الحكومات ليست في مستوى الشعوب


ردود الفعل الغاضبة على المجزرة الاسرائيلية في غزة كما ظهرت في الشوارع العربية من المحيط الى الخليج تسقط اول اهداف اسرائيل في عدوانها الوحشي. ذلك انها تريد ان تعمم حالة الرضوخ والاستسلام واليأس في العالم العربي من اجل ان تنعم باحتلالاتها ومستوطناتها وانتهاكاتها للارض والعرض والبشر والمقدسات.

يخطئ الذين ينظرون بان ردود الفعل الشعبية مجرد عواطف سرعان ما تختفي باختفاء الحدث. انها تعبير عن مخزون من الارادة الغاضبة الكامنة خلف ضلوع ملايين العرب من المهانة والاذلال التي يتعرض لها الفلسطينيون على يد الاحتلال من دون ان يقابل بالردع الكافي من الدول والحكومات العربية. وكأن لسان حال هذه الحكومات يقول بان الدول العربية لا تساوي في الفعل والارادة شيئا وهي اقل من صفر في الحساب.

تهدف اسرائيل من تماديها في المذابح بحق غزة ان ترسل رسالة لجميع الشعوب العربية وفي مقدمتها الفلسطينيون تقول فيها بان عليكم الاستسلام وبان لا فائدة من المقاومة. لان صاروخا واحدا من غزة يحفر حفرة في اسدود او عسقلان سنرد عليه بتدمير الاف المساكن وقتل وجرح الالاف. لكن هذا الهدف الاسرائيلي يواجه بالشجاعة والصمود والاندفاع المتزايد نحو الشهادة والتضحية بين الفلسطينيين, وهو يواجه من الشارع العربي بمظاهرات الغضب والتنديد ليس فقط بالعدوان الاجرامي ولكن بالمواقف المتخاذلة والضعيفة للدول العربية.

لن تنجح اسرائيل في فرض الخضوع والذل على الفلسطينيين والعرب, وعلى عكس ما تريد, فان تماديها في الجرائم والمذابح في غزة يولد اصرارا فوق اصرار برفض الاعتراف بوجودها والتسليم باحتلالاتها او بالسلام المعروض في برامج حكوماتها وهو سلام لا يقبل به الا الجبناء والخونة, فكيف يقبل به شعب يراد منه ان يسلم بالتنازل عن وطنه وارضه وحقوقه المغتصبة منذ عام 1948 .

وبخلاف كل الاستنتاجات المتخاذلة في بعض الدوائر السياسية والاعلامية العربية فان المجازر الاسرائيلية تولد مزيدا من الاصرار الفلسطيني على استرداد الارض والحقوق, كما ان انسحاب الدول العربية من ساحة التضامن الحقيقي مع نضال الشعب الفلسطيني لم ينجم عنه عزل القضية الفلسطينية ولم ينتزعها من وجدان الامة, انما يزيد من تكريسها كقضية لجميع العرب وهو ما تظهره المسيرات والمظاهرات والاعتصامات في الشارع العربي التي تتميز بطابع الاجيال الجديدة من الشباب الذين تظن الحكومات انها نجحت في ابعادهم عن السياسة وعن الاهتمام بالقضايا القومية مثل قضية فلسطين.

ليست المقاومة في غزة ولا المظاهرات في الشوارع العربية نوعا من العبث وفق اصطلاحات بقايا المدرسة (البوشية) التي تمادت الى حد الاستهانة بكرامة الامة وحصانة اوطانها, فصفقت للاحتلال الامريكي ولا تزال تصفق (لمفاوضات عبثية) بالترويج بان لا خيار غيرها امام الفلسطينيين والعرب من اجل تحرير اراض واوطان ترزح تحت الاحتلال منذ 41 عاما.

العبث والعبثية, هو وضع الرؤوس في الرمال كي لا ترى كيف تقابل اسرائيل دعوات الدول العربية ومبادراتها بالسلام, انهم لا يريدون ان يراجعوا حصاد عملية سلمية لم تثمر غير مزيد من الاستيطان والمستوطنين حتى غدت القدس الشريف اشبه (بكيبوتس) يعج بمستوطنين من امريكا وروسيا وفرنسا. وهم لا يريدون ان يراجعوا حصاد سلام يغري المتطرفين في اسرائيل للوصول الى سدة الحكم باسرائيل. ببرامج تبدأ بخطط شن الحروب وتنتهي بتصدير حل القضية الفلسطينية الى مصر والاردن.

ما جرى ويجري في الشوارع العربية درس للحكومات قبل ان يكون (سورة) غضب على المجرمين الصهاينة, واول استحقاقات هذا الدرس ان تكون الحكومات بمستوى شعوبها في الارادة والعزيمة والاصرار على عدم التفريط بالحق والدم الفلسطيني.



taher.odwan@alarabalyawm.net



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات