أزمة إدارة


الأزمة مهما كانت، كبيرة أو صغيرة، تعتبر في حياة الافراد والشعوب والدول نقاط ومعالم مفصلية، تعطي فرصة ثمينة للذين يتعظون على أن ما قبلها لن يكون مثلما بعدها، فالأزمة تشخص العيوب وتظهر النقص والخلل بكل تفاصيله وحقائقه الدقيقة، وقد يصل في مرحلة ما إلى تشخيص العجز واظهاره، والعجز من اقبح الآفات التي يعاني منها الفرد والمجتمع والدولة أمام أي أزمة مهما كان نوعها وحجمها.

فنرى العالم اليوم يقف وقفة العاجز أمام جائحة كورونا، ومع كل الخسائر المادية والبشرية لم يستسلم لليأس والخمول والرضا بالأمر الواقع، بل يحاول لإيجاد بصيص أمل في معالجة هذا الوباء، ويمشي ويتعثر لكنه في نهاية المطاف سينجح في مسعاه وسينتصر ويهزم هذا العدو الخفي، الذي فتك بالبشرية، فنواميس وسنن الحياة تقول هذا وتؤكده، مهما حاولت العيون المصابة بالرّمد انكار النور، وكلما اشتد الظلام كلما اقترب الفجر.

يقول العرب في امثالهم "ربّ ضارّة نافعة"، وجائحة كورونا ليست كلها مضار كما يتوهم البعض، فقد عرّت عيوبنا، وكشفت الاختلالات والمساوئ التي تعاني منها قطاعاتنا المختلفة، من صحة، وتعليم ،وإدارة، وزراعة، وصناعة، وتجارة وغيرها، كما أنها ازالت الغشاوة عن عيوننا فبعض الأمور التي كنا نعطيها قيمة ظهرت انها لا قيمة لها ولا تستحق التفكير والاهتمام الزائد، وعلى العكس من ذلك ما كنا نحتقره بالأمس بدأ لنا اليوم أنفع على اقل تقدير، فمن كان يظن أن الصحة افضل من كل شيء في الحياة، أفضل من التكنولوجيا والجيوش والأسلحة والمصانع والبورصات وحتى الديانات والعبادات بدونها لا تساوي شيء، وتخضع كلها لسلطان الصحة وجبروتها، لقد بدلت هذه الجائحة أولويات العالم وقلبتها رأسا على عقب.

فمن حسنات هذه الجائحة أنها وضعت الإدارة تحت المجهر، وأثبتت بأنها تحتاج إلى تحديث وثورة بيضاء في كل جوانبها، تحديث في الذهنيات والتعامل والتكوين والهياكل التنظيمية والاهتمام بالمؤسسات وايلاء جميع مستويات الكوادر الوظيفية الأهمية القصوى بالتأهيل والتدريب على إدارة الأزمة وكيفية التعامل معها، فلا يمكننا ولوج السنوات القادمة بإدارة عرجاء تسيّرها قوانين تعود إلى عهد ما قبل اختراع الكهرباء، كما لا يمكننا بعد كورونا الوثوق في أي قطاع واعطائه وسام البطولة زورا ووبهتانا وهو بالأصل عاثر ومتعثر وموسوما بالفشل.

لقد أظهرت هذه الجائحة بما لا يدع مجالا للشك، بأن صاحب القرار متردد ومرتجف احيانا ومتسرع وانفعالي احيانا أخرى، وهذا يعود بالأساس إلى عدم التمكن والثقة بالنفس وعدم القدرة على تحمل المسؤولية الكاملة لتبعات هذا القرار، وتجده بعض الأحيان عند المواجهة سرعان ما يتنصل من قراره، فبعض أصحاب القرار الإداري في العديد من مؤسساتنا يعاني من الاختلاج والارتجاف، فالأيادي المرتجفة مهما كثرت لا يمكنها أن تبني أو تنجز، لقد اظهرت هذه الجائحة الخطيرة أننا بحاجة إلى إعادة مراجعة المفاهيم والتشريعات الإدارية بكل جرأة ومعالجة كل الاختلالات التي خلفتها منذ بدايتها إلى هذا اليوم.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات