تغيرات سياسية وفوضى دولية


إن ما يشهده العالم اليوم من تطورات وتغيرات سياسية سريعة في إيقاعها عميقة في تأثيرها وهي تغيرات بدأت كلها في وقت واحد وظهور النزاعات العرقية في دول شرق أوروبا وهو ما دعى البعض إلى القول ببداية ظهور نظام دولي جديد وفوضى دولية جديدة عند البعض الآخر. وإن عالم اليوم يقع تحت تأثير إنشاء التكتلات الكبيرة العملاقة خاصة في المجال الاقتصادي ثم الاتجاه إلى التفكك وتكوين كيانات صغيرة وظهور تجمعات أخرى لا تقوم على التواصل الجغرافي أو الثقافي والقومي ولكن على أساس مصالح مشتركة وغير ذلك من تجمعات اقتصادية إقليمية تزيد من تدوين الحياة الاقتصادية.

إن اختلاف الدول من حيث قوتها قد جرد المساواة القانونية من معناها. وجرى تقسيم الدول إلى كبرى وصغرى واتخذ من القوة معياراً للتقسيم فالدول الكبرى تتجه في سياستها نحو التوسع واكتساب المزيد من الوزن والنفوذ مدعية لنفسها الحق في الهيمنة على شؤون المجتمع الدولي ككل والتدخل في أية مسألة دولية وتسعى إلى إضفاء الصفة الدولية على أمور تعد من الأمور الداخلية للدول. ولذلك تعتمد عادة على سياسة الأحلاف العسكرية وتنوع مصادر القوة وتقوم سياستها على مفهوم الردع والعمل على منع غيرها من الدول من التفوق عليها خشية أن يؤدي تفوق إحدى هذه الدول بالسيطرة على الجماعة الدولية الأمر الذي يفقدها هي وضع الزعامة. أما الدول الصغرى نتيجة بصفة عامة في سياستها الخارجية إلى المحافظة على كيانها وحماية استقلالها دون مطامع توسعية وعلى هذا الأساس فإنه عند صياغة التصور العام للأمن القومي يبدو الخلاف الجذري بين تصوره لدى الدول الكبرى بالمقارنة مع الدول الصغرى فهو يصطبغ لدى بعض الدول الكبرى بالصفة التوسعية ويكون عادة ذا طبيعة هجومية يسعى لتحقيق التوسع في مختلف النواحي فهناك دول صغرى ذات أطماع توسعية وتنظر إلى أمنها القومي بأنه يعني التوسع في مفهوم الأخطار وممارسة السياسات العدوانية ولو على حساب غيرها من الدول.

إن عالم اليوم يشهد ظاهرة جديدة يطلق عليها الظاهرة العالمية الكونية التي تعني انتقال المعلومات بغير سدود وانتقال لرأس المال بغير قيود وانتقال للافراد بغير حدود وأدت هذه الظاهرة الجديدة إلى التداخل بين أمور السياسة والاقتصاد دون اعتداد بأن المجتمع الدولي يتكون من دول ذات سيادة تقف على قدم المساواة وأسهم ذلك في تغير مفهوم السيادة التقليدية الذي كانت الدول تتمسك بها في الماضي.
talal_gerasa@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات