في أوروبا الغربية اعرق الديمقراطيات لديهم ملكية ((ملكيات دستورية)) بمعنى أن العائلات تسود ولا تحكم ، بل تكون حكما بين القوى السياسية المتصارعة .
نحن لدينا جمهوريات فاشلة يساق معارضو الرئيس إلى أعواد المشانق ولدينا ملكيات استبدادية الملك يسود ويحكم ولا يحاكم وتلتف الزمر الفاسدة تحت عباءته، وقد نجد في الأنظمة الملكية اشد بطشا واستبدادا من الأنظمة الجمهورية وهناك فصولا مأساوية في انتهاك حقوق الإنسان يشترك بها الملكي والجمهوري لأن للظلم هوية واحدة ومع ذلك يتغنى كلا النظامين بالديمقراطية المهزلة ،الغرب يصور الملكيات على أنها وسطية ورحمة ورصانة بينما يصور الجمهوريات على أنها غوغاء وعنف ودم ،لكن هل جعلت الصدفة من الجمهوريات أن تحاصر وتقع في فخ التغيير لتسقط واحدة تلو الأخرى وتصمد الملكيات في الداخل وتقوم بهجمة معاكسة تسعى من خلالها لإسقاط بعضا من الأنظمة الجمهورية بالتنسيق مع الغرب وكأن الملكيات طاهرة ونقية من كل ظلم واستبداد وفساد ، مع أن الأنظمة الجمهورية التي سقطت كانت موضع إشادة وإعجاب من الإدارة الأمريكية والغرب عموما.
هناك قمع في دول يمر دون صخب إعلامي والثورات فوق آبار النفط ممنوعة وان أي هزات سياسية واضطرابات شعبية تعني الاحتلال من اجل ذلك تحولت دول البترودولار إلى ثورات مضادة .
إسرائيل قلقة على سقوط الأنظمة وتهاوي الأخرى لأنها تريد البقاء على القبضة الحديدية لمنع المقاومة ضد احتلالها ،ولتغيير مسار الثورات العربية وإجهاضها لاحت في الأفق معالم هجوم معاكس تتبناه الولايات المتحدة وإسرائيل وبمباركه من دول الخليج لضرب إيران ومنشأتها النووية ويعد هذا الحلف المتشكل ليس لضرب الثورات العربية فحسب وإنما لإخماد روح النضال والممانعة لدى شعوب ودول المنطقة .

حالة الأردن: الإصلاح والفساد صراع حدود ام صراع وجود؟
إن ظاهرة الإصلاح في الأردن لم ترق إلى تغيير النظام وإنما تدعو إلى الحد من صلاحيات الملك ولصالح البرلمان ، ومع استمرار ضغط الشارع على النظام سيجبر على تقديم المزيد من الإصلاحات والتنازلات السياسية لكن منظومة الحكم الحالية تدعي أن تقديم إصلاحات أخرى غير ممكنة "لان الأردن له وضعه الخاص" وتعتقد وتتصرف باعتبار أن صلاحيات الملك خط احمر وأنه البداية والنهاية حاله لا نقاش فيها ، وترى أن" الإرادة الملكية "هي الدستور هذا ما لا تقبله المعارضة والحراك في الشارع
وهناك قاعدة عريضة من المتنفذين ترى في الإصلاحات تهديدا لمصالحها ونفوذها وفتح ملفات الفساد ستطالها لذا شكلت ما يعرف بالشد العكسي لتقف عائقا رئيسيا أمام أي إصلاح أي بمعنى أن الدستور الحالي يخدم تلك المصالح والنفوذ ويبقيهم كنخب مقربة من الحكم ،وفي مقال تطرق له د.محمد المسفر إلى منظومة الفساد في الأردن حين قال"الملك وقع بين فاسد ومفسد وسمسار" وما حوله كهول فاسدين. قال تعالى{والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار}(الرعد 25)

ما هي مطالب الحراك والمعارضة : على موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك" عرضت مطالبهم كالآتي : حكومة برلمانية منتخبة ومجلس امة محصن دستوريا ومنتخب بنزاهة والفصل بين السلطات فعلا ليتم محاسبة الفاسدين ، وإرجاع أصول الدولة وأراضي الخزينة التي استولى عليها المتنفذون وإعادة مؤسسات الدولة التي خصخصت بأبخس الأثمان وقد أكد على ذلك الأمير الحسن بن طلال مؤخرا عندما استنكر برامج الخصخصة لدرجة انه اتهم احد المتنفذين بأنه كان يسعى لخصخصة قطاع الآثار في المملكة ويترافق هذا التصريح مع تصريح العين ليلى شرف حيث أفادت بأن الدولة الأردنية دولة فساد وتدار بالفساد الرسمي، ويشكل الاثنان احد رموز النظام المهمين وعليه فإن الأردن يتهدده خطر واحد ألا وهو الفساد ولو قيض لإدارة النظام احتواء وتطهير منظومة الفساد لتحصن الأردن من أي خطر داخلي وخارجي ونأى بنفسه عن عواصف التغيير التي تضرب بقوة دول الجوار،ولكن وللأسف لا توجد إرادة في محاربة الفساد ولا زال الفاسدون هم المسيطرون على الساحة، ما أحوج الأردن لثورة مضادة تصحيحية يقودها الملك المتمتع بالصلاحيات الدستورية ليسخرها في هذا المجال.
الحراك والرأي العام:
في الوقت الذي تدعي الحكومة الأردنية فيه العمل على الإصلاح السياسي تأتي بمواد مقيدة للحريات منها المادة 23 من قانون مكافحة الفساد والتي ترى المعارضة والحراك فيها "تحصينا لفساد " وحماية للفاسدين والحد من ملاحقة الصحافة والإعلام للفساد ومنابعه لأنها تعتبر أن الادعاء دون تقديم الدليل " اغتيال للشخصية" وهذه عقبة تجعل من الفاسد يتملص من الملاحقة ويتصرف بحرية
الحراك والرأي العام:
هناك ما يسمى بظاهرة " توازن الخوف " الذي ساهم في إبرازها الانقسام الديموغرافي في المجتمع وعزف السلطة على وتر الوطن البديل إذ أن "الملكية الدستورية "تعد تقليص لصلاحيات الملك وأنها تؤدي بالضرورة إلى قيام والوطن البديل والخيار الأردني وبالتالي أدى ذلك إلى انقسام المجتمع بين الشارع والسلطة وقد أعطى الخوف على الأمن والاستقرار الداخلي السلطة مجالا للمناورة باستعمال القوة الناعمة للحد من الخطر القادم من حراك الشارع باستخدام مدروس لهذه القوة بالتزامن مع إشغال البرلمان بحزمة إصلاحات شكلية محاولة إقناع فئات الشعب بجدواها ،مع قناعة الناس بأن الفساد والفاسدين هم معاول هدم للدولة وأن الإصلاح والمصلحين هم سواعد بناء لها.

dr.roud@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات