ديمقراطية منقوصة


الديمقراطية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالحريات المدنية والسياسية، سواء في الأردن أو في البلدان الديموقراطية المتقدمة. وترتبط الديمقراطية كذلك بالعدل والمساواة وبالتنمية الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية. و\"النظام السياسي الديموقراطي\" إذا طبقت فيه أحكام الشريعة الإسلامية على شكل قوانين يصبح النظام الأفضل لحكم أي دولة. وفي الأردن تعتبر حرية الصحافة من أكثر الحريات ضماناً, وما حدث يوم الجمعة 15/7/2011 من اعتداء أفراد الأجهزة الأمنية على الصحفيين هو أمر مستهجن وغريب جداً حدوثه في الأردن بغض النظر عن أسبابه, وقد أساء هذا الاعتداء على الصحفيين إلى سمعة الأردن عالمياً. وحسبما صرح مدير الأمن العام فإن هناك لجنة ستقوم بالتحقيق مع الشرطة الذين اعتدوا على زملائنا الصحفيين, وقام أيضاً مدير الأمن العام بتحميل نفسه مسؤولية ما حدث, وقام بتقديم استقالته إذا كان فيها حفاظاً على مكانة الأمن العام, واعتقد ان هذا التصرف من قبل مدير الأمن العام هو من أعلى درجات الديمقراطية التي يمكن أن تمارس في أي دولة ديمقراطية بصرف النظر عن قبول الاستقالة أو عدم قبولها.
إن أغلبية الأردنيين يعتبرون ان حرية التظاهر والاعتصام غير مضمونة, ويعود ذلك إلى عدم إحساس المواطن بأن الحريات العامة مضمونة للحد الذي يمكن له ممارستها بدون خوف من الجهات الأمنية, والكثير من الأردنيين لا يشاركون في النشاطات السياسية السلمية المعارضة مثل: (التظاهرات، والاعتصامات، والمنشورات والمقالات، والمهرجانات والمحاضرات والندوات السياسية المعارضة) خوفاً من تعرضهم وأفراد عائلاتهم لأية عواقب (أمنية أو معيشية).

إن عدم تكافؤ الفرص الذي يشعر به المواطن الأردني يعود لتدني مستوى العدل والمساواة والتوريث في المناصب العليا, فحال دولتنا الآن قائم على المثل الذي يقول: (ابن الوزير وزير وابن الحراث حراث).. ويشعر كذلك المواطن الأردني بنوع من الغبن في توزيع عوائد الاقتصاد الوطني، فاقتصاد البلد مسخر لخدمة أقلية هم أصحاب المصالح (الحيتان) وليس الأغلبية (جميع المواطنين). هذا وأثبتت الحكومات المتعاقبة بأنها غير جادة في محاربة الفساد الذي يعتبر أحد أهم الأولويات التي يجب معالجتها بعد أن استشرى الفساد في أجهزة الدولة الحكومية منها والخاصة والحكومة الحالية بطيئة كالسلحفاة في معالجة قضايا الفساد والسير بعملية الإصلاح وهذا ما اغضب الشارع الأردني وجعله ينادي برحيلها.

أما بالنسبة للأحزاب السياسية فهي ضعيفة وحتى الآن لم تنجح في ممارسة العمل السياسي، وتعاني من أزمة في الوصول إلى الشارع, وأثبتت هذه الأحزاب ان هدفها الأول هو خدمة مصالح قياداتها وليس خدمة الوطن والمواطن. ويعد حزب جبهة العمل الإسلامي هو الحزب الأكثر انتشاراً والأكثر تمثيلاً وتأثيراً في الأردن مقارنة بالأحزاب الأخرى, وهو من يقود الحراك الشعبي في الشارع مع بعض الأحزاب اليسارية الأخرى. ولكن يُسجل الكثير من التجاوزات على قادة حزب جبهة العمل الإسلامي حتى ان هناك من يتهمهم بأنهم يتخذون قراراتهم بإملاءات من الخارج.. وخاصة في أحداث اعتصام حركة 15 تموز يوم الجمعة 15/7/2011 في ساحة النخيل التي يعرف الجميع ان حزب جبهة العمل الإسلامي هو من يقف وراءها, وما قام به المشاركين في الاعتصام من هتافات نضالية وشعارات أساء بعضها إلى الوطن وقائد الوطن خفض من شعبية حزب جبهة العمل الإسلامي لدى المواطنين الأردنيين. ولكن من جهة أخرى فإنه ما زال هناك من يرى من السياسيين والمحللين وغيرهم ان حزب جبهة العمل الإسلامي قادر ومؤهل لتشكيل حكومة.

إن قانون الانتخاب الذي تتم بموجبه انتخابات مجلس النواب غير منصف في تمثيل جميع فئات الشعب ويشوبه العديد من التساؤلات. ومجلس النواب الحالي عاجز عن ممارسة صلاحياته بمساءلة الحكومة وفي سن القوانين ومعالجة مشكلة الفقر والبطالة والفساد وضمان الحريات العامة, لذلك فإن هناك حالة من عدم الرضى من قبل المواطن الأردني لأداء المجلس. وهذا المجلس لا يتمتع بثقة أغلب المواطنين لعدة أسباب من أهمها وصول نوابه إلى قبة البرلمان عن طريق دوائر الحكومة -حكومة سمير الرفاعي- الوهمية وتشكيك الكثير من الشخصيات في نزاهة الانتخابات. وكذلك فإن التواصل بين النائب والمواطن غير كافٍ وأغلب النواب لا يهتمون إلا لمصالحهم الشخصية والعائلية, وليس بقضايا ومشكلات الوطن والمواطن الأساسية, وقضايا ومشكلات دوائرهم الانتخابية, ولا ننسى إهانة بعض النواب لأبناء الشعب الأردني في أكثر من مناسبة. لقد وصلنا إلى درجة انه أصبح غياب مجلس النواب بالنسبة للمواطن الأردني لا يؤثر لا سلباً ولا إيجاباً, حتى ان بعضهم ذهب إلى ان وجود هذا المجلس ما هو إلا عبء على ميزانية الدولة المرهقة أصلا بالديون.

بالرغم من الحوار المتواصل والتغطية الاعلامية الواسعة وكثافة اللقاءات التي قامت بها حكومة البخيت مع كافة فعاليات المجتمع وبالرغم من التعديل الوزاري الأخير الذي جرى على الحكومة إلا أن هناك عدم رضى من المواطنين على أداء الحكومة, ومعظم المواطنين لا يعلمون إلى ما ستؤول إليه التنمية السياسية في نهاية المطاف, وهم خائفون مما ستؤول إليه المسيرات والاعتصامات والإضرابات.

في عالم أصبح يعتمد على التكنولوجيا في معظم أمور الحياة, فإن الأردن كان من السباقين في هذا المجال, فقد أشارت الدراسات إلى ان نسبة من يستخدمون الكمبيوتر والانترنت من الأردنيين ارتفعت كثيراً, حتى بات أكثر من نصف الأردنيين يستخدمون الكمبيوتر والانترنت. وتشير إحصائيات موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك ان عدد الأردنيين الأعضاء في الموقع قد تجاوز اثنين مليون عضو (هذا الموقع الذي يحتل مكانةً كبيرةً بين فئة الشباب في الدول العربية), أما إعلامياً فقد أثبتت المواقع الإخبارية الأردنية الالكترونية حضورها عند أغلبية الأردنيين فهي الأكثر تصفحاً وقراءة والمصدر الأكثر وثوقاً. وتحتل قناة الجزيرة المرتبة الأولى في متابعة الأخبار محلياً وعربياً وعالمياً.

وبعد, فإن المتأمل والمتمحص في مجريات الأمور حول إجراءات الإصلاح المنقوصة التي تتبناها الحكومة, والغارقة في بحر التنظير فقط, يُسقط في يده –يُفاجأ-, ويرتمي في أحضان اليأس.. وذلك لأن بعض القائمين على تنفيذ برامج الإصلاح والتغيير هم أنفسهم \"الحيتان\".
فمتى يبلغ البنيان يوماً تمامه
إذا كنت تبني وغيرك يهدمُ؟؟



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات