الازمات القادمة للمجتمع الاردني


(2) أزمة الهوية : إدارة الهوية أم صناعتها؟

تناولت المقالة الأولى من الأزمات القادمة للمجتمع الأردني أزمة الإصلاح، وتتناول هذه المقالة أزمة الهوية. لقد كثر الحديث عن الهوية وعلاقتها بالأصول، والمناطقية والمواطنة وُربطت بالإصلاح وبالحقوق والواجبات. الهوية الوطنية يمكن أن تكون حصناً للمجتمع ضد التفسخ. ويمكن أن تكون قاتلة، وهنا يمكن أن تشكل أزمة قادمة للمجتمع الأردني.
فما الهوية؟ سؤال يبرز إلى السطح. الهوية أنواع، منها الشخصية، والوطنية، والمهنية...الخ. وهي سلوك وممارسة، قبل كل شيء، وهي إحساس بالذات من المنظور الذاتي وبكيفية اعتقادنا برؤية الآخر لنا. هناك هوية شخصية، ووطنية، ومهنية، هناك هويات منوعة يحملها الشخص. وتحدد الهوية الشخصية صفات الشخص فله اسم وشكل وسلوك وانتماء ودين ومكان ولادة، ومكان عمل...الخ. وهي شعور ذاتي وصفات ملاحظة من التشابه بين الأفراد، أنها مجمل الصفات التي تجمعنا معنا وتميزنا عن الآخرين. فهي صفات تشابه مع الجماعة وصفات تفرد عن الجماعات الأخرى.
والهوية الوطنية إدراك جمعي لأفراد المجتمع وشعور مشترك، وتوحد في القضايا المجتمعية، وتعلق بالدولة في مجتمع ما في بلد ما، والهوية الوطنية تمثل جوامع مشتركة، الهوية الوطنية مكون أساسي للعقل الجمعي للمجتمع، والشخصية المجتمعية والفكر المجتمعي. وفيه تمايز فنقول هذه هوية يابانية أو غربية أو صينية. تستند الهوية الوطنية إلى الذخيرة التاريخية والثقافية للمجتمع ولكنها تفاعلية غير جامدة. وينبغي أن تكون في صلب وظائف مؤسسات الدولة من تعليم وثقافة وسياسة وتظهر رمزيتها بالافتخار الوطني بالاستقلال، والعملة الوطنية، والجنسية، والدستور والنشيد الوطني.
وللهوية أزمات على المستوى الشخصي وعلى المستوى المجتمعي، فعلى المستوى الشخصي يحتاج الفرد أن يتخطى الأزمات النفسية والاجتماعية للهوية المرتبط بالنمو وبالشخصية وخاصة في مرحلة المراهقة والشباب. ويحتاج المجتمع أن يتجاوز أزمات هويته الوطنية وخاصة لارتباطها بوظائف المجتمع الأساسية، وبالاندماج والتأقلم والولاء والانتماء والأمن.
أما مصادر أزمة الهوية الوطنية الأردنية فيمكن ردها إلى عدة مصادر هي: المصدر الأول، التراكيب والبنى الاجتماعية، فعلى مستوى المجتمع الأردني فان أزمة الهوية تمثل انعكاساً للتراكيب الاجتماعية والتاريخية للشخصية الأردنية ولتطور الفكر الاجتماعي الأردني. فعلى مستوى النمط الاجتماعي العام هناك ثلاث تصورات للنظام الاجتماعي الأردني، التصور الأول يرى أن المجتمع الأردني مجتمعاً متجانساً، وسمته الانصهار الاجتماعي، حيت يسوده التكامل الاجتماعي ويستند على الجوامع المشتركة للمواطنين. التصور الثاني يرى أنه مجتمع متنوع، وسمته التعايش ويستند على الحقوق والواجبات والمواطنة. التصور الثالث يرى أنه مجتمع متحول يستند في بعض مكوناته على التجانس وفي مكونات أخرى على التنوع وهو في مرحلة تشكل تجمع بين هاتين النمطين (هجين). وقد يكون التجانس سمة غالبة على مجتمع الشرق أردنيين في حين تغلب سمة المجتمع المتنوع على مجتمع الغرب أردنيين. وفي كل هذه التصورات فإن الهوية الوطنية في أزمة مردها للتطور والتغير في التراكيب والبنى الاجتماعية.
والمصدر الثاني يتعلق بجوهر الهوية، ويمثله سؤال من هو الأردني؟ الواقع الاجتماعي الأردني واقع زئبقي بالنسبة لهذه القضية، وقد يكون للتطورات التاريخية للعلاقة الأردنية الفلسطينية دور كبير في خلق هذه الأزمة. فما بين فك الارتباط والحلم بتأسيس دولة فلسطينية على أراضي الضفة الغربية (حدود 67)، ومشكلة الفلسطينيين الذي كانوا مواطنين أردنيين بحكم واقع الحال ما قبل عام 67، إلى الجدل الكبير في المجتمع الأردني بين الشرق أردنيين والغرب أردنيين في هذه القضية. الشرق أردنيون يطالبون بدسترة فك الارتباط والغرب أردنيون يطالبون بإلغاء فك الارتباط وعدم شرعيته بحكم الدستور. هذه القضية لم يُتخذ فيها قرار وطني يبين من هو الأردني؟ وهذا القضية لها تبعات أخرى ترتبط بمن هو الفلسطيني كذلك؟ الخلاصة أن هذا الحال يمثل أزمة للهوية الوطنية الأردنية والفلسطينية.
المصدر الثالث هو تغليب الهويات الفرعية (على اختلاف أشكالها) على الهوية الوطنية، وخاصة الهوية الشرقية والغربية وهويات الأقليات. فالهوية القبلية غلبت على الهوية الوطنية، وكذلك الحال غلبت الهوية المناطقية (غرب أردني، شرق أردني، وشمال، وسط، وجنوب)، كما إن الذخيرة الثقافية في كارثة أيلول قد دمرت الهوية الوطنية، خاصة بعد أن اتُبعت لاحقاً بفك الارتباط والذي (ما كان ينبغي أن يكون من منطلق المصلحة العليا الاردنية)، وتطورت ثقافة الاستبعاد، واحتكار الدولة، وضعف آليات الدمج والاندماج الوطني، فبقيت العلاقة الشرق أردنية مع الغرب أردنية علاقة باطنها عدائي وظاهرها متسامح، فالغرب أردنيون يشعرون بحقوق منقوصة في جهاز الدولة الرسمي، والشرق أردنيون يشعرون بأن الغرب أردنيين يستحوذون على الثروة. ومع تنامي دور الملكة في الحياة العامة، يشعر الغرب أردنيون بالحماية (لكونها غرب أردنية الأصل) في حين يشعر الشرق أردنيون بالتهديد. كما أن (شرقية الدولة وغربية المجتمع) خلقت تشويه للهوية الوطنية ووضعتها في أزمة. وما أدل على ذلك من أن الوحدة الوطنية تهددها مباراة كرة قدم بين الفيصلي والوحدات، أو مقالة لعريب أو للخازن. وبالتالي أصبحت الهوية الفرعية أداة عنف خاصة في الرياضة والإعلام، وقاتله كما هو الحال في أيلول.
المصدر الرابع في أزمة الهوية هو معيار التمثيل النيابي والسياسي المستند إلى الحجم المطلق للسكان. فالحقائق السكانية تقول أن نسبة السكان في عمان والزرقاء في عام 2010 هي (%53.2) وغالبيتهم غرب أردنيين في حين لم تصل النسبة في محافظات الجنوب أقل من عشر السكان (الكرك والطفيلة ومعان) إلى (7.4%) وغالبيتهم شرق أردنيين. وإذا ما أضيفت المفرق تصبح النسبة حوالي (12%). وهي المحافظات التي تشكل العمود الفقري للدولة من حيث المساحة والمصادر. والجدل يدور حول معيار التمثيل فالغرب أردنيين يريدون تمثيل الحجم المطلق للسكان، على اعتبار تفوقهم العددي، في حين يطالب الشرق أردنيون بتمثيل إداري يعتمد المحافظة أساس وحجم الأرض والمصادر. ولا يتوقف الجدل عند هذا الحد بل يتعداه إلى تشكيلة الحكومات وعدد الوزراء ونوعية الوزارة.
المصدر الخامس (مستقبلي) الهوية الإقليمية. فإذا قُبلت عضوية الأردن في مجلس التعاون الخليجي، وبغض النظر عن حجم العضوية وشكلها، فالاختلافات الثقافية الاقتصادية موجودة، يقابل ذلك المصالح المشتركة. فهل مقومات الاندماج الإقليمي على المستوى الاجتماعي والاقتصادي متوافرة ومسهلة لتكييف الهوية الوطنية مع الهوية الخليجية؟
وفي ظل هذا الواقع للهوية الوطنية، فهل نرسخ الهوية الوطنية بشكلها الراهن أم نديرها ؟ إن ترسيخ الوضع القائم يعني الإبقاء على تشوهات الهوية الوطنية، وشرذمتها، ويرتبط بذلك مهددات للتلاحم الاجتماعي، وللنظام الاجتماعي وللأمن، ومظاهره مجتمع كراهية، والتخندق المناطقي، وعرقلة الإصلاح والتوافق الاجتماعي، وأخطر عواقبه الفوضى الاجتماعية، وانهيار النظم المجتمعية وشيوع التفسخ الاجتماعي. أما إدارة الهوية الوطنية فتقتضي البحث عن الجوامع الثقافية المشتركة، الأردنيون من شتى الأصول والمنابت يجمعون على القيادة الهاشمية، وسيبقى الإصلاح مستعصيا إلا إذا قاده الملك بنفسه، وعندها تصبح إعادة صناعة وهندرة الهوية الوطنية أمر هيناً. وعندها أيضا تنصهر الهويات الفرعية في \"مرجل الانصهار\" الوطني، تنسجم هذه الهويات مع الهوية الوطنية ولا تلغيها. وهنا تصبح الهوية الوطنية عنصر تكامل واندماج اجتماعي ومُحصن أمني. وعندها يمكن أن نحتفل بعام للهوية الوطنية.

____________________
*رئيس مركز ابن خلدون للدراسات والأبحاث
dbadayneh@yahoo.com




تعليقات القراء

متابع
لأول مرة يتم تشخيص المرض بشكل صحيح وواضح ويضع اليد على الجرح.

سلمت أخي د.ذياب
01-09-2011 01:47 PM
كركي
شئنا ام ابينا يا دكتور الغرب اردنيون هم عصب الاردن الاقتصادي واصحاب الثروة والسلطة والشرق اردنيون هم الحراس على هذه الثروه والمصالح... ومما يعزز ذلك ان يقوم الملك بمنح الاف الوظائف العسكرية لابناء الاردن ولهم المشاريع والاستثمارات
01-09-2011 01:49 PM
مطلع
انت رائع وتستحق المناصب العليا يا ابا يزن رساله الى حكومتنا الكريمه
01-09-2011 02:14 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات