أطفال غزة .. وموافقات العتمة



سيشتم العرب ، اسرائيل ، وسوف نشبعهم شتما وصراخا ، وسنسمع تنديدا من كل مكان ، وبضعة مسيرات ومظاهرات ، وحشد بالكلمات والخطابات ، وجمعا لتبرعات تبدأ بعلب السردين وعبوات الطحين ، لإغاثة الغزيين.

لم تنفذ اسرائيل حملتها ، الا بعد ان اخذت موافقة بعض العرب ، فموافقات العتمة ، سبقت تنفيذ الحملة ، من اجل ان يرتاح الجميع من حركة حماس ، ومن اجل ان ينتهي الصداع الذي تسببه حركة حماس ، في غزة ، ولو كانت القصة قصة صواريخ يطلقها الحمساويون ضد مستوطني سديروت ، لتم حل المشكلة بوسائل عديدة ، غير ان قتل مئات الغزيين وجرح المئات ، هو امر بشع ، يتجاوز كل الحدود...وسيقتلون دون ان تسمع ارواحهم سوى بيانات لاتستحق حتى كلفة الحبر فيها ، فقد ادمن العرب على الكلام ، وأدمن الغزيون على الشهادة.

أرى وجوه اطفال غزة ، الصغار والرضع ، يصرخون من الخوف ، يبكون ، يهرعون الى احضان امهاتهم ، كل طفل غزي ، مرعوب من صوت الطائرات ، من القصف ، من القتل ، كل طفل غزي يرتجف خوفا ، وقد يعود والده وقد لايعود ، اطفال غزة ، لم يعرفوا من العيد ، سوى اسمه ، فلاعيد الاضحى تركهم ، دون ان تتم التضحية بهم ، ولاعيد الميلاد تركهم ، دون ان يتم سكب الدم في عيد ميلاد المسيح ، عليه السلام ، ولارأس السنة الهجرية ولا الميلادية ، تريدان ان تدخلا على بياض ، هو الدم ، الذي يستسقي الدم...كم طفلا غزيا في هذه اللحظات يصحو خائفا ، ان نام اصلا ، كم طفلا غزيا فقد والده او والدته ، اطفال غزة...اولئك الذين رضعوا الموت من صدور امهاتهم ، هل يحتمل اطفالكم مجرد رؤية مشاهد الشهداء على شاشات التلفزة ، هل يحتمل اطفالكم صوت "خزان الماء"حين يمتلئ ليلا ويدوي بصوت فرقعته...بالطبع "لا"غير ان اطفال غزة ، يتم وأد طفولتهم ، وقتلهم بكل هذا الخوف وهذا الغدر ، وهذا الدم الذي يرضعونه مع حليب امهاتهم.

اسمع صوت اطفال غزة..اسمع حنينا وابراهيم وعيسى ، اسمع ساجدة وليلى ومحمدا ، اسمع كل اصواتهم وهم يرتجفون ، قلوبهم الصغيرة في صدورهم ، تقفز خوفا ، قلوبهم تجفل عند صوت الغارات ، قلوبهم فقدت الحياة ، فيما اطفال العرب سمنت مؤخراتهم ، ولايعرفون عن اطفال الاخرين ، ولا عن عيد الاخرين ، ولا عن الحقيبة المدرسية التي بلا اقلام ، وبلا مصروف ، اسمع انين الرضيعة على صدر امها ، تبكي خائفة ، تبكي وتبكي معها السماء ، حتى كأني بمطر السماء ، هو دمع الاطفال الغزيين ، حتى كأني بكل هذا الجفاف الذي اصاب الزيتون ، كان احتجاجا ، اسمع صوت الجدات والعواجيز وهن يندب هذا الزمن ، اسمع اصوات الشباب ، وهم يركضون من موقع الى موقع ، اسمعهم جميعا ، وهم يركضون كالخيل في بلاط الشهداء ، ويغسلون جدائلهم بدم مسكوب ، وسيف مرفوع ، ظلما على الغزيين.

ياسر عبدربه ، كبير مناضلي سلطة اوسلو يحدثنا البارحة ، عن ان الموسم موسم اجازات دولية ، مما يؤثر على التحرك لصالح اهل غزة ، ومعه حق ، فهو لايريد افساد مزاج المسؤولين الدوليين في فترة الاعياد التي شملت العالمين الاسلامي والمسيحي ، ولايحدثنا السيد عبدربه ، عن مدى الفرحة التي تسكن عيون قيادات السلطة من جانب اخر ، بما يجري في غزة ، في ظل ثأر ، لايتوقف ، وصراع على السلطة ، وكيف يعرف هذا وهو جالس في غرفة غارقة في التدفئة في "رام الله"او يتناول طعام العشاء مع حفنة من الرفاق في اي عاصمة من عواصم النضال...حفنة من الرفاق الذين خسروا الدنيا والاخرة معا.

لاينفع اهل غزة ، كل الكلام الذي نكتبه ، ولاينفع اطفال غزة كل برقيات التعزية التي نرسلها ، ولايستعيد الارواح التي رحلت كل هذا التنديد ، ويمسي الكلام ، فجورا ، في زمن لاينفع فيه الكلام ، ويصبح الحديث عن الموت والبطولة ، الحصار والقتل ، الكبار والصغار ، مجرد تسجيل موقف للتاريخ ، وحين يصبح هكذا ، فغيابنا عن "الكذب"هو ما ينتظره الغزيون مني ومن غيري.

ابو رغال لم يمت ، حتى لو ظننا انه مات.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات