الأردن يريد شعباً أردنياً


تعصف في الأجواء هذه الأيام جدلية عاصفة عنوانها "قوننة فك الارتباط" , حساسية هذا الموضوع تكمن بأن طرفي المعادلة أي من "مع" و من "ضد" هذا القانون يستند إلى حجج منطقية وحقائق دستورية لا يمكن إخفائها أو التستر عليها، وصعوبته تعود إلى جذور غائرة خضعت لتعقيدات تاريخية وجغرافية وديمغرافية وسياسية ولم يكن لأصحابها الحقيقيين للأسف يوماً يداً في صياغة كينونتها، لكنهم مع ذلك المتجرّعين الوحيدين لمرارتها، بل أنهم وجدوا أنفسهم وجهاً لوجه في موضع الدفاع عن وجهة نظر لا تخلو في كثير من الأحيال من تغوّل أصحاب النوايا السيئة واستغلال المتطرفين.
ولأنه لا يعلم بالنوايا إلا الله، فإننا مضطرون لتقبل كل الآراء بغض النظر عن متبنيها ودوافعه، فالطرف الأول المستشرس في الدفاع عن حتمية القوننة يرى أن دسترة القانون سيمثل سداً منيعاً أمام أي محاولة لتنفيذ حلم الكيان الصهيوني بتحويل الأردن إلى وطن بديل عبر التهجير للفلسطينيين وسيكبح جماح منح الجنسيات وسحبها بلا طعم ووفق للمزاجيات، فضلاً عن كونه سيسهم وبدون شك في إنهاء موالٍ طال سماعه عنوانه "الحقوق المنقوصة" لأن بإقرار القانون سيصبح كل من حمل الجنسية وأقام بالأردن قبل قرار فك الارتباط في ثمانينيات القرن المنصرم أردنياً بالتمام والكمال، له ما للأردنيين وعليه ما عليهم، وبالتالي فإن الأردن سيصبح دولة جامعة لمواطنيه الذين بدورهم سيصبح لهم هوية واحدة مكتملة النمو، وسيصبح كل من حمل الجنسية "أردني اليد والقلب واللسان"، دون أكثرية أو أقلية بل وسيقودنا ذلك في حينه للحديث عن قانون انتخاب وفقاً للكثافة السكانية.
أما الطرف الآخر المعارض فيرى أن قوننة فك الارتباط يحمل في أساسه مخالفات صريحة للدستور لا تقبل اللبس، لأن قوننته برأيهم تعني تخلي الدولة "طوعاً" بعد أن تخلت "قسراً" عن جزء أصيل من أراضيها المتعارف عليها دستورياً وقانونياً، أضف إلى ذلك أن هذا يعني تخلّي الأردنيين من أصول فلسطينية في حال إقرار القانون عن حقوقهم في العودة والتعويض ما يعني القبول بفكرة "الوطن البديل" خاصة وأن عدد كبير من هؤلاء قد اكتسبوا الجنسية وأقاموا في البلد قبيل صدور قرار فك الارتباط! وهم يرون في الوقت ذاته أن تمتعهم بالجنسية الأردنية وكامل الحقوق المترتبة عليها استناداً إلى أحكام الدستور - جميع الأردنيون سواء أمام القانون – لا يتعارض أبداً مع احتفاظهم بانتمائهم "العاطفي" وربما "السياسي" مع الضفة الغربية، على اعتبار أن الحالة الأردنية الفلسطينية حالة استثنائية لم يشهد التاريخ لها مثيلاً، ولم يكن القياس عليها، ويتوجب على الجميع احتوائها حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا، مع تأكيدهم أن انتمائهم للأردن لا يقبل الشك أو التأويل.
إذن نحن أمام وضع متأزم وتراشق بدأ الشرر ينهمر عن أطرافه ليطال كل أردني أمام صمت حكومي مطبق، وعبارات متآكلة لا تسمن ولا تغني من جوع ... "شتى الأصول والمنابت" و "الوحدة الوطنية" وغيرها من الشعارات البرّاقة التي تتطاير يميناً ويساراً بينما الأرض تغلي من تحت أقدامنا، مع الأخذ بالاعتبار أن وراء كل طرف طوفان بشري معبّأ بأزمات وويلات وأفق مسدود، في الوقت نفسه الذي بدأ الكيل يطفح والوضع فيه آيل للسقوط، أمام سيل الاتهامات غير المنقطع الذي يسري كالنهار في الهشيم، ويخلق عنصرية بغيضة في كثير من الأحيان، وتطرّف لا يُعرف مداه، وغيابٍ خالصٍ لخارطة طريق تأخذنا بأيدينا إلى طريق الرشاد.
أمام هذا كله، أقول أن المسألة اليوم تدعو إلى حتمية حسم الأمور وطمسٍ الأبواق الناعقة بالخراب، عبر صياغة عقد اجتماعي جديد تحت مظلة واسعة عنوانها الكبير "الأردن" بهويته الواحدة، ولونه الواحد وسمائه الواحدة، أردن بشعب أردني واثق مصونٌ من التشكيك، رؤوف بوطنه، منغمسٌ في قوميته وعروبته، وهذا حقُ لا يُراد منه إلا حق، نريد أن تكون هذه الدولة دولةً كاملة النمو جلية المعالم أبناؤها كأسنان المشط ممتلئين فخراً بانتمائهم، لونهم من ترابها، أنفاسهم من هوائها، وخيرَهم لأرضها، دولة قانون ومؤسسات حقيقية، وهذا لن يتحقق إلا من خلال إسدال الستار على مسرحيات المماحكات الهزلية، وتبنّي الحكماء – وهم كثر ولكنهم غائبون أو مغيبون – لحوارٍ راقٍ يوصلنا إلى نهاية هذا النفق، عبر وضع لبنة لهذا العقد بعقلانية واتزان وحسم لا نفاق فيه، خلف أبواب موصدة، وضمن غرفة لا رشح فيها، أقول هذا وأعلم أن كثيراً قد يختلفون معي، لأن مرتكز هذا الحوار الراقي سيكون "الصراحة" بل وأحياناً "الصراحة القاسية" التي إن تهربت أصداؤها اشعلت نيرانها في جوانبنا، وانصبّت جهنّم على رؤوسنا ... حمى الله الأردن .



تعليقات القراء

اردني من اصل فلسطيني
صح لسانك لو بيدي برشح وزير فعلا نطقت فاختصرت فاصبت
22-10-2011 10:53 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات