سماسرة الموت لهم بالمرصاد .. لماذا باعوا "كلاهم" ؟؟


جراسا -

 

المشهد الاول، بيت معتم ترشح الرطوبة من سقفه وجدرانه، خمسة اطفال جوعى، بثياب رثة، رابعهم 8 أعوام يشكو مرضا مزمنا(الربو)، الام مصابة بمرض السكري، والاب (ص).. عاطل عن العمل.

المشهد الثاني، (س) صديق رب الاسرة يلتقيه في احد مقاهي عمان، يعرض عليه بيع كليته لقاء مبلغ الفي دولار، يوافق رب الاسرة ليلتقيا صباح اليوم التالي لدى (عشماوي الكلى- الوسيط).


ووفق السيناريو التسجيلي الحاصل، يذهب (ص) برفقة الوسيط الى احدى الدول الشقيقة وهناك تجرى له عملية استئصال لاحدى كليتيه، ليفيق بعدها على هول الكارثة!!

وتبعا لمصدر امني مطلع فان الكثير من الشكاوى قد وصلت المراكز الامنية الاردنية مؤداها ان العديد من المواطنين تعرضوا لعمليات نصب من قبل مافيا الاتجار بالأعضاء البشرية عن طريق ايهامهم بعمليات بيع كلاهم، منهم من يتقاضى حسب الاتفاق ربع المبلغ المتفق عليه ، ومنهم لا يتقاضى شئيا، ومنهم من لا يتقدم بشكوى للمراكز الامنية خشية المسائلة القانونية!!

هذه معطيات سريعة لمشهدية (لاانسانية) تتعلق بكرامة الانسان البشرية، وقبل أن نقول بالشجب تجاهها، وقبل ان نتعاطف او نضع اللوم على الضحية، نقول بشيء من "الديالكتيك"؛ لماذا لجأوا لبيع كلاهم؟ وأي قوة جبارة قاهرة دفعتهم لمثل تلك مغامرة او تلك (مقامرة)؟ لماذا جاعوا؟ ولماذا لا يجدون قوت يومهم؟ ولماذا الفقر والبطالة؟ واين مؤسسات المجتمع المدني واجهزة الدولة عنهم؟ فهل باتت شريحة الفقراء مستودعا لقطع الغيار البشرية؟

ان ما يعيشه الفرد الاردني وبنسبة مئوية تزيد على الـ 45% هي حالة من العوز المطلق، حالة من انعدام لاقل متطلبات العيش، وهنا لا اسرد مشهديات مفترضة او نحوها، هو تشخيص حقيقي لصورة الجوع، هناك حالات لجنح قام بها احداث من سرقة ونصب واحتيال بسبب الحاجة والعوز، وهناك عمليات سطو بقصد السرقة، وعمليات قتل بقصد السرقة وايضا بسبب ضيق اليد ، هناك شرذمة مجتمعية احالت المجتمع الاردني الى جسد مكون من رأس وقدمين دون وسط في انعكاس للوضع المعيشي للمواطنين، هناك ثراء متزايد ومتغول، وهناك محترفي البحث في حاويات القمامة، منهم من يجد قوت يومه منها، ومنهم من يجمع الاسلاك وعلب المشروبات الغازية لبيعها، هناك عمالة احداث ومتسولون لشتى الاعمار، هناك نسوة ربات اسر وامهات يخرجن منذ ساعات الصباح الاولى باجاه رغدان لبيع اعشاب الربيع،

واخريات يتجهن للخدمة في البيوت ومؤسسات الـ(سيرفس) تاركات أطفال هم الاحوج بهن كأمهات ، وهناك فجوات عميقة لمطبات تشي بالفساد الاداري والمالي اودت بكبرى شركات الاقتصاد الوطني الى غول الخصخصة، وهناك عمليات قروض وتسهيلات ميسرة بمئات الملايين يستحوذ عليها متخمي المال عبر البنوك الاردنية على حساب كبار وصغار المساهمين وقبلا على حساب الوطن وامنه الاقتصادي كما في أزمة اوجي/عماشة للتسهيلات المالية الطازجة الايقاع وقبلها قضية تسهيلات (مجد الشمايلة غيت).

لم توفق الحكومات المتعاقبة بالحد من نسبة العجز في الميزانية العامة، كما لم توفق في خفض حجم الديون الخارجية، ولم تفلح سياساتها المتواترة في مسيرة "الخصخصة" التي بدأت في الاردن بدايات التسعينيات لتفعيل برنامج التصحيح الاقتصادي، ولم تجد اي من معالجاتها في اطار التصحيح الاقتصادي، بل لم توفق الاجهزة المعنية وفي جميع الحكومات تلك من احتواء ظاهرة واقع الفقر التي يجد مختصون انها تتسم بحجم تصعب معالجته بالطرق التقليدية من مهام المؤسسات صاحبة الاختصاص بمحاربة الفقر او من خلال صناديق الزكاة التابعة لوزراة الاوقاف او لصندوق المعونة الوطنية التابع لوزارة التنمية الاجتماعية،


وهنا تجدر الاشارة انه تم مؤخرا اكتشاف عدد كبير لحالات تتقاضى رواتب دعم مالي من الصندوق دون وجه حق، يقوم اصحاب تلك الحالات على رأس عملهم ويتقاضون رواتب من جهات عدة ! مع الاشارة ايضا الى ان حجم الانفاق الذي ينفقه صندوق المعونة الوطنية يصل في مخصصاته نصف واحد بالمئة من الناتج المحلي لخزينة الدولة .

لم تعد محاربة الفقر أولوية في ضوء ما تقدم ازاء محاربة شخصنة الاصلاح الاقتصادي ولا أقول الاصلاح السياسي، سيما وأن قضايا كثيرة يتم طرحها عبر المنابر الحكومية لا يتم تفعيلها ومن ثم لا تتم الافادة منها مثل مأسسة رؤوس الاموال وعائداتها لصالح الاقتصاد ، وتلك العناوين العريضة لقوانين جذب الاستثمار، وبناء ومعالجة الاسس التي من شأنها استقلال الاقتصاد بعيدا عن التبعية، هذا الى جانب ان السياسات الحكومية ليست المدانة الوحيدة في معرض التصدي لمآزق الفقر والبطالة، فهناك مؤسسات وشركات كبرى في القطاع الخاص - والتي تستفيد من البيئة الاقتصادية للدولة- يكتفون بتوظيف كوادرهم الوظيفية من الموارد البشرية الاردنية الامر الذي لا يبرر ولا يسقط حقيقة انعدام اي توجه من قبلهم من شأنه أن يخدم ويدعم خطط مكافحة الفقر ولمختلف جهات الاختصاص.

إذاً ؛ هل ظل الفقر أولوية تجب معالجتها ؟ ماذا بشأن البرقرطة وانعدام الشفافية في الاداء المؤسساتي الحكومي، وماذا بشأن الوساطة والمحسوبية في مختلف مجالات القطاعات الخدمية الحكومية، ماذا بشأن الوجاهة الاعلامية لاصحاب المعالي وحتى السادة النواب ولجانهم الصورية مقابل الاقوال والشعارات ذات (الكلاشيهات) الجاهزة في تقديم ما يدفع عجلة الفقر بعيدا عن جوعى الوطن، من أطفال يطغى الشحوب على ملامح وجوههم البريئة التي لا تعرف ما يدور في أروقة اماكن صنع القراروسن القوانين، ومن شبان بعمر العطاء والعنفوان وقد اصطفوا امام المحال التجارية بالاسواق لقتل الوقت او على جنبات مقاه وسط البلد ورغدان.

الفقر يفقد المواطن إنسانيته، ويمهد بطريقة شيطانية امامه طريق الانحراف، وتغدو الجريمة الاداة والمتنفس في الحصول على مكتسبات العيش وان رافقها سقوط اخلاقي يلغي اي طعم او نكهة لاجود المأكولات ذات الماركات السويسرية والاميركية !!

شعبنا بحاجة لأن يستعيد انسانيته على صعيد كرامة عيشه، مثلما هي حاجته لأن يحيا في بيئة مجتمعية وأسرية تحقق أمنه واستقراره كأنسان، شعبنا بحاجة لأن تعيد حكومته ترتيب اوراقها بمبدأ متابعة الصالح من القرارات لا ابادته لحساب الطالح منها، شارعنا الاردني بحاجة عافيته الاقتصادية والاجتماعية، بحاجة لغرفة عمليات على مدار الساعة لاقتناص مواقع الخلل التي تودي بالمزيد من الفجوات في عمل الجهاز الحكومي، وتودي بمزيد من سوء الحال وتفاقم العوز والحاجة ، والاهم شعبنا بحاجة "كلاه" لا مفر !!

رائده شلالفه / مدير التحرير



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات