ماكرون حرض على قتل المدرس الفرنسي


بداية إننا نقدس ديانتنا ولا نقبل بالإساءة لأي دين ونجرم كل ترويع ونحرم كل مساس بدم حتى من لا يؤمن بديننا ونحن ضد إزهاق الأرواح بأي صورة كانت ولأي إنسان على وجه الأرض وان تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف تنهى عن القتل وتعتبره جريمة مرفوضة لا يمكن تبريرها ولا جدال في أن ما حدث هو عمل مرفوض يتطلب التنديد مع التأكيد على أن أي قاتل لا يمثل إلا نفسه وليس دينه او وطنه وان العنف لا ينتمي إلى مجتمع معين وليس من الصواب وصم مجتمع بأكمله بالارهاب لأن أحد الأعضاء فيه ارتكب جريمة مع الاعتراض على محاولات توظيفها سياسيا فضلاً عن مساعٍ حثيثة من الرئيس ماكرون يقودها اليمين المتطرف للتحريض على المسلمين والمهاجرين في فرنسا

نسوق هذه المقدمة البسيطة للحديث عن دور الرئيس امانويل ماكرون المفترض كشريك ومحرض في ارتكاب جريمة قتل المدرس الفرنسي صامويل باتي (47 عاما) معلم التاريخ والجغرافيا على يد شاب لاجئ شيشاني يوم الجمعة الماضي 5 أكتوبر الجاري في ضاحية كونفلان سانت أونورين على بعد 40 كيلومترا شمال غرب باريس بعد عرضه تحت مسمى مضلل أمام تلاميذه ممن لا تزيد أعمارهم عن 13 إلى 14 عام رسوم كاريكاتير مسيئة للرسول خلال صف دراسي نظمه حول حرية التعبير والرأي وتأثيرها على وسائل الإعلام والاتصالات حيث ( يظهر فيها الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يرتدي على رأسه عمامة سوداء في شكل قنبلة يشتعل فتيلها وتستعد للانفجار )
ومع رفضنا التام لهذا الحدث وكل تجلياته وأسبابه لكن هناك بعض الأسئلة المشروعة أين هي حكمة المربي والموجه والمعلم في نشر رسوم تمس عقائد طلابه من المراهقين ولماذا لا تمنع السلطات الفرنسية المدرس من التطاول على مقدسات أديان الطلاب ولماذا لا يتم سن قانون عام يعاقب الازدراء والتجديف بالأديان كما يعاقب ازدراء السامية ( كذبة العصر اليهودية ) ولماذا أيضا لا تتعامل السلطة الفرنسية بمبدأ احترام أديان ومقدسات المجتمع الفرنسي أليس هذا أولى من حرية تؤدي إلى فوضى مدمرة وخطر محدق والملفت اكثر ان طلاب سابقون حضروا صفوف هذا المدرس وأكدوا أنها لم تكن المرة الأولى التي يقوم فيها بعرض الرسوم الكاريكاتورية وأضافوا بأن الاحتجاجات على الرسوم كانت دائماً حاضرة في الصف لكنها لم تصل إلى هذا المستوى من العنف الذي أودى بحياته والسؤال المشروع الآن لماذا تمت تصفية القاتل فورا لتعطي السلطات الأمنية لنفسها حق صياغة الحدث كما يحلو لها وإطلاقها التصريحات التي تهول من تخويف الناس من الإسلام والمسلمين وإفساح المجال للعمل الأمني المفرط بحق المسلمين بحجة المحافظة على العلمانية التي دائما يتذرع بها قادة فرنسا لتحويل ممارسات التمييز ضد المسلمين إلى سياسية ممنهجة سلوكا و قانونا

في تقديرنا ان " القاتل الحقيقي للمدرس الفرنسي لا يزال على قيد الحياة " ونؤكد أن العمل مدبر وان رسالتنا موجهة إلى الرئيس ماكرون شخصيا وبالتحديد وهو المشهودة له قبل هذه الجريمة بسنوات عديدة وبعدها بالتحريض وفق نهج عنصري علني ومنظم في استعداء واستفزاز المسلمين ضمن خطاب كراهية مقيت يجري تصديره على أعلى مستوى حيث عمد ماكرون الى تكرار مهاجمة الدين الإسلامي واعتبره مؤخرا أنه في وصف عدواني رخيص على انه ( يمر بأزمة في كل مكان في العالم اليوم ) وطالب بإعادة هيكلته وربط اتهاما وظلما بين الإسلام وبين ظاهرة اجتماعية منحرفة لدى قلة قليلة من الشباب المسلم الذي ولد وتربى في المجمع والمدارس الفرنسية وقد قال ماكرون في غير تصريح انه هنالك ( إرهاب إسلامي ) أو ( اسلام المتشدد ) وهو يعلم جيدا أن الإسلام برئ من تلك الاتهامات الباطلة وان التطرف لا دين ولا هوية ولا مكان له وهو أيضا ليس حصريا مرتبط بالإسلام بل إن للمسيحية متطرفين ومتعصبين ولليهودية عقيدة صهيونية ـ إنجيلية متطرفة عنصرية ومجرمة

إن قيم الحرية والديمقراطية والمساواة التي تدعيها فرنسا لا تعني أبدا استمرار الاستهتار والتساهل والتعامل غير المقبول مع القيم الإسلاميّة بهذه الطريقة الفجة بحجة الرأي والحريات او سواها لأنه لا يمكن وصفه إلا استفزاز صارخ وعامل قوي لتحريك مزيد من مشاعر الانتقام لدى الطرفين واحتمالية تكرار ما حدث وبشكل أكثر وحشية مع سياسة الاستدراج لردود الأفعال العنيفة من قبل الإفراد او التنظيمات ثم توظيفها لتسعير موجة العداء والكراهية للإسلام والمسلمين في فرنسا ومنذ وصول ماكرون للسلطة في أيار 2017 سار على درب سلفه نيكولاس ساركوزي أملا في الحصول على شعبية بين تيارات اليمين المتطرف والفوز بأصوات الناخبين في الرئاسة المقبلة لهذا لم يترك اي فرصة لمهاجمة الإسلام والمسلمين بسبب أو دونه إلا واستغلها حتى بات هذا النهج إستراتيجية دفاعية يلجأ إليها كلما زادت الضغوط الشعبية الداخلية عليه جراء ما تعاني بلاده من تنامي للأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتعددة وأسلوب الشعبوية والرعونة واللامسؤولية في تحديه السافر والوقح لمشاعر مليار ونصف ألمليار مسلم

ولا يفوتنا هنا ان نذكر بما قاله ماكرون في ختام زيارته الثانية لبيروت بعد حادثة انفجار المرفأ في 2/9 / 2020 حين عبر عن تأييده الكامل لقيام هيئة تحرير مجلة شارل ابدو الفرنسية بإعادة نشر الرسوم الكاريكاتورية الساخرة والمسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم مما أثار موجة عارمة من الغضب في أوساط مسلمي العالم كما طالب ماكرون في وقت سابق الدولة الفرنسية ( بمكافحة الانفصالية الإسلاموية ) لأنها حسب رأيه تؤدي في نهاية المطاف إلى تأسيس مجتمع مضاد وتسعى إلى إقامة نظام مواز ينكر وجود الجمهورية الفرنسية ودعى بخبث وسوء نية إلى فهم أفضل للإسلام وتعليم اللغة العربية كما شدد على كل جمعية ومؤسسة إسلامية تطلب تمويلاً حكومياً أن توقع على ميثاق علماني واعتبر أن فرنسا في حرب ضد ما وصفه زوراً بالإرهاب الإسلاموي وحرض على فرض إجراءات تقييدية على المسلمين كما انتقد في مناسبة انتخابية بقلة أدب واضحة أولياء الأمور الذين يرفضون السماح لبناتهم بالتوجه إلى المسابح في إشارة إلى خصوصية المعتقدات الإسلامية وجراء تلك الحماقات يخشى قادة الجالية المسلمة الفرنسية والتي يبلغ عدد سكانها نحو ستة ملايين نسمة وهي الأكبر في أوروبا الغربية من تطبيق قوانين التمييز العنصرية ضدهم والتي سوف تؤثر عليهم بشكل غير عادل في وقت يجب أن يكون المسلمون في فرنسا قادرين على ممارسة دينهم بحرية مثل معتنقي الديانات الأخر بكل مسواة وعدالة

وعلى صعيد الممارسات الواقعية طلب النائب جوليان أودول في أحد اللقاءات من امرأة مسلمة خلع الحجاب واعتدى عليها شفهيا وقبل ذلك وافق مجلس الشيوخ الفرنسي على مقترح قانون يمنع الأمهات من ارتداء ملابس مميزة للأديان الحجاب أثناء مرافقة أبنائهن في الرحلات المدرسية وقبل ايام قليلة حل ماكرون " تجمع الشيخ أحمد ياسين " المعروف بنشاطه من أجل القضية الفلسطينية وأعلن إغلاق مسجد في ضاحية بانتان (شمال شرق باريس) بتهمة التحريض ضد المدرس صمويل باتي

لا داعي من جديد ان نذكر بالتاريخ الاستعماري الإجرامي والدموي لفرنسا منذ الحروب الصليبية الأولى حتى اليوم في مختلف بقاع الأرض وكيف ان حكومات اليمين واليسار على مدى عشرين أو ثلاثين عاما الماضية استخدمت الموضوعات المتعلقة بالإسلام والمسلمين ذريعة واهية لتخفي بها عيوبها وعدم قدرتها على معالجة القضايا التي تهم الفرنسيين خاصة وأن السياسية الفرنسية الداخلية والخارجية في ظل حكومة ماكرون وبما تضمنه من إساءة بعدم احترم الديانات الأخرى والتحريض على قيم الإسلام السمحة من خلال خطاب عنصري بغيض يؤجج مشاعر الكراهية بين الشعوب تحت ذريعة محاربة الأفكار الانفصالية والدفاع عن العلمانية مما وضع فرنسا في الصف الأول في معاداة الشعوب العربية والإسلامية وهل يمكن ان يفسر لنا ماكرون دهشته بل صدمته من إسلام الرهينة الفرنسية المسيحية صوفي ثم مريم على الرغم من أنها كانت محتجزة في أيدي جماعات إسلامية وفي بلد مسلم مما ضيع من بين يده فرصة دعاية كبيرة ضد الإسلام وكيف اثأر إعلان إسلامها غضب اليمين الفرنسي المتطرف بإطلاقه موجة جديدة من معاداة الإسلام والمسلمين

إن بقاء مثل هذه الأحكام المطلقة والمجردة من أي سياق سليم بافتراض أن البلاد الفرنسية تواجه خطر الإسلام السياسي مما سيؤدي حتما إلى منع تحقيق الاندماج السياسي والاجتماعي للمسلمين كمواطنين في الجمهورية الفرنسية في ظل تزايد الضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه النظام في فرنسا حيث يحاول الرئيس ماكرون تغيير وجهة المطالبات بالإصلاح الداخلي عبر انتهاج سياسة " معادية للإسلام " ليستميل فيها تيارات اليمين المتطرف وهي بمثابة عملية إلهاء للشعب الفرنسي باستبدال الحكومة الفرنسية معركة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية بإقرار تشريعات وقوانين عنصرية لمواجهة المسلمين

وختاما نقول للسيد الرئيس ماكرون لا تقلق على ديننا الإسلامي القويم فهو قوي ومحصن وامن حيث لم يعتمد في يوم من الأيام على دعم سلطة او نظام حكم ولم يرفع سيفاً في وجه احد ممن عارضه ليفرض رايته أو وجوده بالإكراه والبطش لان الإسلام في جوهره يشكل مجموعة حقائق وجودية خالدة تمتلك حلا سحرياً لجميع المشاكل المستعصية على الدول والحكومات فهو دين الله وليس نظام حكم وضعي يعتمد على مزاج الناخبين وتزييف الوعي العام للجماهير وان حبنا لرسولنا محمد صل الله علية وسلم عهد ثابت وليس مجرد عاطفة بل هو عقيدة حية وراسخة في كياننا ووجداننا وان رفضنا المطلق لأي إساءة لشخصه الكريم ليس فقط مجرد إحساس وحب إنما هو دين وعبادة وان كرهنا لمن يكرهه ليس ايضا شئ من التعصب الانتقام والتعصب لكنه من جزء رئيس من الإيمان نعتنقه وندعو إليه وندافع عنه بكل ما أوتينا من قوة ورباط وتضحيات بعيدا عن فكر التطرف وأساليب العنف ولغة الإرهاب

mahdimubarak@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات