الموسرجي والربيع العربي !


قال لي الموسرجي وهو يقوم بصيانة مخارج المياه في منزلي من عطب وانسداد وتكلس اكتنف مواسيره: كل شيء يحتاج إلى صيانة وإصلاح, وكل إصلاح له وسائله, لينكب على فك المحابس ويتلوها بسكب سائل الفلاش في ألأحواض بكل اقتدار. يفرك بيديه وبالفرشاة قواعدها ونهاياتها, ويفتح الحفيات بسخاء ومن ثم يغلقها, يبدل أصولها وفروعها حتى أعجبني وأقنعني بعمله وسلامة النتائج المباشرة لمخرجات جهده. وانتقل الموسرجي "المطلع على أحداث راهن الربيع العربي" إلى مرفق آخر لإصلاح "نيا جارا" متكلسة, يتسرب منها الماء واستدرك قائلا" -مقاربا بين ما يقوم به من إصلاح لمرافق منزلي الصحية مع الراهن العربي- لو أصلح النظام العربي نفسه أول بأول لما وصلنا إلى وصلنا إليه من فساد وحالة ثبور ! وقال بالحرف "أرى الحكام العرب الآن وكأنهم يجلسون راحلين في باص من نوع كوستر, يتسع لهم بما فيه السائق, وقد أنزل منهم ثلاثة بمهانة وخزي, غير مأسوف عليهم وعلى حكمهم من الشعب العربي وأغلب شعوبهم, وينتظر اثنان منهم السقوط المدوي عما قريب. كانت البداية مع من كانوا يسمونه في الغرب وحش الشرق الأوسط, الذي طاش حجره, واستدرج إلى مصيدة القوى الكبرى التي تخشى على إسرائيل من قدرات ما يمتلك بلده العريق من قوة, فتصدى لهم بما لديه من قوة وحيلة فهزموه بمكر وبتحالف مع جواره من أبناء جلدته فأحيط به ورافديه ببطش محتلين, أتوا على مكتسبات شعبه وتاريخه فوضعوه خارج التاريخ, أما هو, فقد ضحي به صبيحة عيد, فقتل يوم قتل الثور الأبيض, حسب ما يقول المثل العربي الذي لم يأخذ به زعيم عربي لغاية الآن ! أرى وغيري مشهد راهن لا يغيض عدوا ولا يسر صديق, يذبح به مواطن عربي من الوريد, ويودع آخر في غياهب السجن إلى اللحد, وتصادر حرية التعبير للنابغين في أمة ملئت بهم, ويوكل الانتهازيون الأمر ومن حولهم سعران متكسبون, ويزج بحماة الديار, حراس الحدود بمعارك ضد شعوبهم وأهليهم, ليكن القاتل والقتيل والجارح والمجروح من ملة واحدة.
فمن الحكمة والحصافة الإدراك ومن ثم القول: أنه لا توجد دولة عربية محصنة من هزات وتوابع هزات الربيع العربي بسبب تماثل الأسباب الموجبة لمطالبات شعبية من حكامهم بإصلاحات إدارية ودستورية ومحاسبة فاسدين, سرقوا من المال العام لأوطانهم أو تربحوا بأموال وأرصدة طائلة من جراء استغلالهم لمناصب, أوكلت إليهم, فجمعوا بين وزارة وتجارة دون رقيب أو حسيب, لتفلس خزائن ويتزايد الدين العام على الدولة لبنوك وصناديق تمويل لا ترحم, تنؤ بها الأوطان لأجيال قادمة !
وهنا في الأردن, يتبلور رأي عام يتحدث به شخصيات تكنوقراط فكرية وسياسية بارزة, يتناغم بدقة مع ما يدور بخلد العامة من مطالب إصلاحية, تلتقطه بعض الخاصة من رجال حكم وإدارة سابقين ولجان هامة مثل اللجنة الوطنية للمتقاعدين العسكريين وغيرها, لتشكل حالة فريدة من حراك وجدل حول هموم وأولويات المرحلة الراهنة, يصل في حدته حدود الكلام غير المباح. بظني, لن تهدأ الحالة بسهولة لشهور قادمة, بسبب قلق وخوف من القادم المجهول الذي ينتاب المواطن الأردني, عن وجود مسودات قيل أنه يتم صياغة بعضها خارج الحدود, والحساسية المفرطة من المشهد الكلي للحياة العامة, وعدم إحساس شرائح من المجتمع بعدالة توزيع المناصب العليا والمتوسطة لمن هو كفء لها, علاوة على المشاهد المصدرة من الماضي السياسي, الذي يبطئ تحقيق وعود في الإصلاح قطعت, وهو مدعى للغط والتوتر والقلق.
يسعدني كما غيري التوصية بتأهيل الجيش العربي الباسل بقوة ردع صاروخية حديثة, استعدادا لمقاتلة عدو لا يؤمن معه عهد ولا وعد, والقضاء على الفساد, والدعوة الصريحة إلى تولي أصحاب التأهيل والحكمة زمام الأمور في المواقع الحساسة للدولة .
ولا يسعدني تكرار سماع مواقف سياسية وإعلامية صدرت, لتطالب علنا بالمحاصصة وتحث الدول الغربية بالضغط على الأردن للقبول بالمحاصصة ولم يتورع البعض في مقابلات لوكالات أجنبية والكتابة في الصحف الإسرائيلية بهذا الخصوص وهذا غير مقبول وغير مباح من الناحية الوطنية.
وعليه, ما المانع من تبني إلغاء بيع مواقع سيادية تشكل ذاكرة وطنية, والعودة عن قرارات ليبرالية أثبتت فشلها وأدت لحالة من عدم الرضا يتحدث به الناس في كل مكان, وما المانع من تكليف شخصيات وطنية ثقات, يجمع عليها أغلب الناس, لقيادة مرحلة جديدة بخطاب وطني يعيد التفاف المجتمع حول مكتسباته ويعيد الثقة برجال الدولة كما يبتغي الوطن ويدير انتخابات نزيهة, تمحي ما قد ترسب في ذهن المواطن من تزوير سابق أفقد العامة والخاصة الثقة بسلامة العمليات الانتخابية.
مع الشكر الجزيل للصديق الموسرجي الذي قدم لي درسا عمليا في كيفية إصلاح المرافق المنزلية علاوة على مقارنته نجاح انجازه في إصلاح بعض مرافق منزلي -القريب من قصر العدل- مع ما يختلج في صدره من رؤية وفهم خاصين بالربيع العربي في حالته الراهنة, والتي يدور رحاها في ساحة الأمة ويهز أركانها هزا ويقتل بعض أبنائها وبناتها وأطفالها وشيوخها تقتيلا, وقد يتحول المشهد إلى نخاسة وسبي وهيام لا يقوى عليه جيل وعد بالسمن والعسل من ثورات وتصحيحات سابقة.



تعليقات القراء

احمد الازايده
بلكي الله يرزقنا بموسرجي يفكفك وصلات الفساد ويكنس المحابس المهتريه والمناهل الخربانه من اوصال بيتا الكبير



والله يا شيخ بدها ليلة قدر ودعوه من شخص ذي قدر في ليلة بدر يكشف بها الله ما غم بنا وغمغمنا وليس ذلك على الله بعزيز
24-09-2011 06:44 PM
عبدالناصر عبدالحليم الحموري
ابن العم الغالي الدكتور محمودخليل الحموري سنظل نتعلم منكم كلما قرانا وسمعناحديثكم لانك البحر عندما تتكلم فتفيض بعلمك وخبراتك لتغذينابها وكانك السيل الذي يجرف كل ما هو يظر بنا ادامك اللة علما من اعلام الوطن والامة /
28-09-2011 07:03 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات