يُطل بعض رؤساء الحكومات برؤوسهن بين فترة و اخرى على الشعب الأردني بتصريحات و محاضرات يحللون فيها الوضع الاقتصادي الأردني و كثيرا ما يجانب تحليلهم الصواب, حيث يصرون على وصف الاقتصاد الأردني انه بالإنعاش وغير قادر للحياة. هم بهذا التحليل يريدون شماعة يعلقون عليها فشلهم و غطاء لفسادهم و اتهامات لبعضهم البعض متناسين أن سوء ادارتهم و عدم وضع سياسات اقتصادية ناجعة هما ما أوصلا الاقتصاد الأردني الى ما هو عليه , والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه هو,
هل يتمتع الاقتصاد الأردني بالقدرة على مواجهة الأزمات و النكسات الاقتصادية والمالية؟ هذا سؤال هام و أساسي لكل من يريد البحث في الموضوع الاقتصادي ولذلك كنا نقول دائماً إن اقتصادنا الأردني يتمتع بأساسيات الاقتصاد الوطني السليمة و القوية ، والذي يشير إلى أن بلدنا قادر على مواجهة الأزمات و متابعة عملية النمو ، إذا ما توفرت القيادة الاقتصادية التي تدير الملف وفق نهج صحيح .

ولعل أهم ما يمكن الرجوع إليه في عملية القيادة الاقتصادية الناجحة هو التركيز على الأساسيات التي يمكن أن يرتكز إليها صانع القرار الاقتصادي و المتمثلة بنظام الحكم والحاكمية ، وحجم الاحتياطي من العملات الأجنبية والصادرات وقوتها مقارنة بالمستوردات والموازنة العامة و حجم المديونية و الاستقرار النقدي ، و الاستقرار السياسي و الاجتماعي ، و الموارد الطبيعية من مياه و معادن ونفط ، و الشفافية ..الخ

ومن هذا المنطلق فإن الاقتصاد الأردني لديه القوة في الارتكاز إلى قاعدة اقتصادية تمكنه من مواجهة الأزمات ومنها استقرار سعر صرف الدينار لسنوات طويلة ، ارتفاع احتياطي المملكة من العملات الصعبة ، و نظام الحكم و الشفافية ، إضافة لوجود كميات غير بسيطة من الموارد الطبيعية التي إن تم استغلالها و التوجه نحوها ستزيد من قدرة الأردن الاقتصادية و تفتح مجالات و أفاق عديدة لزيادة النمو الاقتصادي

والأردن الذي يمتلك مقومات عديدة تم إغفالها أو التعامل معها بشكل غير صحيح أدت إلى إيجاد ثغرات في السياسة الاقتصادية و أدت إلى العجز في الموازنة العامة ، وأبقت الأردن معتمداً على المنح الخارجية و الديون ، وضعف القدرة التصديرية مقابل الاستيراد، ومن أهم مقومات الاقتصاد الأردني ، السياحة التي وان حظيت بعناية إلا أنها ليست كافية ، ومن الملاحظ أن التخطيط الاستراتيجي للسياحة إذا كان موجوداً، وجه الاستثمار السياحي نحو العقبة الميناء الوحيد للأردن ، الذي كان يفترض أن يستثمر كميناء تجاري صناعي وليس سياحي وان يتم التركيز على منطقة البحر الميت كمركز أول للاستثمار السياحي لما يتمتع به البحر من مميزات عديدة ومساحة واسعة تؤهل المنطقة لان تكون المركز السياحي الأول إضافة إلى التوجه نحو الشمال وخاصة منطقة جبال عجلون التي تتمتع بأفضل مناخ سياحي على مستوى المنطقة العربية ولا تقل أهميها عن أهمية حبال لبنان

وأيضاً كان على صانع القرار الاقتصادي العمل على استثمار الخامات الهائلة المتوفرة في الأردن لبناء اقتصاد وطني مستقل و منتج وذلك من خلال بناء مؤسسات إنتاجية في مجال الصناعات التحويلية و الثروات الطبيعية تقوم على استغلال الثروات الطبيعية التي تمتلكها المملكة و المتمثلة في الفوسفات والبوتاس وأملاح البحر الميت والصخر الزيتي والجبس والكاؤولين والرمل الزجاجي وخامات الإسمنت ومواد البناء والرخام وبعض الصخور الصناعية الشائعة ، بالإضافة لخامات النحاس والمنغنيز المتواجدة في وادي عربة وغير المستغلة وهنا لا بد من التنويه إلى أن أسعار النحاس قد تضاعفت عدة مرات ليبلغ سعر الطن حاليا حوالي ( 8400 ) دولار وكذلك ارتفعت أسعار المنغنيز، وللمقارنة، بينما يتجاوز دخل إسرائيل السنوي، من استغلال ثروات البحر الميت "الأربعة مليارات ونصف المليار" دولار، فإن دخلنا منه لا يشكل سو نسبة ضئيلة من هذا الدخل ، وأن الاحتياطي المثبت للصخر الزيتي في أراضي الأردن، يبلغ حوالي أربعين مليار طن، وتقدر كمية النفط الذي يحويه، حوالي( 26) مليار برميل، والمقدر من الاحتياط أكثر من (100) مليار طن، ( للمقارنة احتياطي العراق من النفط (300) مليار برميل) ، يكفي الأردن مئات السنوات للاستهلاك المحلي والتصدير،علما بأن الدراسات الفنية ودراسات الجدوى الاقتصادية للصخر الزيتي قد بدئ بها مع بداية عقد الثمانينات ، حيث انفق حوالي( 780 ) آلف دينار في الفترة الواقعة ما بين 1981- 1985 ، على الدراسات الفنية والاقتصادية لعمليتي التقطير لإنتاج الوقود السائل والحرق المباشر لتوليد الطاقة الكهربائية


إن التخطيط السليم يدفع باتجاه أن يقوم صانع القرار الاقتصادي بالتوجه نحو تعزيز فرص التمنية المستدامة وكذلك التوجه نحو المحافظات لإنشاء مشاريع إنتاجية من خلال فتح المجال لتوجيه الاستثمار المحلي والخارجي إلى هذه المناطق التي أهملت طويلا بالرغم من الجهود الصغيرة التي بذلت ولكنها لم تكن ذات اثر على مجتمعات تلك المحافظات.
إن عجز الموازنة وضعف القوة التصديرية أو عجز الميزان الجاري للمدفوعات لايجب أن يخيفنا بل يجب أن تحفزنا للبحث عن بدائل تعزز النمو الاقتصادي ، كما يجب تعزيز فرص التصدير من خلال اتفاقيات ثنائية مع الدول العربية أو الأجنبية إضافة لتحسين نوع المنتج الأردني ليكون منافسا للمنتجات الأخرى

إن الاقتصاد الأردني بالرغم مما يعاني منه يستطيع أن ينهض ويواجه الأزمات لكن كل ذلك يعتمد على قدرتنا على رسم السياسات الصحيحة كما إن على المسؤول الحكومي التحرك باتجاه متابعة الخطوات الحثيثة والمتواصلة التي يبذلها جلالة الملك في سبيل فتح مجالات الاستثمار للمستثمرين الأجانب إن في أوروبا أو في بلدان أسيا الصناعية الكبرى. وان لايبقى المسؤول الأردني متمترسا خلف المكاتب غارقا في الشؤون الإدارية بل عليه البحث والمتابعة فيما تم انجازه ، على صعيد الزيارات الملكية للخارج وفتح أفاق من التعاون مع الجهات ذات العلاقة في هذه البلدان لتعزبز التوجهات الملكية بخطوات على ارض الواقع ، فالقيادة الأردنية ممثلة بجلالة الملك لها سمعة دولية رفيعة وتحظى باحترام ويجب استثمارها كما يدعو إلى ذلك جلالة الملك لتمكين الأردن من اخذ فرصته بين بلدان العالم وخاصة التي تسعى لتحقيق التنمية المستدامة وتحقيق الرفاهية لمواطنيها.

ختاما , استنتج يا دولة الرئيس أن سبب دخول الاقتصاد الأردني غرفة الإنعاش هو سوء ادارتكم و تخطيطكم الاسوء.
12-10-2011