الانتماء للوطن أكبر وأعظم من الانتماء للقبيلة


الانتماء للوطن قيمة عليا تتجلى فيها أسمى وأرقى معاني الحب والتعلق بالوطن والاستعداد للتضحية بالغالي والرخيص من أجله ومن أجل عزته وكرامته وكرامة أبناءه وسيادته، ومن أجل الوطن ضحى ويضحي أبناء الأردن بأرواحهم، ومن أجله يقضي القاضي بالقسط والعدل ، ومن أجله يؤدي الموظف عمله بإخلاص وتفاني دون تمييز أو محاباة لأقاربه وأصدقاءه، ومن أجل الوطن يعمل الأطباء والممرضون في مستشفياتنا ويدرس المعلمون في مدارسنا لتحقيق رفعة الوطن والذود عن حماة .الانتماء للوطن يتجاوز أو ينبغي أن يتجاوز أي انتماء قبلي أو عشائري أو طائفي أو عرقي أو إقليمي، لا بل فإن تجارب دول عديدة عربية وغير عربية بينت أن هذه الإنتماءات الضيقة تصعب مهمة الدولة في بناء هويتها الوطنية وتضعف من قدرتها على تعزيز الانتماء للوطن، وتدمر مؤسساته ومنجزاته، وتذكي الصراعات الفئوية المستندة إلى من أنت والى أي قبيلة أو عشيرة أو طائفة أو منطقة تنتمي .
القبائل والعشائر الأردنية كانت تلعب دورا بارزا في الحياة العامة عندما كانت الدولة غائبة أو شبه غائبة فقد كانت القبائل والعشائر لها مقاتلين لحماية أبنائها وممتلكاتها ، وتحالفت القبائل والعشائر فيما بينها لأجل الدفاع عن نفسها وعن أبنائها ،وطبقت قوانينها وأعرافها وتقاليدها غير المكتوبة في قضايا متصلة بفض النزاعات والقضاء والمحافظة على الأمن ورد الاعتبار للمظلوم والمصالحة العشائرية. نعم كان للقبائل والعشائر أدوارا إيجابية حتمتها ظروف موضوعيه وفراغ في حضور الدولة ومؤسساتها وسيادتها فكان لا بد من أداء هذه الوظائف الاجتماعية والأمنية وأحيانا السياسية من قبل جهات أخرى مما جعل من القبائل والعشائر قوى مهمة يستند إليها الإفراد والجماعات للوصول لحقوقهم والذود عن أنفسهم. وما من شك بأن هذا التأثير القبلي والعشائري أنشأ وجذر قيما منها ما هو إيجابي وديمقراطي وينسجم مع قيم العدل والمساواة والشهامة والكرم ومنها ما هو سلبي وغير ديمقراطي ويشجع على الانتماء لعصبة الدم ونصره القريب ومحاباته والانتصار له وتعظيم القبيلة أو العشيرة ومصالحها ومكتسباتها حتى على حساب قيم المواطنة والعدالة والمساواة.هذا التعظيم والمكتسبات يأخذ صورا ونماذج وأشكال مادية وخدمات عامة ووظائف وامتيازات ومناصب حكومية رفيعة دون الالتفات إلى أن المواطنة تستند أو ينبغي أن تستند في تحقيق أي مكتسبات للقانون والمؤسسات وحاجات مناطق وأقاليم ومحافظات وألوية بوادي ومخيمات وليس لحاجات قبائل وعشائر أو طوائف وأعراق.
الدستور الأردني ومجمل التشريعات الناظمة لشؤون حياة المواطنين تؤكد على أن الأردنيين متساوون أمام القانون ولهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات وهؤلاء المواطنون جميعهم يدفعون الضرائب التي لا حصر لها للدولة ، ويتوقعون أن توزع عليهم المكتسبات والامتيازات التنموية والخدماتية على أسس مدنية حقوقية عادلة وليس حسب انتماءاتهم القبلية والعشائرية والإقليمية . وفي الوقت الذي قد يتفهم الأردنيين مطالب بعض المواطنين المنتمين إلى قبيلة أو عشيرة ة واحدة والمقيمين في مناطق محددة تفتقر إلى خدمات أساسية مثل الصحة والتعليم والطرق وما شابهها فإن كثيرا من هؤلاء الأردنيين يتساءلون عن مطالب وضغوط تمارس باسم قبيلة أو عشيرة على مؤسسات جامعية أو تعليمية لتعيين أبناء القبيلة في المواقع القيادية فيها بحجة أن هذه المؤسسة تقع في أراضيهم أو قريبة منهم.هذه المؤسسات أنشأت بأموال دافعي الضرائب الأردنيين كل الأردنيين من الغور إلى الإجفور ومن العقبة إلى عقربا، والدولة عندما تستملك الأراضي المملوكة للمواطنين تقوم بتعويضهم عنها.
الجامعات مؤسسات فنية متخصصة تعليمية لا تحتمل أن تسيطر القيم والانتماءات القبلية على عمليات التعيين فيها.صحيح أن بعض المواقع الإدارية حكما وبسبب القرب المكاني يمكن أن يستفيد منها المواطنون القاطنون في نفس المنطقة ولكن ينبغي أن لا نذهب لأبعد من ذلك بمطالبات بتعيين أشخاص في مواقع أكاديمية محددة حيث أن هناك أسس للاختيار وإذا لم تطبقها الجامعات فمن سيطبقها إذن؟ الجامعات بؤر تنموية ومعاقل للفكر والتنوير ووكلاء تغيير في المجتمع وينبغي أن تكون قادرة على إحداث التغيير القيمي والاجتماعي والاقتصادي والتعليمي في مجتمعاتها وان تتغلب على المقاومة وان لا تستسلم لضغوط ومطالب لا تنسجم مع قوانينها وتشريعاتها واللوائح الناظمة لعملها وهذا كله يتطلب دعما سياسيا وإرادة سياسية من أعلى مستويات القيادة في هذا البلد الأغر . نحن نأمل بأن لا تصبح الجامعات والعمل فيها مقتصرا على المواطنين القاطنين حولها لان ذلك لن يعزز الهوية والانتماء للوطن ويشجع بدلا من ذلك الانتماءات المحلية والعشائرية والإقليمية الضيقة وتنتصر البيئة والقيم التقليدية السائدة على الجامعة التي وجدت أصلا لخدمة مجتمعاتها وإحداث التغيير فيها ولكن ليس عبر التوظيف فيها وفقا لأسس قبلية وعشائرية ولكن من خلال التعليم والتدريب والبحث العلمي لمشاكل المجتمع وغير ذلك. الأردنيون مزارعون وعمال وفلاحون وصناعيون ومعلمون وأساتذة جامعات وتجار ومستثمرون لهم الحق في المطالبة بحقوقهم من خدمات ومشاريع تنموية وأنشطة اقتصادية ولكن ليس على أسس وولاءات قبلية عشائرية فالولاء للوطن أكبر وأعظم وأسمى من الولاء للقبائل والعشائر التي ننتمي إليها ونحترمها ونحترم أدوارها المهمة التي لعبتها في الماضي. نعم الأردنيون يأملون من جلالة الملك أن تكون زياراته المستقبلية الرامية لتفقد أحوال المواطنين الأردنيين موجهة إلى محافظات ومناطق وليس لقبائل أو عشائر بعينها وذلك لتجنب تعزيز الإصطفافات والانتماءات القبلية والعشائرية والتي غالبا ما يترتب عليها ويتبعها ضغوط ومطالبات من بعض المؤسسات التعليمية وغير التعليمية لتحقيق مكتسبات وامتيازات لهذه القبائل والعشائر. وفي الوقت الذي يقدر الأردنيين المعاني والأهداف الإنسانية السامية لزيارات جلالة الملك للمواطنين في أماكن سكناهم فإن بعض مواطنيك يا جلالة الملك يعتقدون بأن توصيات بعض مستشاري جلالتكم بخصوص الزيارات الملكية للقبائل والعشائر بجانبها الصواب ولا تؤدي إلى تعزيز الوحدة الوطنية والانتماء للأردن كل الأردن.



تعليقات القراء

عواقله
الاستاذ الدكتور انيس خصاونة ,كنت ومازلت وستبقى ابن الوطن الذي تهمة مصلحة الوطن وابناء الوطن , وستبقى عالم من علمائها الذين نفاخر فيك الدنيا .
25-07-2011 09:16 AM
استاذي
انت نموذج ومنهل علم يا دكتور انيس والله انني اتذكر محاضراتك في جامعة مؤته منذ عام 1994 لانك انسان تتكلم باقناع وذو خلفيه علميه نادره في هذا البلد واتمنى ان تستلم وزارة تطوير القطاع العام هذا لو كانوا يريدون تطوير القطاع العام

احد ابناءك وتلامذتك في جامعة مؤته

جواد ابوالغنم
26-07-2011 08:32 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات