غزة .. منارة الأمة وقربانها


بعيداً عن الألم الذي يجتاح قلوبنا، وبعيداً عن اليأس الذي يعشش داخل ضمائرنا، فقد كانت كثيرة مفارقات العدوان الإسرائيلي على غزة.. هذه المرة.

بدءً من القصف الوحشي، الذي أوغل في حقده وشراسته ودون أي تمييز، بحيث أنه أوقع مئتي شهيد خلال دقائقه الخمس الأولى، وصولاً إلى الجرحى الذين يموتون متأثرين بجراحهم على الأرصفة وفي باحات المشافي دون القدرة على نقلهم إلى مصر أو السعودية أو غيرها من بلدان (الأشقاء!!) العرب.. تبدو مفارقات عصية على الفهم الإنساني والإدراك لصعوبة المأزق العربي، وربما العالمي الذي وصلت إليه البشرية جمعاء.

أن يجتمع مجلس الأمن ولا يستطيع التوصل إلى مشروع قرار يدين الهجمات ويطالب إسرائيل بوقف إطلاق النار، لعمري أنها فارقة تشبه الطعنة، فلحفظ ماء الوجه كان على المجتمع الدولي الخروج بهكذا قرار، حتى لو لم ترد عليه إسرائيل ولم توقف عدوانها.. لكن أن تظهر الأمم المتحدة ومجلس أمنها، لا حول لهم ولا قوة في التأثير على مجريات هذه المذبحة.. فهذه مفارقة كما أسلفت قد تنبئ بتحول جديد على الصعيد العالمي.. ليس أقله أن الأمم المتحدة ليست أكثر من جناح تابع لوزارة الخارجية الأميركية.. وهذه بدورها قد تحولت بكامل كيانها العالمي إلى (العرّاب) الذي لا يخجل بحمايته لدولة عنصرية في الشرق الأوسط تدعى إسرائيل، ولا يخجل بالتغطية على جميع جرائمها وعيوبها وقبح ما وصلت إليه غطرستها.

مفارقات المذبحة الإسرائيلية لا تنتهي..

فربما هي المرة الأولى التي ينطلق فيها العدوان الإسرائيلي من داخل (الشقيقة) مصر.. ولن ينسى العالم (والعرب خصوصاً) منظر تسيفي ليفني وزيرة الخارجية الإسرائيلية وهي تهدد باجتياح قطاع غزة، و(سحق المقاومة فيه) وهي بجوار السيد أحمد أبو الغيط وزير الخارجية المصري الذي لم ينبس ببنت شفة وهو يعرف أن تهديد ليفني يعني أن أطفال غزة قد أصبحوا في وجه المحرقة الإسرائيلية.

أقول أن مفارقات المذبحة الإسرائيلية لا تنتهي فهناك في جعبة قطاع غزة الكثير.. للمرة الأولى عالمياً يظهر صور الجرحى والشهداء وهم مزروعين على الطرقات، يتسابقون على رفع أصابعهم بالشهادة قبل أن تفارق الأرواح أجسادهم..

ولكن لدينا مفارقات تبشر بشيء من الأمل في غد عربي مقاوم ووعي شعبي يتجاوز حسابات الأنظمة والمصالح الضيقة ... وربما يعانق التاريخ بجدلية ثورية.

فالمظاهرات التي عمّت البلدان العربية كانت فارقة من حيث سرعة استجابتها وتوحد أهدافها وشعاراتها.. والأهم وعيها لما يجري ويخطط له، الجماهير العربية خرجت من المحيط إلى الخليج مطالبة بوقف العدوان فوراً، وقطع أية علاقة مع الكيان الإسرائيلي، وفتح المعابر جميعها، وخصوصاً معبر رفح، وبإغاثة شعبنا الفلسطيني في غزة... فضلاً عن الهتافات بالوحدة الوطنية الفلسطينية كبديهة أولى للمقاومة والتحرير.

وبالنظر إلى مطالب جماهير الأمة نكتشف ببساطة أنها المطالب العادلة والواقعية التي سيخرج بها أي مؤتمر قومي أو عالمي لحل أزمة غزة وإيقاف المذبحة الدائرة هناك.

هل ستتحول غزة إلى رافعة لنهضة عربية جديدة؟

ربما الأيام القادمة ستجيب على هذا السؤال.. ولكن ليتذكر العالم أجمع أن من دفع ضريبة هذا التحول هم أهل غزة وحدهم، برجالهم ونسائهم وأطفالهم وشيوخهم.. وربما هو قدر غزة أن تكون الشاهد والشهيد.. ومنارة الأمة وقربانها.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات