الواقع البائس لمدارسنا


تناقلت بعض المواقع الإلكترونية خبر رضوخ وزارة التربية للمطالب المحقة والأساسية لطلبة مدرسة الشريف حسين بن ناصر في ماركا الشمالية، بعد أن هددوا باعتصام حتى تلبية مطالبهم، إثر قيام مدير المدرسة بتمزيق عريضة قدموها له وطردهم من مكتبه.
وزارة التربية وخوفاً من الهجوم الإعلامي، وامتداد الاعتصامات إلى مدارس أخرى تعاني مثل مدرسة الشريف حسين وأكثر، قامت وبسرعة قياسية بتحقيق المطالب، فأحضرت المقاعد المطلوبة، واتفقت مع متعهد لصيانة الوحدات الصحية، وأوعزت إلى مدير المدرسة بتعويض الطلبة عن ما قاتهم من حصص، وكل ذلك في أقل من ساعتين.
قبل سنتين كنت شاهداً على قيام إحدى المديريات الفقيرة بتجهيز مدرستين من كل شيء مما تحتاجانه ومما لا تحتاجانه؛ من أجل افتتاح المدرستين تحت الرعاية الملكية السامية، وتم كل ذلك خلال 48 ساعة وبإشراف ميداني مباشر من مدير التربية والتعليم. ومما سمعت أن كل مديرية تحتفظ باحتياطي من الأثاث لتستخدمه في حالات الطوارئ، وحالات الطوارئ تعني زيارات المسؤولين الكبار فقط، أي لإعطاء صورة مزيفة عن الواقع التربوي!
المؤشر الخطير في هذا الأمر، أن وزارة التربية ومديرياتها تستطيع أن توفر كل احتياجات المدارس من أثاث وصيانة وكتب وغرف صفية لو كانت هناك إرادة ونية صادقة وقلوب مخلصة، وإنتماء حقيقي للبلد. ولكن ومن خلال خبرتي الطويلة أجزم بغياب الإرادة لأي تغيير حقيقي يصب في مصلحة العملية التربوية، ويخضع توزيع الأعطيات من أثاث وصيانة وحتى معلمين إلى أمزجة البعض وتصوراتهم وقدراتهم العقلية، حيث نجد مدارس منعمة بكل شيء، ومدارس تكاد أن تكون محرومة من كل شيء، ومدارس أنصبة المعلمين فيها خفيفة لطيفة، ومدارس فيها أنصبة المعلمين ثقيلة بل وزيادة عن النصاب المقرر، حيث تخضع هذه التوزيعة للعلاقات الشخصية وقوة شخصية مدير المدرسة في الغالب وصوته العالي، ومن السهل تطويع الأنظمة والتعليمات لتبرير كل تجاوز ولفلفة الأمور بطريقة خبيثة يصعب اكتشافها، وكم ضاعت حقوق بسبب القفز والتلاعب بالأنظمة والتعليمات بل والقوانين.
الواقع الميداني لمعظم المدارس بائس وخاصة مدارس الذكور، حيث تعاني من اكتظاظ الطلبة بحيث تجاوز في بعض المدارس 60 طالباً في الشعبة، ونقص المعلمين والأذنة، وعدم ملائمة المرافق الصحية والمشارب للاستخدام البشري، وحاجة الغرف الصفية للصيانة من دهان وأبواب ونوافذ وإنارة وكهرباء وألواح ومقاعد وأرضيات، وضيق الساحات، وغياب شبه تام للملاعب، ونقص في أجهزة الحاسوب، وعدم وجود مكتبات أو مختبرات، وضعف الإدارات المدرسية وترهلها وعدم قدرتها على القيام بواجباتها مما انعكس سلباً على أداء المعلمين، وتسرب الطلبة وصعوبة ضبطهم.
بدأت العملية التربوية هذا العام ككل عام متعثرة، وما زالت في بعض المدارس، بسبب غياب تلمس الحاجات الفعلية للمدارس في أثناء العطلة الصيفية، واعتماد المديريات على التقدير الحدسي المنطلق من المكاتب، البعيد عن التخطيط العلمي المبني على دراسات واستبانات وتوقعات تراعي النمو الطبيعي لأعداد الطلبة. ومن المؤسف أن بعض المديريات قامت في خطوة عشوائية بتخفيض عدد الشعب، ونقل بعض المعلمين باعتبارهم حمولة زائدة، مما أدى إلى مشاكل كبيرة يتم التعامل معها بسذاجة وإصرار على الخطأ.
لا أدري كيف تفكر وزارة التربية وأجهزتها العتيدة، التي يجب أن تكون رائدة في أعمالها ورؤيتها، وهل تنتظر أن تقوم كل مدرسة باعتصام أو اضراب حتى توفر التربية المتطلبات الأساسية للعملية التربوية في حدودها الدنيا؟ وهل تضيع حقوق الطلبة والمعلمين إذا سكتوا وأذعنوا؟ وهل من المفترض أن يصرخ المظلوم حتى يستجاب له؟ وليذهب الساكت إلى الجحيم؟ وهل إذا كنت من بطانة المسؤول تحققت مطالبي، وإلا حوربت وأبعدت وأهملت؟!
يبدو أن الربيع العربي لم يورق بعد في وزارة التربية والتعليم، ولم يسمع به البعض، ظناً منهم أنه بعيد عنهم، أو أنه ربيع لا يعنيهم. ولم تصل إلى آذانهم دعوات الإصلاح التي شقت عنان سماء الأردن من جنوبه إلى شماله، يحسبون أنها دعوات لا تخصهم، وأنهم محصنون فوق كل شبهة. ولا يدرون أن الإصلاح التربوي هو أساس كل إصلاح، وبغيره لا يمكن أن تنجو السفينة.
المطلوب أن تسارع وزارة التربية بكافة كوادرها وأجهزتها لعمل مسح ميداني كامل لجميع المدارس، وحل جميع مشاكلها فوراً وعلى أرض الواقع دون أي تأجيل أو إبطاء، ولتبتعد ولو مؤقتاً عن تشكيل اللجان التي تعني تجميد المشكلة ووضعها على الرف، وتخلي المسؤول عن واجباته، وتحميلها إلى غيره. والحل ليس صعباً، بل هو أسهل مما يتصور ضيقو الأفق، وقاصرو النظر، وفاقدو البصيرة، وليكن شعار الإصلاح والتغيير:(الوزارة والمديريات في خدمة المدارس) ولتكف عن تسخير المدارس لخدمة المديريات كما هو عليه الحال الآن!
ونداء إلى الصحافة والإعلام وخاصة الإعلام الإلكتروني أن تدير دفتها تجاه المدارس لتكشف ما فيها من خلل وضعف ونواقص وتجاوزات، وترهل إداري، ولا تنسى المديريات التي هي مصدر كل داء، وأساس كل علة. ليس من أجل التشهير، بل من أجل محاسبة المقصرين، وقياماً بواجب جيل تهدر حقوقه، وتشوه تربيته وأخلاقه. جيل فقد كل ثقة بالمؤسسة التربوية، لأنه يجدها دواء مراً لا بد من تجرعه، أو نفقاً مظلماً لا بد من دخوله، أو سجناً لا تربية أو تعليماً أو خلقاً فيه!!
mosa2x@yahoo.com



تعليقات القراء

تامر البواليز
سلمت يمناك أستاذ موسى على هذا الكلام الذي يلمس واقع مدارسنا الحقيقي ، بالفعل الربيع العربي قد بدأ بالمعلم الأردني منذ أن إنتفض في وجه الظلم والقهر الذي يعانيه ، والأيام القادمة ستجعل من الرقاب المشرئبة في وزارة التربية والتعليم تعرف قدرها جيدا
25-09-2011 09:35 PM
معلم
بارك الله فيك استاذ موسى تشخيص اكثر من رائع من انسان مخلص لوطنه
26-09-2011 01:25 PM
طالبة من طبريا 1ع 5
نحن في مدارس اربد الاولى/ مدرسة طبريا الثانوية لا زلنا بدون معلمة للغة الانجليزية حتى اليوم اولا احضرت لنا معلمة في بداية العام اخذت اجازة بعد يومين بقينا اسبوعين بدون معلمة جابوا معلمة اضافي قعدت ثلاثة ايام غيروها بمعلمة اصيلة داومت ثلاثة ايام واخذت اجازة بدون راتب الامتحانات تبدا عندنا يوم الاحد بايش بدنا نمتحن رجاء حلوا المشلكاة
ثانيا المدرسة بلا حاويات وما فيه نظافة
30-09-2011 07:35 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات