في حضرة الكواكبي : "ولا كلمة"


استمتعت كثيراً وأنا أقرأ للكواكبي، ووجدت نفسي أمام شخصية عبقرية تتحدث عن حاضرها وكأنه حاضرنا وعن حكامها وكأنهم حكامنا وعن فساد زمانها وفاسديهم وكأنهم فاسدينا.
يبدع الكواكبي في وصف الاستبداد، بل إن إنتاجه انحصر في هذا الملف عبر كتابيه الوحيدين (طبائع الاستبداد، وأم القرى)، ويستوقفك وصفه لحاشية المستبد وعلى رأسهم الوزير الأعظم فيقول: "لابد أن يكون الوزير الأعظم للمستبد هو اللئيم الأعظم في الأمة. ثم من دونه لؤماً، وهكذا تكون مراتب الوزراء والأعوان في لؤمهم حسب مراتبهم في التشريفات والقربى منه".
ويسترسل في الحديث عن هذه الحاشية ومحاولاتها خداع المواطنين من خلال الإيحاء بأنهم مجبرون على تنفيذ أوامر المستبد، وفي هذه النقطة يقول:" وقد يحدث أن أحد الوزراء يدعي أنه يتأوه من الاستبداد ولكنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً، إن مثل هذا الوزير في الحقيقة يكذب، لأنه ليس من المعقول أن يختار المستبد وزيراً كهذا لا يحوز على ثقته". ويستنتج بعد ذلك أن "وزير المستبد هو وزير المستبد وليس وزير الأمة، وكل الدلائل تثبت أن كل رجال عهد الاستبداد لا أخلاق لهم ولا ذمة ولا يرجى منهم خير مطلقاً".
وفي فساد المستبد وكيفية إدارته لبيت المال يقول الكواكبي : "إدارة بيت المال إدارة إطلاق بدون مراقبة، وجزاف بدون موازنة، وإسراف بدون عقاب، وإتلاف بدون حساب، حتى صارت المملكة مدينة للأجانب بديون ثقيلة توفي بلاداً ورقاباً ودماءً وحقوقاً".
أما أجمل ما كتبه الكواكبي-من وجهة نظري المتواضعة- فهو وصفه للعوام قائلاً : "العوام هم قوة المستبد وقوته بهم، عليهم يصول ويطول، يأسرهم فيتهللون لشركته، ويغصب أموالهم فيحمدونه على إبقائه حياتهم، ويهينهم فيثنون على رفعته، ويغري بعضهم على بعض، فيفتخرون بسياسته، وإذا أسرف في أموالهم يقولون كريماً، وإذا قتل منهم ولم يمثل يعتبرونه رحيماً، ويسوقهم إلى خطر الموت فيطيعونه حذر التوبيخ".
في حضرة الكواكبي ، ننحني أمام قامة عبقرية ليس بعد كلامها كلام، وليس بعد وصفها وصف، وليس بعد تشخيصها تشخيص ... أما العلاج بالتأكيد لن يأتي من خلال العوام .. والحدق يفهم.
فاخر دعاس



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات