معالي محمد الذنيبات .. الوطنُ بانتظارك


لنْ أمرَّ على ملفات الحكومة كاملةً ، فالوقت لا يتَّسعُ لإضاعة الوقت ، ولن أخوضَ في جدول تخبُّطات الحكومة خلال مدة توليها المسؤولية ، فلا محطَّات فيها تَشحذُ الهِممَ أو تجدِّدُ في المجتمع الأردني طاقة الأمل والطموح للمضيِّ نحو المستقبل ، ولن أحاكمَ زمنَ العقبات الذي تقوقعت بداخله هذه الحكومة ليزيدها نفياً وانقطاعاً تاماً عن نبضِ الشارع ؛ ولكن من حقنا أن نعتب على حكومةٍ لم تُجيد من فنون التعاطي مع الأزمات سوى عبارة "الأمور على ما يُرام ، وكلُّ شيء مدروسٌ وتحت السيطرة" ، ولا تُتقنُ من خطوات الانجاز سوى التسويف والتدويل والتأجيل.
لو استعرضنا تاريخ مسيرة التعليم على امتداد الفترة من عام 1921 وحتى عامنا الحالي ، نجدُ أننا أمام شخصياتٍ عملاقة وقياداتٍ تربويةٍ كفؤة تسلّمت زمامَ وزارة التربية والتعليم ، فصنعت تاريخاً مُشرّفاً ، وسجلاً حافلاً من العطاء والإنجازات ، وأعدّت جيلاً عظيماً مُسلّحاً بطاقاتٍ إبداعيةٍ فريدة ، ونشئاً مصقولاً بالبراعة والريادة والإرادة ، شخصيّاتٍ حلّقَت كالرايات في الذُّرى ، وخّفقت في سماء الوطن حاملةً المَجد والفَخار والنّدى ؛ فقصمتْ ظهر الجهل وكسرتْ شوكته ، حتى حقق الأردنُّ مستوىً متقدماً ومركزاً متميزاً في مجال التعليم.
إنّ صُنّاع التعليم المتميزون هم من رسموا استراتيجيات وخطط التعليم وبرامجه في كثير من البلدان العربية ، وهم من شاركوا في صياغة مناهج التعليم فيها ، وهم كذلك من رَعوا مسيرة التعليم فيها ؛ وباستمرار تطور الزمن واتساع آفاقه وانفتاح البلدان على بعضها ، ظلّت الكفاءات الأردنية في جانب التعليم الأكثر طلباً والأكثر قبولاً والأجدى نفعاً ، كونها تتسم بالتأهيل والتدريب والخبرة والنوعية ؛ فعلى يد هؤلاء العمالقة انتعشَ التعليم في الأردن وعمّق جذوره وشدّ كيانه وبُنيانه ، وأصبح أنموذجاً يُحتذى في المنطقة ، وبهمتهم وإصرارهم وسويّة توجهاتهم تلاحقت النجاحات سنة بعد سنة ؛ ذلك أنهم أداروا ملف التعليم كرسالة وليس كحالة ، متجهين نحو النهوض والرقي بسياساتٍ مقنّنة ، تقوم على مبدأ واحد ، وإن اختلفت صور وأشكال التنفيذ ؛ لهذا ما زالوا يُذكرون بمنجزاتهم كقاماتٍ شامخة ؛ هؤلاء رجال قادوا فأحسنوا القيادة ، والتقوا على هدفٍ سامٍ فاتّحدوا عليه ، وبذلوا جهداً وافراً في سبيل تحقيقه ، من خلال البناء التراكمي.
بملء الفَــمِّ أقولُ من جديد أنَّ ما يطرأ من تخبُّط وتلكؤ وتردُّد وترحيل أزمات في وزارة التربية والتعليم ، وما يتبلور يوماً بعد يوم من سيناريوهات ضعيفة ، لا يؤكد إلا قصور مستفحلٍ في إدارة أجهــزة الوزارة ، وغياب التشــاركية بين إداراتها المختلفة ، لا بل عجــزٌ تام عن قيادة دفّة سفينة التعليم بالاتجاه الأمثل ؛ هذا يجعلنا بكلِّ تأكيــد نعـود الى فــترة (2012 – 2016) ، عندما بدأت الوزارة ترى النُّور من جديد شيئاً فشيئاً ، وتعيد ألقها ومجدها وارتقائها ، وتستعيدُ مكانة التعليم في نفوس أبناء المجتمع كافة ، حينما شدّ معالي الدكتور محمد الذنيبات وثاق العمل المخلص بكلِّ أبعاده ، معتمداً نهج التخطيط بالعلم والمعرفة والتطبيق ، المرتكز على أهدافٍ تربوية وتعليمية واضحة وأسسٍ وقوانينَ صارمة ، فجاء هذا الرجل التربوي العملاق بأفقٍ واسع ونظرةٍ بعيدة ، ليضعَ يده على مواطن الخلل بكلِّ عناية لا للإساءة إلى الوزارة كما اعتقد البعض ممّن حاربوه وقتها ، إنما ليشخِّصَ المرضَ بدايةً حتى يسهل البدء بالخطوات العلاجية التي شملت ملفاتٍ عديدة ، ويُزيل من أمامه العوائق التي وقفت حائلاً بينه وبين التطوّر والتقدّم ، لإيمانه المطلق بأنَّ العلاج بلا تشخيص ليس إلا تضميداً وتسكيناً وتهدئةً بينما يبقى أساس الألم موجوداً ، حتى شهد القاصي والدَّاني النهضة التربوية والتعليمية التي شهدتها الوزارة في عهده.
نحنُ والوطن في ظروفنا هذه التي تعيشها عملية التعليم في أمسِّ الحاجة إلى مثل هذا الرجل وأمثاله من العظام النّوابغ ممن حملوا حقيبة التربية والتعليم ، فهو من رجالات الرعيل الأول القلائل الذين نتغنى بمنجزاتهم وأثرهم الايجابي الملموس الذي ترك بصماتٍ طيبةٍ عديدة في سجلات الوطن الذي نحب ، والتي ألقَت بظلالٍ وارفةٍ في ملف التعليم لا ينكرها إلا جاحد ولا يتنصّل منها إلا حاقد ؛ فكوّن إرثاً ناصعاً تتوارثه الأجيالُ جيلاً بعد جيل ، وحقق في أربع سنوات متلاحقة إنجازاتٍ تعادل ما تحقّق في عقودٍ سَلفت ؛ ذلك أنه أدرك حجم القَسَم الذي أقسمهُ أمام الله وأمام سيد البلاد وأمام الشّعب ، وعلم بما لا يقبل الشك أن التاريخ لا يرحم ، فإما أن تضخّ دماً طاهراً في عروق الوطن ومؤسساته تخدم أبناءه وتحافظ على هيبة التعليم فيه ، وإما أن تتوانى عن تأدية الواجب فتثقل كاهله بالأعباء والمشكلات ، فيبقى يرزحُ تحت أمل التغيير وبُشرى التطوير.
اتفقنا أم اختلفنا ، شئنا أم أبينا ، فإنّ د.محمد الذنيبات الوزير الأسبق لوزارة التربية والتعليم (2012 – 2016) من أحد أهم القامات والشّخصيات الوطنية الذين حملوا التربية والتعليم رسالةً سامية ومبدأ حضارياً وفكراً عميقاً يأخذُ التعليم نحو القُدسيّة بكافة مكوناته ، وأحـد رجال الوطن الذين سلكوا درب العظماء ؛ وذلك لأنه يؤمن بكل بساطة أنّ ليس على العزيمة بمستحيل ، وأنَّ من يعمل بهدف رفعة الوطن والنهوض بمؤسساته سيجد الاذان الصّاغية والالتفاف الجماهيري الكبير ؛ رغم أنه واجه ما واجه من أعداء التطوير ، لكنّ قوة إصراره وسلامة توجّهه جعل منه تحدياً لا يُكسر ولا يستسلم لرياح الغضب التي كانت تهبُّ من هنا وهناك ؛ واليوم ونحن في خضم هذه المرحلة السيئة من عمر التعليم فلسنا بمعزلٍ عمّا قاله أبو فراس الحمداني: "سيذكرني قومي إذا جدّ جَدُّهُمُ.".
في حُكمنا على شخصية الدكتور الذنيبات فإننا نتّبع الحيادية ، ولا نحتكم إلا إلى حجم ما أنجزه على المستوى الوطني من ارتقاء في المؤسسة التعليمية ونجاح باهر في سياسات الوزارة في عهده في التعامل مع ملفاتٍ كانت توصف بأنها معقدة ، مما جعل الصورة المألوفة للتربية والتعليم تستعيدُ تمحورها وبهائها وتصدُّرها في أوساط المجتمع ، وليس أدل على جدارة هذا الرجل إلا ما قاله دولة رئيس الوزراء الحالي عمر الرزاز في تكريمه له "نحن نقطف ثمار انجاز الذنيبات." ؛ وربما هنالك عدّة مبرراتٍ ومستجداتٍ جعلت من عودة الدكتور محمد الذنيبات وزيراً للتربية والتعليم مطلباً وطنياً وواجباً لا بدّ من تلبيته ، ومنها:
أولاً: القرارات الانفعالية غير المدروسة بعمق من كل نواحيها ، التي لم تُخلف إلا مزيداً من الخيبات ، ولم تَعُد بالنفع على التعليم ولا على الأسرة التربوية بأكملها ، وغالبيتها كانت تنصب على جانب تلميع شخص الوزير بغض النظر عن مخرجاتها.
ثانياً: القيادة الفردية لجهاز وزارة التربية والتعليم من قبل بعض الوزراء واحتكار القرار ، وغياب العمل بروح الفريق الواحد مع كل إدارات الوزارة ، ومجلس الأعلى للتعليم ، وميدان التربية والتعليم ، والمؤسسات ذات العلاقة.
ثالثاً: غياب الحكمة والشجاعة في اتخاذ وصنع القرار لدى الكثيرين من الوزراء ، مما أدى إلى ضعف في تنفيذها ووضعها عُرضة للتعديل والتغيير عند رحيل الوزير المعني مباشرة.
رابعاً: انفكاك وحدة (المعلم والطالب والمنهاج) واستقلالية العمل بها بشكل مجزّأ ، مما أدى الى تضارب القرارات بين للأقطاب الثلاثة ؛ بينما يكون الأجدر التعامل معها كوحدة واحدة متداخلة ، لا يمكن للتعليم أن يقوم بإسقاط أحد أجزائها ؛ فمثلاً لا يمكن أن يتم تغيير المناهج دون إعداد المعلم وتدريبه وتطوير قدراته للتعامل مع هذا المنهاج ، وتهيئة الطالب وتوفير المتطلبات والوسائل الممكنة للتعامل مع هذا المنهاج.
خامساً: المزاجية في اتخاذ القرار دون الاستناد الى الخبرة والكفاءات اللازمة وقاعدة البيانات الكافية ؛ بينما نجد ملف التعليم من الملفات الصعبة التي تحتاج الى التأني والحكمة والتّروي في إتخاذ أي قرار ، بحيث لا يتم إغفال استمزاج رأي الميدان التربوي والمجتمع ، الذي سيكون هو الشريحة الأكثر تأثراً بذلك القرار.
سادساً: تطبيق برامج واستيراد تجارب دول أخرى في التعليم ، دون التحقق من توفر البيئة الحاضنة لتلك التجارب في وطننا ، فما يصلح في بلدٍ مُهيئٍ مالياً وإدارياً وتكنولوجياً وبنائياً ومجتمعياً لتلك التجارب ربما لا يصلح لدينا ، أو يقف الاقتصاد عائقاً أمامه ، فتجدنا نضطر في غضون سنوات قليلة الى تغييره.
سابعاً: الإرتباك العام وعدم القدرة على التعامل مع الأزمات مهما يكن حجمها ونطاقها كان من أسوأ ما تشهده الوزارة منذ تأسيسها ، وهذا ما حدث بسبب جائحة "كورونا" بدءاً من "التعلم عن بعد" ، و "امتحانات "التوجيهي" ، ولا يزال يحدث حتى يوم ، مما أفقد الناس والطلبة الثقة بالحلول الناجعة التي لا تفرط بحق الطلبة ومصلحتهم في التعليم ، وجعل الطالب بين فكي كماشة "حق التعليم وحق الصحة" نظراً لسوء التخطيط.
لهذه أصبحت عودة معالي الدكتور محمد الذنيبات الى وزارة التربية والتعليم مطلباً جماهيرياً ، وتلبيةً لنداء وطن عرفَ فيه العزم والحزم في القيادة وابتداع الحلول الخلاقة لحفظ مؤسسية التعليم ، وأصبح منبّه الوقت يحثُّ على الاستيقاظ لاستدراك ما تبقى من التعليم قيمة ورسالة ووجداناً.




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات