قراءة في حكومة السيد عون الخصاونة


بعد المطالبات الشعبية الكثيرة والملحة لجلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين المفدى، بضرورة إقالة حكومة دولة معروف البخيت، ورفع مذكرة موقعة من (69 نائبا)، إلى جلالة الملك يطالبون فيها برحيل حكومة البخيت، إستجاب جلالة الملك لهذه المطالب والمذكرة النيابية التي تم رفعها . له وقد فسرها العديد من المراقبين والمحللين السياسيين بأنها تصب في إعادة الهيبة لمجلس النواب الذي يرى الكثير من المواطنين بأنه هذا المجلس لا يمثلهم وبالتالي لا بد من حله .

وعلى أثر ذلك كله تم المجئ بدولة السيد عون خصاونة لتكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة على إعتبار أن هذا الرجل نظيف اليد وذو خبرة، وبعيد عن أي مزاودة سياسية عليه كونه خدم رئيسا للديوان الملكي الهاشمي في عهد المغفور له الملك الحسين بن طلال رحمه الله، وعرف عنه بإستقامته ونظافة يده أثناء توليه هذا المكان .

وقد رحب الأردنيين جميعا بتكليف الملك لهذا الرجل وعلقوا عليه من جديد آمالا كبيرة تتناسب والحالة الإستثنائية التي يمر بها الوطن ورؤا فيه أنه قد يكون هذا الرئيس الذي أمضى سنوات طويلة من عمره في الغربة وعاش في أكناف الدول الديمقراطية المتقدمة القادر على دفع عملية الإصلاح إلى الأمام ويلبي مطالب الحراك الشعبي الذي يزداد ويمتد أسبوعا تلو الأسبوع وسقف شعاراته يكبر

ويزداد، إلا أن تصريحات دولة الرئيس للإعلام والبرلمان بعد تكليفه وقبيل تشكيله للحكومة أوضحت، التوجه الذي يريد أن تسير عليه حكومته، فقد صرح دولة رئيس الوزراء بأنه يريد إعادة النظر بالتعديلات الدستورية وخصوصا المادة (74)، التي تمنع رئيس الوزراء الذي ينسب بحل مجلس النواب من أن يكلف بتشكيل الحكومة وتحفظه على المادة (75) التي لا تجيز أن يكون من يحمل جنسية مزدوجة عضوا في مجلس الأمة والوزراء على إعتبار أن من يحمل جنسية مزدوجة قد يكون من الكفاءات المتميزة التي يمكن الإستفادة منها، وهذا الأمر بطبيعة الحال أثار الدهشة والإحباط نوعا ما عند الكثير من النواب والشارع الأردني، إذ أنه كيف لرئيس وزراء مكلف بتشكيل حكومة لتقود مركب الإصلاح وفي فترة إستثنائية تحتاج إلى مزيد من الحنكة والدهاء السياسي، أن يقع في هذه الهفوات، التي عرف أعضاء مجلس النواب النية المبيته لهذه الحكومة والسياسة التي سوف تقوم بإتباعها في إدارة شؤون البلاد والعباد، وباعتقادي أن هذه الهفوات المتسرعة والسابقة لتشكيل الحكومة من الممكن أن تضعه بمأزق أمام مجلس النواب عند طلبه نيل الثقة .

ولم يتوقف رئيس الوزراء عند هذه الهفوات بل أنه تعداها إلى مخالفة كتاب التكليف السامي الذي شدد على ضرورة إجراء حوار موسع مع جميع القوى الشعبية والحزبية ومنظمات المجتمع المدني قبل تشكيل الحكومة وإقتصر بإجراء حوار مع الإخوان المسلمين فقط، وهَمَش جميع القوى الشعبية والحزبية وهذا العمل بطبيعة الحال إعتراف وتقوية من قبل الحكومة بقوة الإخوان المسلمين على حساب الكثير من القوى السياسية الأخرى التي من المفروض على الدولة أن تأخذ بيدها وتدعمها لتصل إلى مرحلة تتنافس فيه مع الإخوان المسلمين التي عملت الدولة منذ الأربعينات على دعمها وإتاحة الفرصة أمامها للعمل لمواجهة المد الشيوعي أبان الحرب الباردة بين المعسكر الشرقي الذي يقوده الإتحاد السوفياتي الشيوعي والمعسكر الغربي الذي تقوده أمريكا الرأسمالية. كما أنه إضافة إلى تهميشه إلى الشريحة الكبرى من المجتمع الأردني التي تمثل الغالبية من سكانه ألا وهي الشباب، نسي دولة الرئيس بأن الذي يحرك ويقود الشارع العربي هم الشباب الذي يطمحون إلى الحرية والعدالة والمساواة ومكافحة الفساد وإلى تمثيل يوصل صوتهم لمؤسسات إتخاذ القرار .

وكنا من ضمن الذين قدموا النصيحة لدولته بعد تكليفه وقبل البدء بإجراء المشاورات الصورية (كريما الحكومة)، لتشكيل الحكومة إلا أن المتابع لمشاوراته يجد أن دولة الرئيس مستمر ومصرا على تشكيل الحكومة على الطريقة الكلاسيكية (القديمة)، والمستعرض لأسماء الفريق الوزاري لحكومة الخصاونة فإنه يسجل عليها العديد من الملاحظات التالية :-

* لم تكن هذه الحكومة ممثلة لجميع شرائح المجتمع ومناطقه في المحافظات والأرياف والبوادي تمثيلا جغرافيا .

* كما أن جميع أعضاء هذه الحكومة ليسوا منظمين حزبيا وأيدلوجيا وليس لهم أي تأثير على الحراك الشعبي السياسي الجاري، مع أن هذه المرحلة المفصلية بحاجة إلى حكومة سياسية بإمتياز تضم قدرا كبيرا من الحزبيين والناشطيين السياسيين للدفع في عجلة الإصلاح السياسي الذي أصبح ضرورة إلى الأمام .

* فشخصيات هذه الحكومة غالبيتها شخصيات سابقة ومعروفة بأرائها وعملها لجميع المواطنين الأردنيين .

من هنا بإعتقادي أن هذه الحكومة سيكون مصيرها مثل سابقتها من الحكومات المُقالة، ولن تستطيع عمل أي شئ يطمح إليه الشارع الأردني فهي حكومة تفنية ( فنية )، لا سياسية كما تتطلبه هذه المرحلة الإستثنائية والتي تعتبر الأهم في تاريخ الأردن الحديث، فهي حكومة نسخة مطابقة للحكومة التي سبقتها، وإن تبدلت الوجوه والألوان .

وكان الله في عونك يا عون .

رئيس الجمعية الوطنية للتنمية السياسية



إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات