سايكس وبيكو أبرياء من تهمة تقسيم الوطن العربي


نوجه اللوم دائماً للقوى الكبرى، وخصوصاً بريطانيا وفرنسا، بأنها قامت بتقسيم الوطن العربي من خلال معاهدة سايكس بيكو، ولولا هذه القوى لبقي العرب أمة واحدة، لا يوجد بينها حدود أو فواصل.. هكذا تعلمنا في الجامعات ومدارس التربية والتعليم، أن القوى العظمى صنعوا لنا الحواجز، والتقسيمات الصناعية.
التقسيمات بين الدول العربية لم تكن وليدة الإستعمار، ولم تكن من صنع الإستعمار، ولم تقم القوى العظمى إبانئذِ برسم الحدود بين ليبيا وتونس، أو بين ليبيا ومصر، أو بين الأردن وسوريا، أو بين العراق وإيران، أو بين السعودية واليمن، إنما جاءت التقسيمات برغبة من القادة، والأمراء، والشيوخ، وموافقة عشرات الآلاف من المواطنين الذين وقفوا خلفهم، ورغبوا في الاستقلال ببعض المناطق التي كانت مهيأة أصلاً للانفصال دون مؤامرات من القوى الكبرى، والحصول على اعتراف دولي.
عندما ننظر الى العراق مثلاً؛ نجد أنها دولة كانت تتبع الإمبراطورية الفارسية مع جارتها إيران، أي أن كسرى كان يحكم العراقين (العراق وإيران) تحت مسمى بلاد فارس، وكانت المدائن من أجمل المدن العراقية، فتحها خالد بن الوليد في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وحررها من الفرس، ولا زالت آثار المدائن لغاية الآن وتقع الى الجنوب الشرقي من بغداد.
كان هناك عدة ممالك في العراق في العصور القديمة، مثل: المملكة الكلدانية، والبابلية، والأشورية، والسومرية، والأكادية، وقبل الفتح الإسلامي في العهد الراشدي؛ كانت العراق تحت الحكم الساساني الى أن فتحها خالد بن الوليد، ولم يكن هناك لا سايكس بيكو، ولا سان ريمو.
قرأنا عن بلاد نجد والحجاز واليمن، ولم نقرأ في التاريخ عن استقلال من أي نوع سوى خضوع اليمن لعدة ممالك، الأولى: مملكة سبأ، والثانية: مملكة حضرموت، بالإضافة الى مملكة قتبان، ومملكة معين، والثالثة: مملكة حمير في التاريخ القديم، وفي التاريخ الحديث: اليمن الشمالي، واليمن الجنوبي، وتوحيد الشطرين تحت إسم جمهورية اليمن الموحدة، ولا ننسى قصة بلقيس في اليمن، والملك سليمان حينما طلب من آصف بن برخ أن يجلب له عرشها عندما كانت تحكم اليمن.
قرأنا عن مملكة تدمر، والحكم الروماني في سوريا، والخلافة الأموية في دمشق، وفيما بعد؛ الإمارات الإسلامية في حمص، وحلب، ودمشق... الخ، في عهد الخلافة العباسية في بغداد، وكان لكل إمارة أتابك يحكمها مثل الأتابك نور الدين زنكي الذي حكم حلب وامتدت إمارته الى كل مناطق الشام تحت حكم الخليفة العباسي.
أما فلسطين؛ فكانت فيها مملكة بيت المقدس؛ في عهد صلاح الدين الأيوبي الذي فتحها وحررها من الصليبيين، وهي أرض تشغل الجزء الجنوبي من الساحل الشرقي للبحر المتوسط حتى غرب نهر الأردن فيما يسمى الآن غور فلسطين...
(يمتد غور فلسطين من بيسان حتى صفد شمالًا؛ ومن عين جدي حتى النقب جنوبًا؛ ومن منتصف نهر الأردن حتى السفوح الشرقية للضفة الغربية، وتبلغ المساحة الإجمالية للأغوار (720) ألف دونم تشكل سلة غذاء فلسطين).
كانت مملكة الأنباط في الأردن تمتد من حدود فلسطين شمالاً إلى حدود الحجاز جنوباً، ومن بادية الشام شرقاً إلى شبه جزيرة سيناء غرباً، أي أنها حدود الأردن حالياً لكن بشكل موسع، وحكمها الملك حارثة الأول قبل ميلاد سيدنا عيسى عليه السلام ب (169) سنة.
ومن مملكات العهد القديم؛ قيام ثلاثة ممالك جديدة في الأردن، هي: مملكة آدوم في الجنوب التي انهارت خلال حكم الملك داوود، لكن الآدوميون استعادوا مملكتهم بعد وفاة الملك داوود عام (960) قبل الميلاد، وكانت عاصمتهم بصيرة، ومملكة مؤاب في الوسط: وقد امتد حكم مملكة مؤاب في وسط الأردن حتى جبل القلعة الحالي في مدينة عمان؛ وكانت الكرك، وذيبان، عاصمتا المملكة.
وقامت مملكة عمون في الأردن سنة (1250) ق م، وعاشوا حياة البداوة، وكونوا دولة قوية امتدت حدودها من الموجب جنوباً إلى سيل الزرقاء شمالاً، ومن الصحراء شرقاً إلى نهر الأردن غرباً، وكانت عمان عاصمة مملكتهم، وبحكم موقع عمان الجغرافي الاستراتيجي طمع فيها الغزاة فتعرضت مملكة العمونيين للغزو والدمار، لكنها كانت باستمرار تضمد جراحها وتعيد بناء مدنها، ويُعد طوبيا العموني آخر ملك حكم دولة العمونيين.
وقد ازدهرت التجارة والزراعة في مملكة عمون في العام (950) قبل الميلاد، وشيدت عدة قلاع فيها، مثل عراق الأمير، وغيرها من الآثار التي ما زالت تدل على حضارة العمونيين في عمان والسلط.
أما سبب قيام هذه الممالك، فقد اقتضت المصلحة العامة، وطريق التجارة الدولي الذي يمر في الأردن، الى قيام مثل هكذا ممالك، للمحافظة على القوافل التجارية لكل مملكة ترتبط بمصالح اقتصادية ومالية مع الدول المحيطة، القريبة منها والبعيدة، فالبترا كانت بمثابة بنك دولي لتخزين أموال الدول والممالك المحيطة بمملكة الأنباط، ولكل دولة أو مملكة قامت كان هناك غرض ومصلحة معينة لقيامها، لا تلبث أن تنهار بعد عشرات الأعوام وذلك لعدم الحاجة لوجودها، أو يتم توحيدها في مملكة واحدة، فالممالك الضعيفة تأكلها الممالك القوية، وفق قانون القوي الذي يأكل الضعيف.
ومثلما كانت ولا زالت العراق، واليمن، وفلسطين، والأردن، وسوريا، وبيروت لها حدوداً مستقلة؛ كانت عُمان، والبحرين، وقطر، وتونس، والجزائر، والمغرب مستقلة ولم يعبث الاستعمار بحدودها، ونماذج كثيرة ومتعددة على وجود الدول العربية بأسمائها وصفاتها وحدودها المنفصلة منذ مئات وآلاف السنين، ولم يكن لإتفاقية سايكس بيكو أي شأن في تقسيم الوطن العربي إلا وفق مصالح وسياسات الدول الإستعمارية في استغلال الثروات، ومحاولة تجهيل الشعوب للسيطرة عليهم فيما بعد.
عندما خرجت بريطانيا وفرنسا وإيطاليا من الدول التي استعمرتها؛ تركت بعض الآثار التي خدمت الشعوب، مثل اللغة، والحضارة، وبعض العادات والتقاليد المستحبة، وأكبر دليل ما تركه نابوليون بونابرت قبل انسحابه من مصر، إذ أدخل فن الطباعة غير المكتشف في مصر بل في المنطقة العربية والإفريقية، وترك لهم المطبعة الفرنسية المشهورة في ذلك العصر.
إن الدول الإستعمارية لم تقسم الوطن العربي، فهو مقسم تلقائياً، ودليلي على ذلك؛ أن الشعوب العربية رفضت إقامة دولة عربية واحدة، مما يعني أن بعض نماذج الوحدة التي فُرضت بالاتفاق أو بالقوة في بعض الأحيان، كانت فاشلة بكل المقاييس، أما بالنسبة لموضوع فلسطين، فالأمر على ما يبدو أنه يتعلق بالإرادة الإلهية التي سمحت لليهود بأن يكون لهم كيان خاص في فلسطين، منذ عصر سيدنا موسى عندما دخلوا من بوابة مصر الى فلسطين، وحتى الإحتلال الأخير عام (1948) وإقامة دولتهم اليهودية، والآية الكريمة التالية تعلن عن بطلان وعد بلفور الذي منح اليهود أرض فلسطين:
قال جل وعلا؛ بسم الله الرحمن الرحيم: وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا، فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا، ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا، إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا، عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا.. صدق الله العظيم.
السؤال الذي يطرح نفسه: هل يعلم الإنجليز واليهود بأن هناك آيات في القرآن الكريم تتعلق بتاريخ اليهود في فلسطين، وأنهم سيدخلون بيت المقدس، ويقومون باحتلاله، وتقوم حروب متعددة لتحريره، وتنشأ بعدها دولة لليهود في فلسطين حتى يكتب بلفور صكاً لروتشيلد بناءً على ما قرأه من آيات في القرآن الكريم، ألا يوافقني أحدكم الرأي...؟
برأيي أنه لا يوجد خيانة على الإطلاق، ولم يتنازل أي زعيم عربي عن فلسطين، ولو انتصرنا على اليهود في حروبنا معهم، نكون بذلك قد أبطلنا آيات الله جل وعلا تلك التي تتعلق بدخول اليهود، وإقامة دولتهم، إنما وعد الله الحق بتمكين اليهود من بيت المقدس، تمهيداً لتجمع العرب والمسلمين على أطراف وأكناف بيت المقدس.
ما يهمنا في هذا المقال أن الدول العربية لم تتقسم بفعل الإستعمار، وإنما هي مقسمة منذ آلاف السنين، وقد حكمها ملوك، وأباطرة، وحكام، وخلفاء، وسلاطين، ولم تتغير الأسماء العربية لكن تأثرت بالحضارات، وإن آخر حضارة استطاعت الشعوب العربية استيعابها كانت؛ الحضارة الإنجليزية، والحضارة الفرنسية، والحضارة الإيطالية، أخذنا منها ما ينفعنا وتركنا ما يضرنا، بل إننا في بعض الأحيان كنا نطلب الإنجليز للإشراف على حكوماتنا كما حدث عند انهيار الدولة العثمانية وحدوث فراغات سياسية أجبرت العرب على التعاون مع الإنجليز والفرنسيين في بدايات القرن الماضي...



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات