حمدى قنديل .. الجماعة زعلانين


من اليوم فصاعدًا، لن يكون باستطاعة الإعلامى القدير حمدى قنديل، أن يغرد على شاشة فضائية دبى، وربما عبر شاشة أى فضائية عربية أخرى، فقد صدر القرار بوقف بث برنامجه الشهير "قلم رصاص". 

ومن اليوم فصاعدًا سيكون حمدى قنديل أمام خيارين كلاهما مر، إما أن يبحث له عن وطن آخر بخلاف وطنه العربى الكبير، يستطيع أن يمارس فيه فعل الحرية، من دون أن يقف فى وجهه رقيب، أو يقطع عليه متعته "هاتف منزعج" من ديوان أميرى أو ملكى أو جمهورى، يطالب مالك القناة التى يعمل بها بقص لسانه أو على الأقل تهذيبه، وإما أن يعتزل المهنة تماما مستمتعا بحياة هادئة، قانعا بما قدم ـ وهو كثير ـ طوال سنواته التى جاوزت السبعين بقليل.. قليل جدا. 

حمدى قنديل هو بحق درة التاج فى إعلامنا العربى، و"رئيس تحرير" من الطراز الرفيع، لم يكسر عزيمته الفولاذية رقيب، ولا حالت "إجراءات" سخيفة أو تنطوى على قدر كبير من "الجليطة" وسوء التقدير، دون أن يواصل مشواره الذى بدأه قبل ما يصل إلى نصف قرن، فى صحيفة صغيرة، مناهضا جسورا للفساد بكل صوره، ومدافعا عنيدا عن الحرية. 
 
كان حمدى قنديل على أعتاب الشباب، عندما نشر ذات يوم فى صحيفة "الإصلاح" وكانت صحيفة محلية صغيرة، تصدر فى مدينة طنطا مقاله الأول، وكان حسبما قال فى حوار أجراه معه قبل عامين الزميل المعتصم بالله حمدى فى "الأهرام العربي"، تعليقا على استجواب تقدم به عضو مجلس الأمة وقتها مصطفى بك مرعى، حول تكاليف إصلاح يخت "المحروسة" الخاص بالملك فاروق، ويقول قنديل إن هذا المقال كان هو النهاية المحتمة لعلاقته بتلك الصحيفة. 

التحق حمدى قنديل بعد تلك الواقعة بسنوات قليلة بالجامعة، لكن عشقه للصحافة تجلى فى صحف الحائط التى كانت تملأ جدران الجامعات المصرية فى ذلك الوقت، وقد كانت مقالاته الساخنة فى تلك الصحف هى بوابة المرور التى عبر من خلالها إلى عالم الصحافة والتليفزيون، عندما تلقفه مصطفى أمين، عقب مقال ساخن نشره فى صحيفة الكلية تسبب فى مصادرة الصحيفة، ويقول حمدى قنديل "إن مصطفى أمين غير مسار حياته تماما من الطب إلى الصحافة، ومن بعدها التليفزيون". 

فى منتصف الستينيات عرف المصريون حمدى قنديل كإعلامى من الطراز الرفيع، عبر برنامجه الشهير "أقوال الصحف" الذى حقق شعبية جارفة، دفعت بعض التليفزيونات والإذاعات العربية الوليدة إلى الاستعانة به، لكن جرأة قنديل واقتحامه للعديد من القضايا الشائكة كانت سببا فى انتهاء تلك التجربة سريعا. 

التحق حمدى قنديل بالعمل فى التليفزيون الأردنى عام 1968، لكن تجربته لم تستمر طويلا، إذ فوجئ ذات يوم بالمتحدث الرسمى باسم القصر الملكى، يطلب منه بأدب جم، أن يعمل مستشارا لدائرة المطبوعات، ويقول قنديل عن ذلك: "وصلتنى الرسالة، وكان قرارى هو العودة فورا إلى القاهرة وعلى أول طائرة". 

يتذكر حمدى قنديل تلك الفترة جيدا، ويعترف بأنه ارتكب الكثير من الحماقات فى زمن حافل بالمتقلبات، ويضيف: شهدت العديد من الانتصارات الرائعة للأمة، وكذلك الهزائم المروعة، شاهدت سيارة الزعيم جمال عبدالناصر ترفعها الأيادى فى دمشق، وكان ذلك من أروع المشاهد التى رأيتها فى حياتى، وعشت الحصار مع الفريق مرتجى فى اليمن، ثم وجدت نفسى فى معركة الكرامة التى تعتبر ميلاد حركة فتح، مشيت فى جنازة عبدالناصر وانسحبت بعدها من الحياة، ثم عدت سريعا بعد حرب أكتوبر عام 1973، لكنى انسحبت ثانية". 

خلال فترة السبعينات غادر حمدى قنديل مصر، وقضى خارج البلاد فترة عمل خلالها مستشارا لبعض الإذاعات العالمية الكبرى، قبل أن يعود ليطل على جمهوره من جديد، فى 18 يونيه عام 1996 عبر شاشة "راديو وتليفزيون العرب" من خلال برنامجه "مع حمدى قنديل على art"، وهو البرنامج الذى كان بمثابة نقطة الانطلاق لتلك النوعية من البرامج، بعد أن حاكته الفضائيات الجديدة، لكن لم تمر سوى فترة قليلة حتى توقف البرنامج، معلنا عن انسحاب جديد للإعلامى اللامع، قبل أن يعاود الظهور على شاشة التليفزيون المصرى عبر برنامجه الأشهر "رئيس التحرير". 

والمؤكد أن إطلالة حمدى قنديل على شاشة التليفزيون المصرى بعد تلك الفترة الطويلة من الغياب، كان لها طعم آخر، وهو ما تجلى فى تلك الشهرة العريضة التى حظى بها برنامجه، حتى إنه كان ينافس فى الإقبال الجماهيرى عليه، ذلك الإقبال الكبير على متابعة مباريات كرة القدم بين الأهلى والزمالك. 

حتى عندما غادر حمدى قنديل التليفزيون المصرى الرسمى، وانتقل ببرنامجه إلى شاشة دريم للأسباب التقليدية ذاتها، لم يفقد البرنامج توهجه، إذ كان صوت موسيقى تترات المقدمة وحده كافيا لأن تهدأ الحركة فى الشوارع، ويتوقف ضجيج زهر الطاولة على المقاهى، فى انتظار ما سوف يقوله "رئيس التحرير" تعليقا على ما يجرى من أحداث. 

ومثلما حدث فى تجربتيه السابقتين لم يستمر بث البرنامج طويلا، ليختفى حمدى قنديل من شاشة دريم منسحبا للمرة الثالثة، ومتقبلا الأمر كله بسخريته اللاذعة: "نعم قابلت الأمر بسخرية تليق به، وهو ما منحنى صفاء وتسامحا مع الجميع، فعلاقتى لم تتغير مع أحد، لا بوزير الإعلام وقتها صفوت الشريف، ولا بالدكتور أحمد بهجت أو الشيخ صالح كامل". 

وحتى وقت قريب كان حمدى قنديل يعتبر تجربته فى قناة دبى، هى الاستثناء الوحيد فى حياته الإعلامية، وهو يقول عن تلك التجربة: "خلال عامين سجلت 81 حلقة من البرنامج، من دون أن أتعرض لأى مشاكل، ولم أر الرقيب مثلما كان يحدث فى مصر، فلم يقرأ أحد اسكربيت الحلقة، ولا حضر التسجيل أو المونتاج". 

ظل حمدى قنديل يؤكد فى أكثر من مناسبة أنه باق فى قناة دبى، وأنه سعيد بالعمل فيها بعد أن وجد حريته التى كان يبحث عنها، قبل أن يتلقى الصدمة، ولعلها ستكون الأعنف فى حياته، عندما قررت القناة فجأة ومن دون مقدمات، وقف بث "قلم رصاص". 

"ليس لدى تفاصيل.. كل الذى أعرفه أن البرنامج لم يبث وأننى لم أبلغ لماذا". هذا فقط هو كل ما قاله حمدى قنديل قبل أيام لوكالة "شام برس" تعليقا على ما حدث، لكن الوكالة أضافت نقلا عما وصفته بـ"مصادر مطلعة" أن إدارة تلفزيون دبى أوقفت بث وإنتاج البرنامج اعتبارًا من الأسبوع الماضى، وأن هذا القرار اتخذ من غير إعلام أو تصريحات أو شروحات، نتيجة ضغط، من قبل حكومة المملكة العربية السعودية! 

وكالة "شام برس" رغم أنها نقلت ضمن تغطيتها للحدث، على لسان أحد العاملين فى تلفزيون دبى قوله إن الإدارة كانت تتلقى كل أسبوع رسالة من ديوان الملك عبدالله بن عبدالعزيز، تتضمن اعتراضات مباشرة وصريحة على مضمون ما يبثه حمدى قنديل فى برنامجه، إلا أن ذلك وحده لا يعد دليلا كافيا على ضلوع السعودية فى وقف البرنامج أو تبرئتها من دمه، فالمملكة لم تكن وحدها فى مرمى القصف الأسبوعى لقلم حمدى قنديل، وإنما الجميع بدءا من النظام المصرى، وليس انتهاء بالإخوة الأعداء فى فلسطين ولبنان. 

قبل ثلاث سنوات تقريبا وصف حمدى قنديل جمال مبارك بأنه "شخصية تليفزيونية فاشلة، لا يتمتع بأى كاريزما أو قبول"، وهو وصف كفيل بأن يتطوع كثيرون للثأر من قائله وتقديم قلمه على طبق من فضة إلى أمين لجنة السياسات، خاصة بعدما قدم قنديل عنه وعن سياسات لجنته "القاسية والجامدة" تحليلا شافيا وافيا، بدءا من حالة التجهم الدائمة لوجه الوريث التى "لا توحى بالرزانة بقدر ما تعبر عن العزلة والابتعاد عن الناس"، وليس انتهاء بتلك "النغمة السلطوية" فى صوته التى "لا توحى بالثقة فى النفس، بقدر ما توحى بالغرور والاستناد إلى السلطة". 

وقتها كان حمدى قنديل يتحدث فى حوار ساخن مع "المصرى اليوم" عندما رشح ثلاثة أو أربعة مرشحين لخلافة مبارك، ليس من بينهم الوريث بالطبع، ولعله كان يريد وقتها أن يقول كلمته ويمضى غير نادم على شيء، فكثيرًا ما "دقت على الرأس طبول"، وكثيرًا أيضا ما تعرض لتلك "الأشياء المضحكة" كما يحب أن يطلق عليها، ومنها ما حدث فى دولة ما كان يقدم فيها برنامجا، وكان يفاجأ بعد كل حلقة بسياسى عربى بارز يتصل به بعد البرنامج ليقول له: "الجماعة زعلانين". 

ويقول حمدى قنديل فى سخرية: كنت أعتقد أنه يقصد بـ"الجماعة" زوجته حسبما نقول فى مصر، وقد سألت نفسى ذات مرة، عن سر هذا الزعل المتكرر، واكتشفت أنها جماعة أخرى غير تلك التى فى المنزل. 



تعليقات القراء

المنسي
ما بدهم واحد يحكي الحقيقه بدهم واحد منافق كذاب ومخادع مثلهم والله كان برنامجه رائع وجميل ولاكن كل من يقول الحق ويعبر عن رئيه سيقف الجميع واقصد الواصلين في وجهه انا لله وانا اليه راجعون ولاكني والله كنت اتوقع هذا الشي منذ زمن ولا استغرب ذلك
06-02-2009 12:55 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات