جراسا -

وليد حسني - تشير كل المعطيات الى ان الدورة الاستثنائية شكلت درعا واقيا للحكومة, وحمتها من الرحيل المتوقع وربما المرتجى نيابيا وشعبيا, كما ان الحاجة الى اقرار التعديلات الدستورية من قبل مجلس النواب هي التي ساعدته على البقاء والاستمرار, وحمته من الحل المبكر او المتوقع او حتى المرتجى شعبيا.

ولم تكن جلسة يوم الاثنين التي خصصت بكاملها لمناقشة تقرير لجنة التحقق النيابية في قضية الكازينو بالجلسة العادية التي يمكن ان تمر سريعا ولا تثير اهتمام احد, بل على العكس من ذلك فهي جلسة تاريخية بكل المقاييس فلم يسبق ان عقدت جلسة بمثلها يتم التصويت فيها على اتهام رئيس وزراء عامل بالفساد, بالرغم من عدم اتهامه ونجاته من استحقاقات الاتهام.

الا ان ابرز ما شهدته تلك الجلسة ان مجلس النواب نفسه نجح بتفويت فرصة تارخية كانت مؤاتية له تماما لاستعادة شعبيته التي فقدها في حادثة الثقة على حكومة الرفاعي حينما منحها ثقة 111 نائبا.

الا ان ابرز ما شهدته جلسة الامس ليس في التوترات التي برزت فيها وما بعدها, وانما فيما قاله العديد من النواب الذين قالوا وبالحرف الواحد ان الفساد الاداري لا يعتبر فسادا, وان الفساد فقط هو ما يتعلق بصرف الاموال وقبولها.

وبالرغم من ان المجلس لم يتبن مثل تلك التبريرات الخطيرة الا ان هؤلاء النواب مدعوون الان لاقناع الاردنيين جميعا بان ما تحدثوا به في مناسبات سابقة عن مطالبتهم بمجاربة الفساد "المالي والاداري" لم يكن دقيقا تماما, وانهم كانوا يقصدون فقط محاربة الفساد المالي باعتباره هو الفساد الحقيقي.

وهذه ظاهرة جديدة في الخطاب البرلماني لم نسمعها من قبل, بالرغم من ان نوابا اخرين انسجموا تماما مع انفسهم ومع القوانين والدستور واكدوا على ان الفساد لا يتجزأ وان اصل الفساد هو الفساد الاداري وكل فساد اخر هو نتاج الفساد الاداري.

وبدت جلسة المجلس في حينه وكانها الإختبار الأكثر صعوبة الذي يمر به مجلس النواب وهو ما اشار اليه العشرات من النواب الذين تحدثوا في تلك الجلسة حين دعوا الى ان ينسجم المجلس مع نفسه وان يثبت للناخبين بانه يمثلهم تماما ويمثل رغباتهم.

وايا تكن التفاصيل, وهي اكثر من متشعبة , فان يوم امس كان يوما عاديا في مكاتب مجلس النواب, فالبرغم من ان قلة قليلة حضرت الى مكاتبها لغايات استشراف الخطوة المقبلة لهم, فان اروقة المجلس ومكاتبه كانت تنطق بخلوها من ساكنيها, باستثناء حركة ناعمة تعود للموظفين وللعاملين ولقلة قليلة من المواطنين الذين تعودوا مراجعة مكاتب نوابهم لاستكمال معاملات خاصة بهم.

وبالرغم من ان قلة قليلة من النواب حضرت لمكاتبها امس بعد اقل من 24 ساعة على جلسة التصويت, فان ابرز تجمع نيابي شهدته المكاتب امس كان الاجتماع الذي عقد في مكتب النائب د. ممدوح العبادي, الذي احتضن جلسة لنواب محسوبين اصلا على مجموعة النواب التي خرجت غاضبة من تحت القبة امس الاول معلنة احتجاجها على ادارة الجلسة ولجأت سريعا لاجتماع حاشد في صالة المسرح وشهدت فيه ما شهدته من توترات وتبادل للشتائم والاتهامات انتهت باصدار بيان وقعه 40 نائبا.

ولم تكن مكاتب النواب امس بعيدة عما جرى في جلسة الاثنين التي تم فيها اتهام وزير السياحة الاسبق ب¯" 86 صوتا, وتبرئة رئيس الوزراء د. معروف البخيت ب¯ 53 صوتا مقابل اتهامه من قبل 50 نائبا, فقد كان نواب يعلنون اعتزازهم غير المحدود باداء المجلس "التاريخي", وبانه عزز من حالة الديمقراطية الأردنية الرائدة في المنطقة, بينما راى نواب ان المجلس لفظ انفاسه الاخيرة امس الاول.

وقضى العديد من النواب الذين حضروا الى المجلس وقتا طويلا وهم يسألون عن تقييمات الاخرين لما جرى في جلسة المناقشة, بينما كانوا يتابعون ما كتبته الصحافة, وما تنشره الصحافة الالكترونية من تعليقات بدت لبعضهم وكأنها نوع من تعزيز قناعاتهم الشخصية بان المجلس خسر ما تبقى له من شعبية ولم يعد مقنعا لأحد.

في هذه الاجواء فان الأخبار التي تبادلها النواب بين انفسهم عن تداعي محتجين للتجمع امام المجلس يوم غد الخميس لالقاء البيض الفاسد على النواب لاقت رواجا بينهم, بينما اثارت ضحك بعضهم, فيما كان احد النواب يسأل"هل ستسمح الشرطة بضربنا بالبيض الفاسد???!!".

ولعل ابرز ما يمكن استشرافه من حركة ونشاطات النواب بعد اقل من 24 ساعة على جلسة الكازينو التي لم تستكمل ان النواب يتساءلون عما اذا كان بمقدرة المجلس ان يعقد فعلا جلسته المقررة يوم غد الخميس في الوقت الذي اعلن فيه نحو 40 نائبا عن مقاطعتهم لتلك الجلسة" حتى تستقيم الأمور في إدارة الجلسات بشكل عادل وديمقراطي, ودون تحيز لجهة أو أخرى ¯ على حد قولهم في بيانهم ¯¯".

ومن المؤكد ان النواب الموقعين على البيان سيعقدون اليوم الاربعاء اجتماعا لتدارس موقفهم من مقاطعة جلسة يوم غد, فيما تشير كل التوقعات الى ان الجلسة لن تنعقد وان رئيس المجلس لا يستطيع عقد الجلسة لاستكمال مناقشة قضية الكازينو في الوقت الذي يحتاج فيه للتصويت الى وجود ثلثي اعضاء المجلس تحت القبة ليصبح التصويت دستوريا.

ولكونها جلسة استكمال فان الجلسة تحتاج لانعقادها الى وجود النصف زائد واحد"61 نائبا" تحت القبة, لكن المجلس لا يمكنه التصويت على الاتهام او عدم الاتهام الا بحضور 80 نائبا على الاقل, وهو ما لا يتوقع توفره احد من النواب, خاصة اذا ما تمسك النواب المحتجون بموقفهم بمقاطعة جلسة الغد.

ووفقا لأفضل السيناريوهات المطروحة امام رئيس المجلس فيصل الفايز فان عدم توفر الثلثين تحت القبة لن يسمح له بعقد الجلسة لاستكمال مناقشة قضية الكازينو, وبالتالي سيتم رفع الجلسة, ولن يعود المجلس ثانية لمناقشة قضية الكازينو , وسينتقل المجلس في الجلسة التالية الى وضع جدول اعمال يتضمن مشاريع قوانين, مما يعني إبقاء قضية الكازينو مفتوحة ¯¯ على الاقل ¯¯ الى فترة ليست بالبعيدة.

مصادر نيابية داخل المكتب الدائم اكدت هذا السيناريو المحتمل تطبيقه يوم غد الخميس, بينما ستتضح الصورة اكثر عندما يتم التاكد فيما اذا بقيت جبهة النواب المحتجين لا تزال متماسكة ام انها تعرضت للتفكيك واعادة التركيب , وعندها سيتبين تماما ان جهات اخرى ترغب بالانتهاء من هذا الملف واغلاقه تشريعيا, لاتاحة الفرصة امام الحكومة للذهاب الى تعديل نفسها بعد ان حظيت ببراءة رئيسها.
(العرب اليوم)