المواقف رجولة والرجولة ما هي؟


تختلط المفاهيم مع الزمن وظروفه أحيانا، وقد تصدأ لأسباب تتعلق بعوامل الإهمال في استخدامها الذي قد يكون سببه وهن الأمة وضعفها أو لعله تعمد البعض ممن له غاية في ذلك يقصدون بها تجريد تلك المفاهيم من المعاني والمضامين التي تشكل خطرا عليهم أو تساهم في بناء مدميك الخطر على مكتسباتهم وكراسيهم ولا يجدون معها حل او مهرب،وفي كل الأحوال فان خلط المفاهيم او صدأها يسهل جلاؤه وتوضيحه إذا تنبه لذلك أصحابه وأهله الذين يقصدونه ويسهرون على حفظه…
وما الرجولة إلا إحدى هذه المفاهيم التي ابتليت بالخلط والصدأ فجعلت ذكورة وحسب بل اقتصر مفهوم الرجولة على الذكورة دون الأنوثة ، وتراكم الصدأ على هذا الخلط ردحا من الزمن عزت فيه المواقف وتراجعت فيه الأمة وكان لاستكانتها وضعفها وهزلها دور في صدأ المفاهيم وخلطها بل إن الخوف ياتي أن تقتل هذه المفاهيم التي تشكل وجدان الأمة وتربية شبابها إذا طال هذا الوهن الذي تجمد معه الروح .. فمن يهن يسهل الهوان عليه سيما إذا لم ينتبه المخلصون إلى خلط تلك المفاهيم وصدأها ويعملون على جلائها وتفعيل مضامينها …
إن الرجولة مواقف عز ترجى عند الملمات وعندما تنتخي بك المواقف والظروف ، رجولة تدفعك لتلبية النداء دون تردد ما دام الحق والعدل والصدق والإخلاص وقيم الأمة ونبلها والخطر الداهم عليها هو العنوان لتلك المواقف والظروف وان جاء ذلك على حساب راحتك وهناء نومك ورغد عيشك وقل بعض المخاطر التي قد تواجهك ،فمن تسكن الرجولة داخله تهون عليه الحسابات وتسمو معه النفس مجدا وشموخا ينتشي بهاعزا وهو يشدوا لا تسقني كأس الحياة بذلةبل فاسقني بالعز كأس الحنظل ..
ومن تنعدم الرجولة في داخله فلا نخوة ترتجى منه ولا رجاء وان كان ذو مال او جاه او نفوذ.. حتى وان جارت الأيام على صديق او جار او زميل له فكيف بالأمة والوطن ؟! فالموت الأعظم والابشع جمود الروح والوجدان والشهامة وليس فناء الجسد وموته.
وللرجولة مدى واسع يشمل الحياة كلها من أضيق أبوابها إلى أوسعها ،فإذا كانت الرجولة تبدأ من الإيثار بمختلف معانيه وأوزانه "ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة " فأنها تصل إلى الدولة ومؤسساتها وساساتها ، لذلك كنا نسمع أن فلان كان رجل دولة مدحا له ولمواقفه كتعبير عن عزمه وإرادته وإيثاره ونخوته وتحمله للمسؤولية على أكمل وجه من اجل الأمة والوطن وأهله ولو كان على حساب شخصه ومصالحه ..
ولعل عظمة الرجولة تكمن في حجم التضحية ومقدارها التي قد تبلغ من الذروة بمكان تهون معها أعظم الروابط الإنسانية في سبيل الله جل جلاله والأمة وعزتها والوطن ومنعته والقيم العليا وتعميقها في النفوس.. ثلاثة مشاهد من التاريخ كانت الرجولة في قمتها ؛سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء يقدم على ذبح ابنه إسماعيل استجابة لنداء الله في منامه "أني أرى في منام أني أذبحك "وها هو الابن يستجيب لذلك عن طيب خاطر رضا لله وللوالدين "يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء من الصابرين " وها هي الخنساء ألام من عّز التاريخ وشموخ الأمة تقدم أبنائها الأربعة فداء واحتسابا في سبيل الله ورفعه أمتها ،وهاهي أم الشهيد محمد بركات من غز ة هاشم تنتقص رجولة من وهن الأمة وكبوتها تودع ابنها وتحضه على الشهادة في سبيل الله ومن اجل تحرير الوطن ،والأمثلة كثيرة بلا شك ولن يقف التاريخ …
إن مفاهيم الرجولة وقيم الرجال عندما تسود تعني التضحية من اجل الأخر في سبيل أهداف سامية عليا ،تخلق التكامل والتكافل والتضامن في المجتمع وتساهم في حل الكثير من المعضلات والقضايا و هموم الأمة والوطن ومؤسساته ، تصغر معه المسافات بين شرائح المجتمع وتعظم في عين أبنائه العزة والرفعة والبناء والإنتاج وتهون معه صغائر الأمور التي قد تعظم في عين الآخرين ،سيما أن الرجولة لا تعرف الجنس ولا العرق ولا تعترف بهيكل الجسم وتراكيبه البيولوجية والفسيولوجية بل تسكن نفس من يعشقها وينتشي بها ذكرا او أنثى من أي عرق كان ما دامت النخوة والشهامة هما المنهج ،والصدق والثبات هما العنوان والجوهر وصدق الله العظيم حين قال "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا".
drmjumian@yahoo.com



تعليقات القراء

وليد قدومي
تحية طيبة

شكرا للكاتب على كلماته الطيبة .

تعليقي سيكون من خلال إضافة بسيطة بأن الرجولة فعل وليست أقوال فقط ، فكم من جندي مجهول كان رجلا في موقع عمله تم محاربته في لقمة خبزه لإنه شريف ورفض أن يتواطئ مع المنافقين والأذناب !!

ومثال صغير على ذلك وبالذات عندما يتعلق الأمر بما يأكله المواطن من مواد غذائية لا تصلح للإستهلاك البشري ، فهل هناك من قاوم ذلك وحكم إخلاقه لمنع هذه الحالات ؟ ، هناك آلاف الأطنان التي تعبر بطوننا وهي مواد غير صالحة للإستهلاك ، فما الذي يحدث ؟ ومن هو المتسبب ؟ ومن هم الأعوان واللصوص ؟!!!جميع هؤلاء الفاسدين وأعوانهم معروفين فهل هناك من يستطيع أن يقف ويضع حد لهم ؟!!!!

ما هو حجم الأموال التي تضيع على خزينة الدولة نتيجة قبول موظف صغير رشوة مالية بسيطة ؟ !!!

إذا وجد مواطن قال لا وحارب الفساد والرذيلة فهل تجد من يقوم بالدفاع عن هذا المواطن الشريف ؟ !!! أترك الجواب لكم !!!
14-07-2011 04:19 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات