بؤس الموقف الأوروبي ونفاقه


لولا بعض المنظمات الفلسطينية والعربية ، غير الحكومية ، لحكمنا بالغياب الكامل للصوت العربي في "الجدل الأوروبي الداخلي المحتدم" حول الاستراتيجية الأوروبية المقبلة في الشرق الأوسط ، وقرار دول الاتحاد "رفع مستوى العلاقة مع إسرائيل" وفقا لـ"سياسة الجوار الأوروبي" ، وهو القرار الذي ينتظر موافقة البرلمان الأوروبي المرجأة عليه.

والحقيقة أن ثمة "نفاقا أوروبيا ظاهرا" ، يقف خلف قرار رفع مستوى العلاقات بإسرائيل ، وهو قرار جادل غير مسؤول أوروبي ، فرنسي تحديدا ، بأنه غير مشروط بتقدم إسرائيل على دروب السلام وتنفيذ خريطة الطريق وإنهاء الاحتلال ووقف الانتهاكات الصارخة لحقوق الانسان ، التي يحتفل بالذكرى الستين لإعلانها العالمي ، على نطاق واسع ، أوروبيا وفرنسيا على وجه الخصوص.

مسؤولو دول الاتحاد قرروا على ما يبدو ، مكافأة إسرائيل على الاستمرار في احتلالها وعدوانها وزحفها الاستيطاني وسياساتها العنصرية وحصارها البربري لقطاع غزة وتجويعا لمئات ألوف الفلسطينيين ، قرروا مكافأة إسرائيل الرافضة لأي دور أوروبي في عملية السلام ، غير دول المموّل ، برفع مستوى العلاقة معها في شتى الميادين العلمية والبحثية والتجارية والأمنية والعسكرية والسياسية ، إلى ما يشبه العضوية الكاملة.

كل ذلك ، مقابل مناشدات غامضة ، وردت في نص آخر صدر عن الاتحاد الأوروبي ، يطالب إسرائيل بوقف الاستيطان ورفع الحصار عن غزة وتسهيل حياة الفلسطينيين ودفع عملية السلام ، وهي مناشدات سبق من لأرشيف الاتحاد الأوروبي ووثائقه أن احتوى على الكثير منها ، من دون جدوى ، ببساطة لأنها غير مقرونة بأي ضغط من أي نوع ، أو بالتلويح بإمكانية ممارسة بعض الضغوط.

الفارق بين النص الأوروبي الخاص بالفلسطينيين والنص الخاص بإسرائيل ، أن الأول معلق على شرط "القبول والرضى الإسرائيليين" ، فيما النص الثاني واجب النفاذ ما أن يمهر بمصادقة البرلمان الأوروبي. وبهذا المعنى فإن المكافأة الأوروبية لإسرائيل عملية وملموسة وقابلة للصرف والتصريف ، فيما "الوعود الأوروبية" للفلسطينيين لا تتعدى ضخ بعض النقود في الأقنية المتيسبة للموازنة الفلسطينية العامة ، وتعهدات بالبحث عن مخارج لقضايا اللاجئين والقدس والترتيبات الأمنية ، وهي مخارج تستهدف أولا وفي المقام الأخير ، إيجاد "طرق التفافية" لإقناع الفلسطينيين بالمطالب والاشتراطات والخطوط الحمراء الإسرائيلية.

والمؤسف حقا ، أن الموقف الأوروبي الداعم مجانا وبسخاء (وبتهافت) للموقف الإسرائيلي ، يأتي بعد صدور تصريحات و"مراجعات" درجت على ألسنة مسؤولين أوروبيين (بريطانيين بخاصة) للحقبة الكولونيالية ، لكأن أوروبا ستظل "تبيعنا" كلاما وتصريحات ووعود جوفاء ، فيما الدعم الحقيقي ، المادي والملموس يعطى لإسرائيل ، ولإسرائيل وحدها.

على أننا ونحن نشخص "بؤس" الموقف الأوروبي من قضايانا و"نفاقه" ، لا يسعنا إلا أن نشير للتنوع في خريطة المواقف السياسية والحزبية الأوروبية ، وهو تنوع أفضى إلى احتدام الجدل والسجال داخل الأوساط الأوروبية ذاتها ، حول الوجهة التي يتعين على دول الاتحاد أن تسلكها في مقاربتها لقضايا المنطقة وملفاتها ، وهما جدل وسجال تشترك فيهما إسرائيل بقوة وبفاعلية ، ويغيب عنهما العرب والفلسطينيون "غيبة كبرى" ، لولا بعض "رسائل الاستعطاف" لسلام فياض ونشاط بعض القوى غير الحكومية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات