رمضان : يا باغي الخير أبشر


ها نحن نعيش أيام مباركة في شهر الصيام .. شهر رمضان المبارك.. شهر الخير والبركة .. شهر الذكر والقرآن .. شهر البر والإحسان .. شهر الإرادة والصبر .. شهر الطاعة والتعبد والقيام والتهجد.. الشهر العظيم الذي أوله رحمة .. وأوسطه مغفرة .. وآخره عتق من النار .. نصوم نهاره ونقيم ليله .. فهو فريضة ماضية فينا والذين من قبلنا .. لقول الحق عز ّوتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون) .
ولعل من بين أعمال المؤمن أن الله عزّ وعلى قد اختص الصيام بنفسه .. بل يضاعفه الله عز و جل أضعافاً كثيرة بغير حصر عدد .. فإن الصيام من الصبر .. ففي الحديث القدسي ونصه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل: \" (كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي، وأنا أجزي به ) ..
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: الصيام جنة .. فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ولا يجهل فإن شتمه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم .. إني صائم .. والذي نفس محمد بيده لخُلُوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك.. وللصائم أيضاً فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه\"
ففي رمضان تغلق أبواب النار.. وتفتح أبواب الجنة.. وتصفد الشياطين وينادي فيه ملك: \"يا باغي الخير أبشر.. ويا باغي الشر أقصر.. حتى ينقضي رمضان\".
وقد جعل الله عز وجلّ الصوم والقرآن .. أحدهما مقرونًا بالآخر في هذا الشهر الفضيل .. كلاهما مرتبط بالآخر ارتباطاً وثيقا ً لما في ذلك التقاء للسعادتين .. وبين الصوم والقرآن صلة متينة عميقة .. حيث كان رسول البشرية صلى الله عليه وسلم يكثر من القرآن في رمضان .. فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: \"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس .. وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل .. وكان يلقاه جبريل في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن .. فرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل .. أجود بالخير من الريح المرسلة\". .. فتعلم يا ابن آدم ..!! فلم يبق من رمضان إلا القليل .
فما أسرع أيامك يا رمضان .. تأتي على شوق ولهف .. وتمضي على عجل .. ها قد مضى الثلث الأول منك .. والثلث كثير .. فيا شهر الصيام ترفق .. ويا شهر القيام تمهل .. نفوس العابدين .. وقلوب الراكعين ساجدين .. تحنّ وتئنّ فسبحان الله.. منذ أيام .. كنا ندعو : \"اللهم بلغنا رمضان\". و منذ أيام قليلة .. هنأ بعضُنا بعضاً ببلوغ رمضان .. فأنت ضيف سريع الارتحال تأتينا على عجل .. لتحصد الحسنات وتذهب السيئات فقد نبهنا الله تعالى إلى هذا المعنى في قوله تعالى: ( أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ...)
وما دام الأمر كذلك إخوتي في الإيمان .. فالأحرى بالعبد أن يحقق الاستفادة القصوى من هذه الأيام المباركة الذي تعددت فيها أسباب المغفرة والعتق من النار..
فإذا كانت تلك بعض أسباب المغفرة والعتق من النار في رمضان .. فمن أراد النجاة أن يحدد أهدافه بدقة في رمضان .. وأن يجتهد ليحقق ما يرضي الله عزّ وجل ويحاسب نفسه على كل خطأ اقترفته يداه .. بدلا من السير بلا هدف كبير يسعى إليه.
إن الهدف من ذلك هو الفوز برضوان الله تعالى في رمضان والعتق من النار .. وهو هدف كبير ونبيل بل هو أكبر الأهداف وأعظمها لكن .. وهذا السياق يأتي السؤال الذي يطرح نفسه : ماذا فعلنا للوصول إلى هذا الهدف الكبير في رمضان؟ هل وضعنا نهجاً جديداً لأسلوب حياتنا ؟ هل وضعنا مجموعة من الأهداف اليسيرة التي تساعدنا على تحقيق ذلك ؟. وهل سنميزّ رمضان هذا العام أم سيكون كما مر غيره في السنوات السابقة؟
وكما قال الله تعالى في محكم تنزيله (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).
بالفعل فقد وجب علينا وضع الأهداف الواضحة التي يمكن أن نحققها في هذا الشهر المبارك الكريم .. لتكون نهجا يوميا يمكن لنا القيام بتحقيقها ومحاسبة أنفسنا على التقصير فيها ..

فمثلاً .. علينا أن لا نترك صلاه الجماعة لأن شأنها في الإسلام عظيم .. ومكانتها عند الله عالية .. ولذلك شرع الله بناء المساجد لها .. إن صلاة الجماعة فيها إعلان ذكر الله في بيوته التي أذن أن ترفع ويذكر فيها اسمه .. إن صلاة المسلم مع الجماعة في المساجد يجعله في عداد الرجال الذين مدحهم الله ووعدهم بجزيل الثواب في قوله تعالى: (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والاصال رجال لا تلهيهم تجٰرة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلوٰة وإيتاء الزكوٰة يخٰفون يوما تتقلب فيه القلوب والابصٰر ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب) .

وبلا شك أن كثيرا من عباد الله المؤمنين يختمون القرآن الكريم في رمضان .. وربما ختمه كثير منهم أيضا عدة مرات .. فلقراءة القرآن في رمضان شأن كبير عظيم .. إذ هو شهر القرآن: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) فاحرص أخي المؤمن على أن يكون ذلك في خطتك الشهرية الرمضانية .

والمهم أيضا و ضمن جملة الأهداف التي يجب تحقيقها والتي نضعها لأنفسنا في رمضان .. أن تتحسن أخلاقنا وتتسع صدورنا .. فهناك فهم خاطئ عند بعضنا أن المرء إذا صام .. ضاق صدره وقرب غضبه .. فينبغي ابتعاد من حوله عنه حتى لا يتوتر .. وللحقيقة لا ندري من أين أتى هذا التفكير المنحرف .. وكيف دخل إبليس على بعضنا من هذا المدخل؟ خاصة ونحن نعيش هذه الأيام أجواء حرارة غير معهودة والتي ترتفع فيها درجات الحرة بشكل غير مسبوق .. اللهم أجرنا وإياكم من نار جهم .
لذلك وجب علينا أن نتذكر أن الله عز وجل فرض العبادات وجعلها سببا للارتقاء بالأخلاق وتهذيب السلوك .. حيث قال سبحانه وتعالى: (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ) .
وأما رسولنا الكريم _ صلى الله عليه وسلم _ فقد علمنا انه إذا صمنا أن نحافظ على أخلاقنا ولا نبادر بالاستجابة لنزعات الشياطين حتى وإن بدرت من الآخرين نحونا أي إساءة أو غلظة .. فيقول صلى الله عليه وسلم: \"...فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل : إني امرؤ صائم\".
فلنجعل إخوتي تحسين أخلاقنا هدف نسعى إليه في رمضان ليكون ذلك نهجا يوميا .. ولنستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم : \"إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقا\".

ولنستغل هذه الأيام المباركة أيضاً للابتعاد عن الآفات غير المحببة التي وقع فيها الكثيرين .. لعل أولها آفة التدخين لما فيه من الضرر المحقق ولأنه من الخبائث والإسراف المنهي عنه شرعا... إلى الكثير من الأسباب التي تجعله حراما مقطوعا بحرمته .. فليكن هدفنا الامتناع عن التدخين تماما تقربا إلى الله تعالى ..واستحضارا لرهبة السؤال بين يدي الله تعالى حين يسأل العبد عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه .

ولنستثمر أيضا لأنفسنا تلك الدعوة التي لا ترد عند الإفطار وكما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن للصائم عند فطره دعوة لا ترد .. وننتقي بعض الدعوات التي نرجو تحقيقها لأنفسنا ولمن نحب .. وهذا يستدعي منا الحرص على تحري أوقات الإجابة عند الفطر وفي وقت السحر وبين الأذان والإقامة وغيرها .

كذلك يجب أن لا ننسى صلة الرحم التي لها شأن في ديننا عظيم .. وربما قطعت الأرحام لأسباب غير مبررة .. وأغلب هذه الأسباب راجع على الدنيا وتعظيمها في القلوب .. فليكن من أهدافنا في رمضان أن نصل هذه الأرحام وأن نكون نحن المبادرين بالزيارة بالهدية بالاتصال؟
لعي ذكرتك أخي المسلم بعضاً من الأهداف التي يمكن لك تحقيقها .. وذلك ليس نهاية المطاف .. فيمكنك أن تضع الكثير منها وتعمل على تحقيقها .. لما فيه طاعة الله وثواب المجتهدين في التقرب إليه سبحانه .. يوم يقوم الناس لرب العالمين .. فالراحة الحقيقية هناك حيث النعيم المقيم مما لم ترَ عين .. ولم تسمع أذن .. ولم يخطر على قلب بشر..
اللهم استجب لدعوانا في رمضان .. وأعنا على الإحسان .. واجعلنا من عتقائك فيه من النار ..
وصل اللهم وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وآله وصحبه أجمعين.

Fsltyh@yahoo.com





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات