مجلس الأعيان هيكل لا حياة فيه ولا فائدة منه سوى الوجاهة لأعضائه


يتساءل الكثير من المشرعين ورجال القانون والسياسة والمواطنين عن الدور التشريعي الذي يلعبه مجلس الأعيان الأردني وعن مقاصد المشرعين الأوائل الذين صاغوا الدستور الأردني وجعلوا من مجلس يتم اختيار أعضاءه وتعيينهم مباشرة من قبل الملك مجلسا أعلى في البرلمان. ويعتقد البعض أنه ربما أن هذا المجلس جاء تقليدا لنظام المجلسين في بريطانيا وعدد من دول الكومنولث التي أخذت بهذا الأسلوب في هيكلة السلطة التشريعية حيث أن النظام البريطاني يضم مجلس العموم المنتخب ومجلس اللوردات وهو مجلس غير منتخب من قبل الشعب . والحقيقة التي ينبغي عدم تجاهلها من قبل أنصار ومؤيدي بقاء مجلس الأعيان الذين يتخذون من المثال البريطاني في مجلس اللوردات كمبرر لاستمرار وأهمية هذا المجلس أن مجلس اللوردات البريطاني ليس له دور مهم في الحياة التشريعية البريطانية، وليس له أي صلاحيات أو اثر على تشكيل الحكومة، وليس من حقه أن يعيق إصدار مشروعات القوانين المالية – أي القوانين المتعلقة بالإيرادات أو المصروفات – وسلطته على مشروعات القوانين محدودة ، فإذا أجاز مجلس العموم قانونا ورفضه مجلس اللوردات فانه يصدر بناء على تصديق ملكي بعد مهلة مدتها عام، وأن عددا كبيرا من أعضاء هذا المجلس(النبلاء) يتمتعون بلقب لورد ويتوارثونه وقد أفادت بعض التقارير غير المؤكدة أن هذا اللقب أحيانا يباع ويشترى .بمعنى آخر فإن هذا المجلس لا دور ولا قيمة له في الحياة التشريعية وأصبحت العضوية فيه عبارة عن لقب اجتماعي فقط كما أن هناك جدل في بريطانيا لإعادة النظر في هذا المجلس وطريقة تشكيله ولذلك فإن الاستمرار في الأخذ بالتجربة البريطانية غير الناجحة لم يعد مفيدا أو مبررا . وفي الوقت الذي يعتقد البعض أن مجلس الأعيان يسمح للملك بأن يحشد الكفاءات والخبرات التي يمكن أن تثري البرلمان بالآراء والرؤى التي ترفع من سوية التشريعات المختلفة فإن ذلك ربما كان مجديا عند صياغة الدستور في الخمسينات من القرن المنصرم عندما كانت نسبة الأمية تنوف عن 80% من السكان وعندما لم يكن بالإمكان ضمان أن يكون النواب المنتخبين من قبل الشعب على مستوى رفيع من القدرة والكفاءة على الانخراط في عمل نيابي تشريعي بمستوى رفيع.
أما الآن وبعد ستون عاما على وضع الدستور وبعد تغير الواقع الاجتماعي والسياسي والتعليمي للمجتمع الأردني فقد أصبح دور مجلس الأعيان في الحياة التشريعية دورا ضئيلا إن لم يكن معدوما نظرا لكونه مجلسا معينا مما جعله واجهة لتأييد مواقف الملك والحكومة التي يختارها صاحب الجلالة، كما أصبح هذا المجلس ذا طابع بروتوكولي وجلساته يغلب عليها الأجواء الجنائزية الصامتة والتي يقتصر دورها على امتداح القيادة العليا وسياساتها وتوجهاتها ورفع كتب التعظيم والشكر والرد على خطابات العرش. كما أصبح مجلس الأعيان واجهة ليس لحشد الخبرات والكفاءات التي لا ترغب في الترشح للانتخابات النيابية نظرا لصغر حجم العائلات التي ينتمي إليها هؤلاء، أو لعدم توفر الدعم الشعبي لهم ولكن أصبح واجهة لتمثيل يستند لأسس قبلية أو عشائرية أو ولاءات سياسية أو مكافآت لعناصر معينة أو مناكفة بعناصر معارضة أخرى، لا بل فإن اختيار أعضاء المجلس أصبح يثير أعضاء العشيرة الواحدة على بعضهم البعض آخذين بالحسبان أن من يتم اختيارهم ليسوا أفضل الخبرات والكفاءات والشخصيات في أوساط العشائر إن لم يكن أقلها تأهيلا وكفاءة.
لقد أصبح مجلس الأعيان في خارج سياقه وأهدافه وتحول إلى أقرب ما يكون إلى لجنة كبيرة ليس هناك الكثير أو القليل من القواسم المشتركة بين أعضائها إلا اختيارهم من قبل الدوائر الأمنية والديوان الملكي وعلى أسس أبعد ما تكون عن أسس القدرة على التشريع وسن القوانين.والسؤال الذي يطرح نفسه ما الفائدة من هكذا مجلس ؟ والإجابة على هذا السؤال لا شيء إلا مزيدا من النفوذ للنظام في توزيع الجاه والسلطة والألقاب والامتيازات ما ظهر مكنها وما بطن بحيث يتسابق كثيرون لنيل هذا الموقع والأبهة والبريق الاجتماعي والرواتب في حين لا يعرف بعض أعضاء المجلس على ماذا يدور النقاش والحوار خصوصا عندما يكون النقاش فنيا علما بأن النقاش إن حصل فهو شكلي إلى حد كبير ودوره هامشي في العمل التشريعي.
والحقيقة أن أعضاء مجلس الأعيان الذي يحتفلون هذه الأيام باختيارهم لعضوية المجلس الأعلى في البرلمان الأردني لا يعرفون من اختارهم سوى أن الدوائر الأمنية أبلغتهم بالاختيار وبموعد الاجتماع لافتتاح دورة البرلمان من فبل جلالة الملك فأي خبرات وأي كفاءات هذه التي ستقوم بدور تشريعي يحدد ملامح الحياة السياسية والتطور السياسي في المملكة؟مجلس الأعيان الأردني مجلس" بريستيج" لا مجلس تشريع ، ومجلس جاه ووجاهة وألقاب لا مجلس شورى وقانون. مجلس الأعيان مجلس لا فائدة تشريعية منه وينبغي أن يخرج من دائرة السلطة التشريعية إما بإلغائه أو استبداله بمجلس منتخب مباشرة من قبل الشعب ،ويمكن تحويله في حالة رغبة قيادة النظام السياسي إلى مجلس استشاري أعلى في الديوان الملكي ولكن دون أي علاقة له بالسلطة التشريعية.الشعب الأردني يستحق مستوى أكثر تقدما وأكثر رفعة ورقيا من مؤسسات العمل التشريعي والممارسة الحقيقية للديمقراطية من الهيكلية الحالية لمؤسسة البرلمان.نعم مجلس الأعيان مجلس لا حياة فيه ولا منفعة ترجى منه وحاله كحال المكروه والمنهي عنه في الشرع والدين حيث أن ضرره للمجتمع أكثر من نفعه.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات