التعليمُ الوجاهي ومصيرُ الطالب


اللاعبُ الوحيد المتحكم بمصير عشرات آلاف الطلبة بلا منازع هو وزيرُ التربية والتعليم ، وهو المسؤولُ الأول عن القلق والمعاناة التي تقع على عاتق أولياء الأمور ، خوفاً من المستقبل المُبهم ، الذي ينتظر أبناءهم ، والوزيرُ ذاته من يتحمل الآثار السلبية لنتائج قراراته المتزاحمة والمكثفة في ظروف جائحة "كورونا" ، والتي ليست سوى قراراتٍ إجرائية روتينية بحتة تصدرُ يوماً تلو يوم ، أخذت منحى التقليد ، دون أدنى جدوى مؤثرة إيجاباً في التحصيل التعليمي للطلبة.
ما يجري في العملية التعليمية الآن ، أقربُ إلى ما قاله آينشتاين: "من الفشل أن تعيد التجربة أكثر من مرَّة ، وبنفس الأدوات والأسلوب ، وتنتظر نتائج مختلفة" ، فلسنا نجد على لسان الوزارة سوى إغلاق مدارس ومديريات ، وتحويل أخرى إلى نظام التناوب وهكذا ، دون أن تكلّف الوزارة نفسها بابتكار حلولٍ وترتيباتٍ جديدة ، تكون قابلة للتطبيق بيسرٍ وسهولة ، ومتاحة لكافة الطلبة ، والأهم أن تكون محققة لنسبة فائدة للطالب أكبر مما هو متوقع منها ؛ أما الإبقاء على ذات المنهجية والأسلوب ، فليس من أدوات الحل والتطوير في شيء ، ولا مكان له على سلم الانجاز التعليمي ، ولا يعيد للطالب ضالّته ، التي بدأ يفقدها بحسرة ، وهي حقه في التعليم.
إغلاق العديد من المدارس ، وإبقاء الطلبة في بيوتهم ، لا يزيد الأمر إلا سوءاً وتعقيداً ؛ فبقاء الطلبة في البيوت ليسَ حلاً من حلول مواجهة جائحة "كورونا" ، ولا يضمن إجراء منع الاختلاط في ظل تواجدهم بين ذويهم واحتكاكهم الدائم بهم ، إذا ما رأينا كامل القطاعات الأخرى والأسواق والمحال ، تعجُّ بالباعة المتجولين والزبائن ، دون رقيبٍ أو حسيب ؛ فإما أن يكون الاقتصادُ تصدر أولويةً قبل التعليم؟! أو أن التعليم بات شيئاً هامشياً لا قيمة له؟! مع أن العنصر البشري هو الثروة الحقيقية لتقدم المجتمعات ، والرافد الأساس لها في كافة شؤونها ، ومنها الاقتصاد ؛ فلماذا لا يعود الطلبة الى التعليم الوجاهي اسوةً بهذه القطاعات؟ وضمن هذه المنظومة الصحية الراقية في بلدنا ، والتي تتكفل لهم بالسلامة والوقاية من هذا الوباء.
لسنا هنا مع الوزير أو ضدّه ، لكننا حتماً وبلا جدال ولا مساومة ، مع الطالب ، الطالب الذي كنّا نخشى عليه من الانحراف السلوكي والأخلاقي يوماً ما ، ونجده اليوم ينحرفُ – بلا إرادة منه – عن مسار التعليم ، بفضل تلك الخطط العمياء والإجراءات المترددة ، التي تأخذ به نحو القاع ، وتبني فيه قاعدةً للجهل بمآله ومستقبله ؛ والذي سيدركُ أنَّه سِيقَ إليها على غفلة.
في الوقتِ الذي فرضت فيه الجائحة عودة النسبة الأكبر من الطلبة الى التعلم عن بعد ، وجدنا هناك قراراً بمنع مجموعات "واتس أب" و "فيسبوك" ، التي تطوّع فيها غالبية المعلمين والمعلمات ، ليؤدوا دورهم تجاه طلبتهم ، من خلال شرح الدروس ، والمتابعة والتواصل المباشر العميق معهم ، فقط من دافع حرصهم على إخلاص الأمانة ، والوفاء لرسالة التعليم ، خاصةً وأنهم الأقرب إليهم وجدانياً ، والأعلم بمستواهم واحتياجاتهم التعليمية والأسلوب الذي يناسبهم ، والأقدر على فهم سلوكياتهم من الغير ؛ وبذلك يكونون رديفاً قوياً بالموازاة مع التعلم عن بعد ؛ فهل يمكن لمعالي الوزير أن يفسر لنا الغاية من هذا القرار غير المبرر أو المنطقي؟! أم أنَّ عجلة التعليم تسير نحو تأكيد العزلة وتعميق الفجوة بين الطالب والمعلم؟! ومن المستفيد على المدى البعيد الطالب أم المعلم ؟ أم أنّ كليهما خاسران؟
بصراحة تامة ، أصبح من الضروري التّوقف عن المضي في هذا النفق المظلم ، الذي يودي بالتعليم الى الهاوية ، وصار لزاماً جلوس المختصين التربويين والاكاديميين والفنيين على طاولة الحوار من جديد ، لإعادة تشخيص الحالة التعليمية من جديد ، والخروج ببرامج ناجعة تضع على سلم أولوياتها الطالب ، باعتباره المستفيد أو المتضرر الأول من ذلك ؛ على أن تتوخّى المصلحة الوطنية باعتبار التعليم ثروة ثمينة وعامل رقي بنّاء ، والمصلحة العامة باعتباره أحد عوامل الأمن الوطني ، حتى نخرج بصورة شمولية متكاملة ، تكون أجدر في تبني الحلول المنطقية ، وأكثر ابتعاداً عن الأخطاء والهفوات ؛ وبذلك نخرج من بوتقة الاجراء والقرار الفردي ، الذي لا يصحُّ فيه قولاً إلا "حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء".
وفي هذا الوقت الحرج من عُمر التعليم ، الخارج عن إرادة القدرة البشرية ، علينا ألا ننطلق إلا من دافع العزيمة والإصرار والتحدي في التعامل مع هذه الضّائقة ، التي تمس كلّ أسرة من كافة جوانبها ، وخاصة الجانب التعليمي ؛ مما
يجعل من السعي إلى عودة التعليم الوجاهي أولوية قصوى ، في ظل معايير أكثر عمقاً وجدية ، وبما ينأى بالوزارة عن نمطية القرارات ، التي حوّلتها من دور اللاعب الرئيس الذي لا بد أن يحرز أهدافاً ملموسة تنعكس إيجابياً على الطالب ، إلى دور المتفرج.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات