هذا إن أردنا الإصلاح


قال الله تعالى في محكم تنزيله(وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) وقال الرسول- صلى الله عليه وسلم: مَن أصبح آمنًا في سِرْبِه، مُعافًى في جسده، عنده قوتُ يومه، فكأنما حِيزَتْ له الدُّنيا بحذَافِيرها. أمّا علي بن أبي طالب- كرم الله وجهه- فقال: ثلاثة أشياء يحتاج إليها الناس جميعهم؛الأمن والعدل والخصب؛ فبالأمن تطمئن النفوس وتستقر البلاد، وبالعدل تصان الحقوق، وبالخصب يقضى على الفقر والعوز. في حين ربط ابن خلدون بين كل من الاختلال الأمني والتدهور الاقتصادي وانهيار الدولة. والشواهد على ارتباط هذه الحاجات الأساسية للفرد كثيرة جدّا ومدعومة المصداقية بالعديد من الحالات والوقائع المقروءة والمسموعة والمشاهدة رأي العين؛ ماضيا وحاضرا.
لقد رأينا ونرى صباح مساء الشعوب هائمة على وجوهها تبحث عن كسرة خبز نهبها المارقون على الدين والأخلاق والقيم من أفواه الجوعى والمحرومين. والناقمين الساعين وراء كرامة أهينت فصارت مداسا لأصحاب النفوذ الذين جمعوا معه المال والأعمال والصفقات والرشا والمحسوبية وما إلى ذلك من دروب العفونة والحرام. وأرباب الأسر من آباء وأمهات قصرت أياديهم في توفير حياة كريمة لأبنائهم وفلذات أكبادهم. وعاطلين عن العمل محبطين من عدم وجود فرص عمل لهم وأندادهم من ذوي الحظوة ينتقلون من وظيفة إلى أخرى برواتب إن لم تكن خيالية فمجزية. ومهرولين صوب أمن غذائي وصحي وتعليمي لهم ولذويهم. هؤلاء وأمثالهم نهشتهم بطونهم الخاوية ورغباتهم وطموحهم فقادتهم إلى الشوارع لقمة سائغة يمضغها الصالح والطالح، يفاوض بها المنادون بالإصلاح حقيقة ومدّعوه. يختلط بين جموعهم الحابل والنابل، ويقودهم من يخاف الله تعالى ومن هو زنديق ومنحرف. ويمتطي ظهور هذه الجياد الأصيلة فارس شريف وكذلك من هو مغامر أو مقامر. إن هذه الفئات المهمشة خارج سياق الحدث والزمن سريعة الاشتعال كما أنها سهلة الانقياد ليس لضعف فيها أو عدم مقدرة وبُعْد نظر لديها، بل لنقاء سريرتها وصدق مراميها، وعدم انغماس نفوسها بالدروب المنحرفة للسياسة واقتناص الفرص، ولا بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة ومترادفاتها. هذه الطبقة الاجتماعية تضخمت وتعاظم عددها وعديدها حتى ضاقت بها المنازل والبيوت فخرجت إلى الشارع ناقمة غاضبة وهي ترى السّفلة تخصخص وتبيع الأوطان بشعوبها، وتسكر بأقداح مليئة بدماء الأطفال والشيوخ والبائسين، هؤلاء الذين بنوا أبراجا وإهرامات وأوطانا أخرى لهم داخل أوطاننا؛ إنهم الفاسدون الذين إنْ وجدوا فهذا نذير شؤم مصداقا لقوله تعالى( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسدوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا).
أما في الأردن، فقد قيل في الفساد نثرا وشعرا ومقامات وكل فنون القول، وما كل هذا وغيره بنافع؛ فالفاسد لو تلوت عليه القرآن كله بحروفه وآياته وسوره لن يرتدع. ولو تلوت عليه كل آيات الترغيب والترهيب والحساب وعذاب القبر وما بعد القبر لن يرتدع. وإن ذكرته بمكارم الأخلاق والتقيد بها لن يرتدع، ولو قرأت على مسامعه أبيات الشعر ومقطوعاته عن الخصال الحميدة في كل المعلقات لن يرتدع؛ إنه الحدّ والقصاص والعقاب ليس إلا؛ فإن أردت العناية بزيتونة مباركة فعليك بقلع الشوك من حولها، وإن أردت رعاية تينة مباركة فعليك بحرق الشوك من حولها حتى لا يكون لبذور الشوك عودة مرة أخرى. وكما قال ابن تيمية: حدّ يقام في الأرض خير لأهلها من المطر أربعين صباحا.
الجوع عذاب، كما أن عدم الاستقرار والأمن عذاب أيضا؛ في الأردن فساد، نعم، ولكن الفوضى وانحراف مؤشر البوصلة عن الهدف فساد أيضا. إن الإصلاح لا يبنى على أنقاض المؤسسات الأمنية التي ينادي بها بعضهم؛ لأن انعدام الأمن مفسدة للمواطن والوطن ولكل معاني الوطنية. ولنبق متذكرين لما يقوله الصهاينة ويحلمون به ومنهم المؤرخ الإسرائيلي( توم سيغيف) الذي قال بأن ثورة واحدة في الأردن تخدم إسرائيل من خلال الإطاحة بالنظام الملكي وتسوية النزاع الإسرائيلي باتحاد بين الضفة الغربية والأردن) إضافة إلى ما يصدر عن خنازير العالم من أقوال لا تبتعد كثيرا عن هذا الرأي.
هناك من أساء إلى الوطن وشعبه، وهم أنفسهم من أساؤوا إلى النظام الملكي الهاشمي الذي لا يقبل السواد الأعظم من الأردنيين عنه بديلا، بسبب سياساتهم الاقتصادية والسياسية الرعناء، مغلبين نزواتهم وشهواتهم على المصلحة العامة التي اؤتمنوا عليها، والتي جرت البلاد والعباد إلى ما نحن عليه الآن من تخبط وعدم وضوح في الرؤية وتباين في الآراء، واختلاف على مستوى ارتفاع سقف المطالب وغير ذلك. ولكن يبقى الاستقرار والأمن والأمان قاعدة متينة نقف عليها ونحن ندعو إلى الإصلاح....... هذا إن أردنا الإصلاح حقيقة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات