الأدلة الشرعية على جواز الجمع بين الصلاتين في حالتي المطر والبرد


إنَّ الجمع بين الصلاتين بعذرِ المطر،أو البرد،رخصة وهديّة من الله تعالى،تفضّلَ بها على عباده المؤمنين،حيثُ أنَّ اليسر ورفع الحرج عن الناس من أسمى مقاصد الشريعة السمحة،قال الله تعالى : ( يريدُ اللهُ بكمُ اليُسْرَ ولاَ يُريدُ بكمُ العُسْرَ )،وقد أصّلَ العلماء قاعدةً أصولية في ذلك،تبين رحمة وسعة الإسلام،فقالوا: (المشقة تجلب التيسير )، وقد صحَّ في الحديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: ( إنّ الله تعالى يُحبُّ أن تُؤتى رخصه كما يُحبُّ أن تُؤتى عزائمه ) .

1ـ عن عبد الله بن عبّاس رضي الله عنه قال : ( صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً من غير خوفٍ ولا سفر ) أخرجه مسلم ومالك وغيرهم،وقد قال الإمام مالك رحمه الله عقب هذا الحديث: ( أرى ذلك الجمع كان في مطر ) ووافقه على ذلك الإمام الشافعي رحمه الله وجمعٌ غفير من العلماء إضافة إلى أهل المدينة المنوّرة،وفي روايةٍ أُخرى للحديث كما في المسند للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله أنّه قيلَ لابن عبّاس رضيَ الله عنه: ( وما أراد بذلك ـ يعني النبي صلّى الله عليه وسلّم ـ قال: أراد أن لا يُحرِجَ أُمّته ) ، وفي رواية أُخرى أنّه قال: ( أراد التوسعة على النّاس ) .

2ـ روى الإمام عبد الرزاق في المصنّف عن صفوان بن سليم قال : جَمَعَ عمر بن الخطّاب بين الظهر والعصر في يومٍ مطير .

3ـ وروى الإمام مالك في الموطّأ وابن أبي شيبة في المصنّف والبيهقي في السُنن ،أنّ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يجمع بين المغرب والعشاء في المطر .

4ـ وروى البيهقي في السنن الكبرى وابن أبي شيبة في المصنّف ،عن هشام ابن عروة قال : رأيت أبّان بن عثمان يجمع بين الصلاتين في الليلة المطيرة،فيصلّيها معه عروة بن الزبير وأبو سلَمة عبد الرحمن وأبو بكر بن عبد الرحمن لا يُنكرونه ولا يُخالفونه فكان إجماعاً .

5ـ وذكر الإمام ابن القيّم رحمه الله في ( بدائع الفوائد ) عن نافع قال: كان أهل المدينة إذا جمعوا بين المغرب والعشاء في الليلة المطيرة صلّى معهم ابن عمر .

6ـ روى الأثرم في سُننه عن أبي سلَمة بن عبد الرحمن أنّه قال : من السُنّة إذا كان يومٌ مطير أن يجمَعَ بين المغرب والعشاء .

7ـ عن موسى بن عقبة : أنَّ عمر بن عبد العزيز كان يجمع بين المغرب والعشاء إذا كان المطر،وإنَّ سعيد بن المسيّب وعروة بن الزبير وأبا بكر بن عبد الرحمن ومشيخة ذلك الزمان كانوا يصلّون معهم ولا يُنكِرونَ ذلك .(إرواء الغليل للألباني 40/3)

8ـ ذكر الخطابي في معالم السُنَن وشيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى والنّووي في المجموع : أنّ الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رحمه الله كان يُفتي بالجمع بين الصلاتين للمطر والبرد والوحل والطين ولأدنى مشقّة .

9ـ وكان الإمام مالك بن أنس رحمه الله يقول بالجمع بين الصلاتين للمطر النازل ولو كان خفيفاً أو متوقّعاً . (الجمع بين الصلاتين ص 46 لمشهور السلمان) .

10ـ قال شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله : ( وأوسع المذاهب في الجمع بين الصلاتين مذهب الإمام أحمد بن حنبل، فإنّه نَصَّ على جواز الجمع للحرج والشغل ). مجموع الفتاوى 24/28

11ـ يقول الإمام الطرطوشي في ( اللمع في الحوادث والبدع):والجمع هو الأصل في العبادات،فمتى حصلت العبادة،ولم يحصل فيها الجمع،فإنّما هو عدم صدق،أو مرض في القلب،أو عدم أدب،أو عجب ورياء،أوكبر .

12ـ قال الإمام الشافعي رحمه الله في الأم : ويجمع من قليل المطر وكثيره,ويجمع من قرب من المسجد أو بَعُد .

13ـ يقول الشيخ الفقيه مشهور السلمان : وبعضهم يضيف خطأ الى خطأ، إذ يقوم وينصرف من المسجد عند سماعه الإقامة للصلاة الثانية . ( كتاب أخطاء المصلين ص 428) .قلت : وفي ذلك يقع المنصرف في عدّة أخطاء ، منها أنه يشوش على المصلين ويخالف جماعة المسلمين ويحرِم نفسه بركة الجماعة،ولو أنه عاد للمسجد في وقت الصلاة الثانية فإنَّ هذا لا يُعوّضه ما فاته من الأجر والفضيلة، لأن الجماعة هي الجماعة الأُولى التي تكون مع الإمام ولا عبرة بالجماعة الثانية لأنها خلاف السُنّة .ومنها أيضاً أنّ المنصرف عن الجمع يدع نفسه أسيراً للحيرة والوساوس الشيطانيّة،فترى الشيطان قد ردّه عن الإتيان برخصةٍ وهديّةٍ قد تفضّل الله تعالى بها على عباده .

14ـ يقول القاضي ابن العربي المالكي رحمه الله في ( التاج والأكليل) : لا يطمئنّ إلى الجمع ولا يفعله إلاّ جماعة مطمئنّة النّفوس بالسُنّة كما لا يكع عنه إلاّ أهل الجفاء والبداوة . !

15ـ يقول شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله في الفتاوى : وجمع المطر ثابت عن الصحابة،روى الشافعي في القديم:أنَّ ابن عباس جمع بينهما في المطر.وبالإسناد الثابت عن هشام بن عروة وسعيد بن المسيب وأبي بكر بن عبد الرحمن: أنَّهم كانوا يجمعون بين المغرب والعشاء في الليلة المطيرة. 16ـ ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أيضاً : ( يجوز الجمع للوحل الشديد والريح الشديدة الباردة في الليلة الظلماء،ونحو ذلك،وإن لم يكن المطر نازلاً في أصحّ قولي العلماء ).

17ـ قال صاحب المدوّنة الكبرى في فقه الإمام مالك رحمه الله: ( وقال مالك: يجمع بين المغرب والعشاء في الحضر،وإن لم يكن مطر إذا كان طين وظلمة ).

18ـ قال الإمام النووي رحمه الله: ( وذهب جماعة من الأئمّة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة،وهو قول ابن سيرين،وأشهب من أصحاب مالك،وحكاه الخطابي عن القفال الشاشي الكبير من أصحاب الشافعي،عن أبي إسحاق المروزي،عن جماعة من أصحاب الحديث،واختاره ابن المنذر،ويؤيده ظاهر قول ابن عباس : ( أراد أن لا يُحرِج أمّته )،فلم يُعلّله بمرضٍ ولا غيره ))،شرح مسلم.

19ـ قال الإمام ابن خزيمه رحمه الله في الصحيح: ( لم يختلف علماء الحجاز على أنّ الجمع بين الصلاتين في المطر جائز ).

20ـ قال الحافظ ابن عبد البرّ رحمه الله في الإستذكار ـ عن الجمع بين الصلاتين في المطر ـ : ( وهو أمرٌ مشهور بالمدينة معمولٌ فيها ).

21ـ قال الشيخ المحدّث الألباني رحمه الله ـ بعد ذكره للآثار التي ذكرها الإمام مالك في الموطَّأ،من أن التابعين لم يُنكروا الجمع في الليلة المطيرة ـ : ( وذلك يدلّ على أنّ الجمع للمطر كان معهوداً لديهم،ويؤيده حديث ابن عباس (( من غير خوف ولا مطر ))،فإنّه يُشعر أنّ الجمع للمطر كان معروفاً في عهده صلّى الله عليه وسلّم،وإن لم يكن كذلك لما كان ثمّة فائدة من نفي المطر لتسويغ الجمع،فتأمَّل ).إرواء الغليل.

22ـ قال الشيخ العلاّمة عبد العزيز بن باز رحمه الله: ( أما الجمع فأمره أوسع،فإنّه يجوز للمريض ويجوز أيضاً للمسلمين في مساجدهم عند وجود المطر بين المغرب والعشاء،وبين الظهر والعصر ).

23ـ قال الشيخ العلاّمة إبن عثيمين رحمه الله: ( الجمع بين الظهر والعصر أو بين المغرب والعشاء في الحضر جائز إذا كان في تركه مشقَّة أو تفويت جماعة ).

24ـ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( فهذه الآثار تدلُّ على أنَّ الجمع للمطر من الأمر القديم المعمول به في المدينة زمن الصحابة والتابعين مع أنَّه لم يُنقَل أنَّ أحداً من الصحابة والتابعين أنكر ذلك فَعُلِمَ أنَّه منقول عندهم بالتواتر جواز ذلك ).

فالجمع بين الصلاتين في حالة المطر أو البرد هو من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ومن فعل أصحابه الكرام ومن فعل التابعين والسلف الصالح لأنه من مقاصد الشريعة الإسلامية السمحة التي جائت برفع الحرج والتيسير على الناس.

amjad.almstarehy@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات