إنهم مواطنون وليسوا بلطجية


تكثر الأكاذيب الصحفية، وتتنوع الفبركات الإعلامية، ويضخّم الصغير كي يبدو كبيرا، ويقزّم الكبير كي يصوّر صغيرا، ويجتزأ الحدث بلقطات سرقت من السياق العام لهذا الحدث. وتتعامى عدسات (بعض) الصحفيين ومراسلي الفضائيات عن لقطة ناصعة البياض هنا، في حين تتراكض صوب لقطة قاتمة هناك حتى تواكب وتتناغم مع الجوّ العربي العام المشحون بالاعتصامات، والمظاهرات، والحروب، والتشريد، والقتل السائد من المشرق إلى المغرب ومن المحيط إلى الخليج، ولتلبية رغبة فضائيات أقل ما يقال فيها عدم مهنيتها في نقل بعض الأحداث ودبلجتها، أو اللجوء إلى أساليب إخراج للحدث في اللفظ والصورة كي تعطي الخبر التافه هالة زائفة من الأهمية. يقابله في ذلك إعلام سطحي مرعوب مهترئ ما زال يفكر بعقلية أكل الدهر عليها وشرب. وفي الوقت الذي يسخر فيه إعلام الفضائيات إلى المحللين بكافة تخصصاتهم وميولهم وتوجهاتهم، ما زال الإعلام المرتعش يسخر جلّ وقته- في التلفزيون مثلا- إلى محاورة الذات ومناجاة الذات، وعقد لقاءات ولقاءات مع الذات أيضا.
ومن بعض هذه الأكاذيب السائدة في الأردن مثلا ما مصطلح( البلطجية) الذي يرد على لسان بعض مراسلي الفضائيات، وكذلك ما يرد على لسان بعض من يطلقون على أنفسهم أحزاب المعارضة، أو الحركات الشبابية التي تدفع من قبل بعض الجبهات، معززة بفتاوى الشهادة والحور العين. وكأنّ الصدام الذي مهدوا له في ليل وليال أُخر هو بين مسلمين من جهة ومرتدين عن الإسلام من جهة أخرى، فأخذت الصكوك توّزع؛ هذا إلى النّعيم وذاك إلى سقر. ومن هنا لابدّ من التذكير بأننا جميعنا مواطنون في هذا البلد، نتفق في بعض الأهداف ولكن قد نختلف في سبل العلاج وتوقيته. فكلنا ضد الفساد و(بطارنته)، وكلنا ضد العهر والعاهرين، وكلنا خصم لمن خلط ماله بنفوذه فأثرى على حسابنا وأخذ غفوة هانئة على آلامنا وشقائنا. ولكن لن نكون مطلقا وأبدا وبتاتا في يوم من الأيام عونا لهؤلاء السرسرية على المس بأمن بلدنا عن طريق الاعتصامات أو المسيرات التي أصبح مشكوكا بأمرها وبمن وراءها ممن يذرعون المملكة شرقا وغربا وشمالا وجنوبا يعقدون الندوات واللقاءات التي تصب أخيرا في مستنقع فتنة من نوع لا يختلف كثيرا عن مستنقع الفساد السابق إلا في المسمى والوجوه. فكلا المستنقعين بقعة سوداء في جبين البلد، عابرة بإذن الله.
أما البلطجية بزعم هؤلاء، فما هم إلا جزء يسير من أشراف هذا البلد الطاهر؛ هؤلاء لايهتفون إلى حكومة أنى كانت، ولا إلى رئيس حكومة أنّى كان؛ إنهم يهتفون إلى وطن أبقى منا جميعا، وطن لو فرطنا به – لاسمح الله ولا قدّر- لن نجد حينها أصبعا واحدا ( نعظ) عليه ندما وحسرة. هؤلاء ليسوا بلطجية يا أخوان، إنهم يرون البلد وقد عاث فيه المغامرون فسادا، فرأوا الحفاظ عليه بطريقتهم التي تتلخص في البقاء على المركب قبل الغرق، ومن ثمّ اللجوء إلى إعادة صيانته مما أحدثه الفاسدون من عيوب فيه. فهذا المركب إنْ غرق ستجد كلّا من الفاسدين والمغامرين على الشاطئ قد نجوا بغنائمهم يحملونها إلى أوطان لهم وليست لنا، في حين نصارع نحن( جميعا) الحيتان وأسماك القرش التي كنا نصارعها قبل الغرق على اليابسة.
العنف مرفوض كما الاستفزاز أيضا مرفوض؛ فرجل الأمن هذا عهدناه، كمواطنين شرفاء، أبا وأخا وصديقا؛ رجل الأمن هذا تربى في مدارس تجنيد(خو) وأمثالها من مدارس الرجولة على التفاني والحفاظ على الأرض والعرض والمال والأمن لكافة المواطنين لافرق بينهم إلا في مدى انتسابهم وولائهم للبلد نظاما وأرضا وشعبا. وليس من منطق الأمور وحسن مجراها العيش في دولة مسلوبة الأمن والأمان التي تمثلها الجهات الأمنية جميعها دون استثناء؛ فهم الساهرون عندما نكون نياما، وهم اليقظون عندما نكون في قيلولة الظهيرة.
ولتأكيد ما ورد في الفقرة الأولى أرفق هذا التصريح لحزب جبهة العمل الإسلامي الصادر في 16/7/2011 تعقيبا على أحداث الجمعة 15/7/2011 وفيه:
(( إن هذا النهج المدان الذي تكرر في مواجهة الفعاليات الشعبية ابتداء من استخدام البلطجية في مواجهة مسيرة المسجد الحسيني وارتكاب مجزرة دوار الداخلية في 25 آذار 2011م التي نتج عنها استشهاد احد المواطنين وإصابة العشرات، وما جرى من إطلاق الرصاص الحي لمواجهة مسيرة العودة في 15 أيار 2011م، الذي تسبب في إصابة بعض المواطنين، وأخيرا ما جرى من اعتداء وحشي على مسيرة يوم الجمعة 15/7/2011م في وسط عمان، يعزز القناعة بعدم أهلية هذه الحكومة لإدارة البلد والخروج من الأزمة التي يعيشها الوطن، كما يؤكد فشل استخدام الأسلوب العرفي والإدارة الأمنية في حل مشاكل الوطن))
حيث استخدم الأخوان مفاهيم؛ مجزرة، وبلطجية هنا ومواطنين هناك، واستشهاد، واعتداء وحشي،
وهنا نترك القارئ يفسّر هذه المعاني على حقيقتها وإعطاء الحدث حجمه الحقيقي دون تهويل أم مبالغة وكذلك دون تقزيم وتحقير. ودون توزيع أفراد الشعب الواحد إلى مواطن وبلطجي، ولا وضع هذا في منزلة الشهداء، وذاك في صفوف المرتدين عن سبيل الله. زد على هذا مفهومي المجزرة والاعتداء الوحشي الذي يصدق على مجزرة كصبرا وشاتيلا، أو مجازر الصرب، أو دير ياسين وغيرها. فمثل هذا التهويل والتمادي في الوصف مشكوك في صدقيته ودقة محتواه، ولن يصبّ أخيرا إلا في إثارة النفوس وتهييج المشاعر العدائية بين أفراد الشعب الواحد. فلنتقِ الله في بلد ليس لنا غيره. وعندما يصوب الأخ سهمه صوب نحر أخيه فلا شهادة هنا ولا استشهاد؛ إنّها الفتنة التي يعقبها الانتحار الجمعي، ومن ثمّ العقبى هي جهنم دون حور عين ولا كأس كان مزاجها كافورا؛ فبئس عقبى الدار إن بقينا على هذا المدار الذي نركض فيه ونركض ولكننا نعود إلى ذات النقطة دون أن نتقدم خطوة نحو الأمام ما دمنا نتمنطق بطبول تصمّ الآذان بجعيرنا.



تعليقات القراء

اردني اربدي لعاشر جد الى الكاتب
حول لف عاليمين ايوا لا على جهة مئذنة المسجد ايوااااا مممممممممم شو هادا لسا الصورة قدامي مغبشة مش واضحة غباش.(ايام زمان لما كنا نزبط الشبكة تبعت التلفزيون مشان نجيب عمان)
17-07-2011 07:52 PM
قطرة مطر
الى رقم 1 او اظن انك صفر على الشمال بما انك بتعرف بالأتجاهات فقط... اذا ما فهمت من المقال غير هذا التعليق فالله يعوض على اهلك بالخير..

السيد يسري المحترم لقد قمت بالتعبير عن كل غيور على هالبلد

ومصلحتها والأجندات اصبحت واضحة ولا تخفى على احد ..حين يتم ضرب مواطن بوحشية بقصد القتل فقط لأنه خطب في تجمع وكان خطابه للتعبير عن الولأء والأنتماء لهذه البلد ولأنه هاجم حزب الأخوان والذين لا يمتون الى الأخوة بصلة فمن يكون البلطجي...؟؟؟؟ وشكرا لهذا المقال الرائع
17-07-2011 10:34 PM
ابو فيصل
دودة من عودة
18-07-2011 09:43 AM
مواطن
انهم ..... ان من يجرؤؤن لضرب اي مواطن مهما كان ولحساب اي كان هم بالتاكيد كذلك ولا داعي لتنميق الكلمات فلكل يعرف من هم والكل يعرف ان من يطالب بالاصلاح يجب ان يحترم لا ان يضرب ويهان ونفسي ان تقوم الدوله الاردنيه بكافة.. بمعالجة ملف فساد واحد وتوضحه للشعب .....
18-07-2011 11:22 AM
ابو فيصل
هل البلطجية هم فقط مواطنون؟ هل المطالبون بالاصلاح ....وليس بمواطنين؟ هل من ضحى بوقته وماله وخرج بالمسيرات مطالبا بالاصلاح فاقد للوطنية؟ اني اعتقد ان الجهتين (... و الاصلاحيون)مواطنون صالحون ولكن كل حسب فهمه وتحليله للامور و الاحداث وهنا اقول ان الله سبحانه وتعالى خلق الانسان و صوره باشكال واحجام مختلفة واعطاه عقلا ليفكر به ولكن نسبة الذكاء تختلف من شخص لآخر والمقدرة على التحليل السليم متفاوتة وهذه حكمة ربّانية, باختصار الله ايحيي البلطجية والمتظاهرون والمعتصمون لانهم وطنيون يحبون الاردن.
18-07-2011 11:51 AM
اربد
هذة الاوصاف التي لفقوها لابناء الوطن

لم تكن يوما في قاموس الاردنيين ولكن هداكم الله اصحاب ....... نصيحتي لكم ( لا تدقوا كثير ) الوطن باكملة وعلى رأسهم جلالة الملك يرفعون راية الاصلاح في شتى مجالات الحياة

ولكن الحكومة ومجلس النواب واللجان جميعها بحاجة الى وقت لتظهر النتائج

انا اذكر الجميع ان جلالة الملك ومنذ تولية الحكم يحارب الفساد ويطالب بالاصلاح قبل ان يبلغوا الحلم دعاة الاصلاح هذة الايام

انني احي الاستاذ يسري على مقالتة

واحب ان اضيف الى كلماتة ان البلطجية

يتنادون لجعل الاوراق النقدية صفحة مذكراتهم وشعاراتهم

18-07-2011 12:04 PM
213232
تفاهات البعض من يقف مع امن البلد بلطجي اما من يهدد الامن فهو الحمل الوديع
18-07-2011 12:32 PM
اردني حقاني
إنني أربأ بكل أردني أبي شريف وشهم عن أن يُحشد في صف أو تيار أو مسيرة تشكل غطاءً لطغمة الفساد ودرعاً لحماية الفاسدين والمستبدين الذين يعيشون حالة الرعب والدفاع المستميت عن مكاسبهم التي تجسدت في تقلبهم على مراكز النفوذ ومواطن الثروة وهم قلة تمثل مجموعة من العائلات والأفراد سواء من أصل شرقي النهر أو غربيّه، في حين يتقاسم الشعب الأردني بسواده الأعظم سواء من شرقي النهر أو غربيّه المعاناة، ويدفع الثمن غالياً من قوته وجهده وعرق جبينه.

إن ديننا وعقيدتنا وعلاقات الدم والقربى والمصاهرة والمصير المشترك وأردننا الحبيب الذي ننتمي إليه قد وحدتنا جميعاً، فنحن هنا في الأردن جميعاً أردنيون . لا تستدرجنكم عصبة الفساد والاستبداد إلى محرقة تكونون لا قدّر الله أنتم وقودها ويكونون هم – كـ «نيرون» - يتفرجون على دخانها وحطامها، لتكون الفرصة عندئذ سانحة للكيان الصهيوني في التحرك شرقاً لتنفيذ مخططه في إقامة الوطن البديل، وتكونون قد ساهمتم من حيث لا تعلمون في تهيئتها.اما اخواننا الشرفاء الاعزاءالذين يدافعون عن الوطن بالحجارة والشباري والعصي فان الاردن اكبر واكرم مما تفعلوه فانتم من اعطى الفرصة لمن يسميكم بالبلطجية فان لم تكونوا كذلك انظموا الى ركب الاصلاح ولا تخرقوا المركب بحجة حرصكم عليه.

18-07-2011 01:25 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات