صلة لحم


إن اللحوم في بلدنا عديدة المنشأ والتربية الحسنة وغير الحسنة؛ فمنها اللحوم البلدية ... البلدية، وهذا النوع متوافر بكثرة - والحمد لله- في مخيلاتنا وأحلام أطفالنا، فيُهيأُ لنا في إفطار يوم ما من رمضان منسفٌ يتوسطه رأس صبيح الوجه مبتسما، وهو يمضغ ( ظمة بقدونس) محاطا بذراع غضّ وقص صدر، وهبرة تكاد أن تتفتت وحدها قبل أن تلمسها يد أو يحاورها ناب ولا يفاوضها سنّ. منسف يكاد يخطف الأبصار لحسن جماله وهيبة مقداره، وانسياب ( مليحيّته) أو شوربته أو شاكريته التي تتعانق مع حبات الرز في تلّه وسفحه وواديه وتفرعاته التي خطّتها أيادي رَبْعِ الدّرابي. وتمضي التخيلات في أعنّتها مبلغا يجفّ فيها الرّيق فوق جفافه ونكتفي من الغنيمة والأحلام والأوهام بما هو خير من ذلك؛ اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت، ذهب الظمأ وابتلت العروق إن شاء الله.
وهناك لحوم أخرى تتصف بالأممية والعولمة بعد أن فُتحتْ الحدود لعصابات المافيا ومحتكري اللحوم المستوردة من أوروبا الشرقية منها والغربية، وكذلك السودانية، بل وزدنا على ذلك الأثيوبية التي رُفضتْ كصفقة لحوم من دولة الكويت- في حدود علمي- لأنها لحوم موبوءة، فعادت هذه الصفقة لتستقر في أسواقنا. إنّ التسهيلات الجمركية- إنْ وُجدتْ- والإعفاءات الجمركية- إنْ وُجدتْ- والأعلاف المدعومة إلى عصابات مافيات اللحمة- إنْ وُجدتْ- جريمة وعار على من يسند الاحتكار ويدعمه بالتشريعات والقوانين والتعليمات التي تيسر وتسهل عمل هؤلاء النفر في جَلْدِ المواطن بسياط الغلاء ولهيبه.هذه العصابات العنكبوتية تتلذذ باقتناص فرائسها أو تجويعها، هذه العصابات عبارة شبكة من خيوط يختلط فيها الدنس والنجاسة والنفوذ مع التجارة الحرام، هذه العصابات ستكسر عظم أيّ شخص يراوده التفكير في يوم ما بمنافستهم والدخول إلى سوقهم وذلك بأساليبهم والتي منها إغراق السوق ببضاعتهم بثمن بخس لدرجة يهرب منافسهم من السوق بعد خسارته التي قد توصله إلى الإفلاس لتعود مرة أخرى إلى التحكم في قوت العباد وأرزاقهم.
أما النوع الثالث من اللحوم فهو الموقوذة والمتردية والنطيحة والمنخنقة. وهذا النوع تجده مخبأ في مستودعات بالأطنان بعيدا عن عين بعض المسؤولين من صغار الموظفين. هذه اللحوم تجدها معلقة على باب الملاحم وفي الثلاجات وتباع على أنها صالحة للأكل على الرغم من حرمة أكلها وفسادها. إن أخلاق هؤلاء لاتختلف عن أخلاق من سبق ذكرهم من مافيات. وليس غريبا أبدا أن يكون هؤلاء فرعا من فروع أولئك. زوّروا الأختام، ذوّبوا اللحوم المجمدة وباعوها على أنها طازجة، نفخوا الذبائح بالماء لزيادة وزنها، وووووو ما لا نعرف من لصوصيتهم أكثر من هذا بكثير.
إننا شعب لا نَصِلُ لحمنا، ولا نحثّ على أكله والتعامل معه، بل إنّ القطيعة متأصلة بيننا وبينه منذ أن صرخ المزاريّ مدويا صوته أمام ملحمة في مدينة إربد قبل سنوات عديدة قائلا وصارخا: بخاطرك يا لحم!!! أي وداعا لا لقاء بعده.
قال محاربة فساد..... قال!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات