تقول الحكمة : لاتُجمع الإمارة والتجارة. وأصل هذه الحكمة يعود إلى عهد الخليفة أبو بكر الصديق، فعن عطاء بن السائب قال: لما استخلف أبو بكر أصبح غاديًا إلى السوق وعلى رقبته أثواب يتاجر بها، فلقيه عمر وأبو عبيدة فقالا له: أين تريد يا خليفة رسول الله ؟، قال: السوق، قال: تصنع ماذا وقد وليت أمر المسلمين ؟، قال: فمن أين أطعم عيالي ؟، قالا له: انطلق حتى نفرض(بمعنى تحديد راتب) لك شيئًا، فانطلق معهما ففرضوا له كل يوم شطر شاة. وما كسوه في الرأس والبطن.
وفي رواية أخرى، خرج عمر بن الخطاب يوماً إلى السوق، فيرى إبلاً سماناً، فيسأل: إبل من هذه؟ فيقول الناس: إبل عبدالله بن عمر
فينتفض عمر وكأن القيامة قد قامت! ويقول: عبدالله بن عمر بخ بخ يا ابن أمير المؤمنين! ائتوني به.
ويأتي عبدالله على الفور ليقف بين يدي عمر رضي الله عنه، فيقول عمر بن الخطاب لولده عبدالله: ما هذه الإبل ياعبدالله ؟!
فيقول: يا أمير المؤمنين! إنها إبلي اشتريتها بخالص مالي، وكانت إبلاً هزيلة
فأرسلت بها إلى الحمى -أي: إلى المرعى- أبتغي ما يبتغيه المسلمون: أتاجر فيها
فقال عمر بن الخطاب في تهكم لاذع مرير : نعم وإذا رآها الناس قالوا: ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين،
واسقوا إبل ابن أمير المؤمنين، فتسمن إبلك ويربو ربحك يا ابن أمير المؤمنين!
قال عبدالله :نعم يا أبتِ، قال: اذهب وبع هذه الإبل كلها، وخذ رأس مالك فقط
ورد الربح إلى بيت مال المسلمين.
أشكر صديقي الذي ذكر لي هاتين الروايتين في سياق حديثنا حول الإصلاح والفساد، وهنا لابد من التأكيد على أن الله من وراء القصد .... والحدق يفهم.