المماعيط الجدد


شاع في الآونة الأخيرة وصفٌ وجّه إلى فئة الشباب بأنهم ممعوطو الذنب، عطفا على المثل الشعبي المأثور الذي نصه: ما ظل بالخمّ غير ممعوط الذنب؛ أي الصوص الفرخ الذي لايقوى على مغادرة الخم بسبب افتقاره لذنب يساعده على الحركة، أو من هو أكبر منه ولكن ذنبه ممعوط لسبب أو آخر. وبالرجوع إلى المعط فإنه يستخدم عند معط الشعر معطا، فيقال إن فلانا مَعَطَ لحيته بعد أن أطالها أي حلقها، كما ويستخدم هذا المصطلح عند وقوع الشحناء والبغضاء بين شخصين فيهدد أحدهما الآخر بأن سيمعط لحيته وشاربيه كذلك إمعانا في الإهانة. إضافة إلى اللجوء إليه في حالات الملل والزهق فيبادر الشخص في هذا الوقت الممل إلى التسلية بمعط شعر إبطيه. ومن المعاني الأخرى للمَعطِ ما يدور في أواخر السهرات والتعليلات والأمسيات الشتوية حيث يزداد منسوب المَعْطِ والسَّرْدِ والمَصُك والكذب حتى مطلع الفجر، فَيَمْعَطُ أحدهم رواية تجعل الباقين من السّهّيرة ينظرون صوب سقف الغرفة خائفين وجلين، مبسملين ومحوقلين أن يردم عليهم بسبب حجم المعط الخيالي في الرواية الكاذبة. زد على ذلك أن المعط يشير إلى قوة الضربة المسددة من فرد إلى غريمه؛ فيقال: مَعَطَه كُمّاد، أي نَبَطَه لكْماد بين كتفيه في البقعة المنخفضة بين الكتفين الأيمن والأيسر. كما ويشيع هذا المصطلح في الحراك المعيشي بين أفراد المجتمع الواحد ممثلا بمعّاطات الجاج المنتشرة في الأزقة والحواري وعلى مداخل مجمعات السفريات داخل المحافظات والألوية، وفي (بعض) هذه المعاطات فقط ستكتشف بعد شرائك الدجاجة ووصولك البيت أنها كانت بجناح واحد أو رجل يتيمة؛ سبحان المولى القدير.
أما المعط في السياسة فحدّث عنه ولا حرج؛ فكم من حروب شنّت على بلاد بدعوى معطة دولية مثل الحرب على الإرهاب احتلت على إثرها العراق وإفغانستان، أو معطة انتهاء دور الزعيم الفلاني أو الحاكم العلاني بدعوى مساعدة الشعوب المقهورة، أو معطة أوسلو الكبرى ومعاهدات السلام في الشرق الأوسط، وما زال الشعب الفلسطيني هو الشعب الوحيد في العالم دون دولة تجمع شتاته، وتلملم جراحاته، وتعيد إليه حقوقه المسلوبة على أرضه. وما الشعارات التي ينادى بها من حقوق إنسان، وحق تقرير المصير ومترادفاتهما إلا أكاذيب يشيعها الساسة الكبار ليضحكوا بها على الصغار في هذا الكون. كما أنّ هناك من الأنظمة القمعية الدموية التي تمعط رقاب شعوبها وتقتلع حناجر كانت في يوم ما حناجر. وتمعط أوهاما كانت فيما مضى أحلاما ورؤى وتطلعات وآمالا.
في حين يشير المعط داخليا فيما يشير إلى ما يناقض الشفافية والوضوح والمصداقية؛ فالمشاريع الوطنية الكبرى التي يستبشر المواطن فيها خيرا تتحول في ليلة ظلماء إلى مشاريع فساد تجر عليه الويل والثبور والمديونية على يد (المماعيط الجدد) الذين أغرقوا البلاد بمديونية مرقومة بالمليارات فلم يتناول المواطن بعدها عنبا ولا حصرما، بل عسرت معيشته، وساءت سريرته، وتقلصت شريحته، وتناقصت أحلامه وتجمدت، وكثرت أضغاثه حتى أصبحت تراوده في منامه ويقظته. هؤلاء المماعيط الجدد هم ذاتهم الصعاليك الجدد، فالصعاليك القدماء كان لهم في المروءة وحسن الخصال والمودة للفقراء جانب، بعكس الصعاليك الجدد ذوي الوجوه المتوردة المشوبة بحمرة الصحة والعافية والوجاهة والنفوذ ممن يفتقرون إلى القدرة على حمل الأمانة التي كلّفوا بها، فساءت وجوههم وتلطخت أسماءهم التي نسمع عن ورودها في ملف فساد هنا وملفات فساد هناك.
ونصل أخيرا إلى المعط المحمود وهو معط الماعطين الجدد من الحياة العامة، واستثناؤهم من التحكم في رقاب الناس في مختلف الوزارات والدوائر الرسمية وشبه الرسمية، وكفّ أياديهم عن كل تعريفة وقرش وقرطة؛ فهؤلاء لا يميزيون بين كثير الحرام وقليله، فما أن تقع عيونهم على صورة عملة ما حتى ترى أياديهم ترتجف وترتعش شوقا لسلبه، وما أن تسمع آذانهم صليل الدراهم، وصلصلة الدنانير حتى تتطاول وتتشنف طربا وشغفا.
وكما ورد في الأثر؛ فإن أول( فحجة ) في الإصلاح هي استبعاد هؤلاء ومن والاهم ممن مزجوا بزنسهم بنفوذهم، فخانوا وأدانوا.
اللهم اكفنا شرهم، وأبعد أذاهم ووجوههم وأكفهم وأصابعهم عن ترب هذا الوطن الذي انسابت بين ذراته وحبيباته الطاهرة مسيل مياه عادمة مآلها إلى محطات تنقية المياه.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات