هل يعود لبنان إلى سوريا؟


جراسا -

اليوم فقط، أصبحنا شهودا على نهاية الحقبة الاستعمارية في الشرق الأوسط.

لقد دبت الحركة في الحدود التي رسمها المستعمرون للشرق الأوسط، وبدأت أوصال الدول المصطنعة، التي أنشأوها، في التقطع عند اللحامات، لتتحول إلى تكوينات قابلة للحياة إلى حد ما، تعتمد في جوهرها على قومية أو مجتمع ما.

لعل لبنان هو أكثر الأمثلة وضوحا على الماضي الاستعماري وعملية التفكك الراهنة المستمرة.

ومع ذلك، فإن الحجر الذي يتدحرج إلى أسفل لابد وأن يتوقف عاجلا أو آجلا، ليجد له موضعا ونقطة يتوازن عندها. دعونا نفكر في أي نقطة يمكن أن يتوازن الوضع اللبناني؟

لعقود من الزمان، دأبت العوامل الداخلية على فصل المكونات الداخلية للشعب اللبناني عن بعضها البعض، لكن التأثيرات الخارجية دائما ما دفعت الشعب للحياة تحت سقف شقة واحدة.

فإلى أي مدى يعد الفساد، وهرم الديون، والانهيار الحالي بشكل عام هو نتيجة لطبيعة بنية المجتمع اللبناني ذاتها، وما مدى الحاجة إلى رشوة اقتصادية للنخب والسكان من أجل الحفاظ على الوضع الراهن، بما في ذلك الوحدة الشكلية للدولة؟

هل لدى لبنان في نهاية المطاف حتى إمكانية تجاوز الأزمة والخروج منها بالشكل الحالي للدولة؟

لا توجد حكومة في لبنان قادرة على منع الانهيار الاقتصادي الوشيك، الذي سيزداد سوءا، ومعه ستتدهور الأحوال المعيشية لفترة طويلة، على مدار سنوات طويلة، بغض النظر عمّن سيصل إلى السلطة في البلاد. ببساطة لأن هيكل الاقتصاد، وتبعات الحياة اعتمادا على الديون طوال عقود، لا يمكن أن تتغير في ظرف شهر أو عام أو حتى عقد من الزمان.

يمكن للقروض الخارجية أن تؤجل الانهيار الاقتصادي بشكل طفيف، لكنها أبدا لن تمنعه أو توقفه.

وكل آمال المتظاهرين في تشكيل حكومة "تكنوقراط" جديدة، تشبه في سذاجتها وطفوليتها سذاجة وطفولية الهجوم على بعض الوزارات وحرق الأوراق أملا في أن يحسّن ذلك حياة المواطن اللبناني العادي.

إن كل حكومة لبنانية جديدة، بما في ذلك حكومة "تكنوقراط"، محكوم عليها بأن تفقد شعبيتها خلال شهر واحد، وتبدأ الاحتجاجات واقتحام الوزارات من جديد في ظرف ثلاثة أشهر. وستؤدي الأزمة الحكومية المستمرة إلى خلق حالة من فراغ السلطة والفوضى، وهو ما يمكن أن يستمر لسنوات. وفي ظل هذه الظروف ستظل القوى السياسية الحقيقية الوحيدة الفاعلة على الأرض هي الجماعات المذهبية، ولن يتسبب ذلك سوى في تعزيز دورها في السياسة.

ولكي يكون لأي حكومة "تكنوقراط" فرصة للنجاح، يجب ألّا ينقسم المجتمع اللبناني إلى طوائف، بمعنى أن يصبح لبنان أمة سياسية، ولا يعني الدين للبنانيين أكثر مما يمكن أن يعنيه لأي مواطن أوروبي معاصر. فهل هذا ممكن؟ أراه أمرا غير واقعي.

ما هي المشاكل الاستراتيجية للبنان؟

أولا، لقد استنفد نظام الحكم في لبنان نفسه، ولا يوجد بديل عملي له. أي أن النظام نفسه مسؤول بشكل كبير عن الأزمة وفشل الحكومة.

فمحاولة إنشاء حكومة قادرة على العمل والبقاء تتطلب أشخاصا لديهم أفكار مماثلة، وهو ما يعني بشكل تلقائي استبعاد قوة سياسية واحدة، أو عدة قوى سياسية من المشاركة في الحكومة. وستبدأ هذه القوة السياسية، في حشد وتعزيز نفوذها إداريا وربما جغرافيا، أو ستحاول العودة إلى السلطة باستخدام القوة، وهو ما يهدد بالحرب الأهلية والانهيار الفعلي للبنان.

أي أن النظام مبرمج في داخله لإعادة إنتاج الحرب الأهلية، ومنعها يتطلب الكثير من الموارد، ما يؤدي بطبيعة الحال إلى إفلاس البلاد، ما يدفع مرة أخرى نحو الخلاف بين الطوائف. حلقة جهنمية مفرغة. كذلك فإن النظام الحالي لا يعكس النسب الحقيقة للقوى السياسية اللبنانية على الأرض، لذلك تلقي عملية الحفاظ عليه بمزيد من الزيت على النار.

ثانيا، يجب الاعتراف بأن لبنان دولة فاشلة اقتصاديا. فلبنان كإقليم وكدولة غير قابل للحياة في الوضع الراهن، وغير قادر على كسب العيش، ويحتاج إلى رعاية مالية مستمرة من الخارج. ولا يمكن حل هذه المشكلة إلا من خلال الخفض الكارثي لمستويات معيشة اللبنانيين، لكن الأمر سيستغرق سنوات لتحقيق التوازن، ومن المرجح أن يتمرّد اللبنانيون طوال الوقت، وربما يتقاتلون فيما بينهم. ربما تؤدي السيطرة الخارجية إلى تسريع الاستقرار، حيث يطالب كثيرون الآن بالتدخل الخارجي. ومع ذلك، فإن الحكم الخارجي أيضا لا يتوافق مع وحدة البلاد، لأن القوى السياسية اللبنانية تعتمد على أطراف خارجية متعارضة.

ثالثا، وهو الأهم، إن لبنان على أعتاب هجرات عملاقة. وقد أدت التغييرات الديموغرافية بالفعل إلى وصول الطائفة الشيعية إلى مرتبة الصدارة في لبنان، وحينما تضرب الكارثة الاقتصادية الجميع، فسوف تكون أكثر الفرص المتاحة ورغبة الهجرة بشكل أكبر داخل المجتمعات المسيحية وجزء من المجتمعات السنية. أما الشيعة، وبوصفهم أكثر فقرا وأقل تعليما، سوف يبقون ويرثون الأرض وما عليها. وفي غضون 5-10 سنوات، ستجعل هذه التغييرات الديموغرافية حزب الله سيد لبنان بلا منازع، إذا كان مقدرا له أن ينجو من فوضى الدولة الموحدة.

مما لا شك فيه أن لبنان الذي يقوده الشيعة، والذي سيكون أكثر تجانسا دينيا سوف يعاني في الوقت نفسه من العداوة من قبل معظم جيرانه، وهو ما سيضاعف من اعتماده على حلفائه. ربما لن يكون هناك حديث عن استعادة الوحدة مع سوريا، لكن تغييرا محتملا في الحدود السورية، تحت تأثير تركيا والولايات المتحدة الأمريكية، يمكن أن يعني رد فعل متسلسل لمراجعة الحدود في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك الحدود اللبنانية. ومع ذلك، لن أفاجأ على الإطلاق، إذا عادت القوات السورية إلى لبنان في غضون سنوات قليلة.

في أسوأ الأحوال، إذا كان من الصعب الحفاظ على وحدة لبنان، فستحتاج الأراضي الشيعية فيه إلى تحالف مع سوريا.

أتمنى صادقا أن يحافظ لبنان على سيادته ووحدة أراضيه وازدهاره. لكن مسار التاريخ لا هوادة فيه، ومن غير المرجح أن يساعد إنكارنا للواقع على التأثير فيه. كالعادة لا أدّعي أن تحليلي ليس له بدائل. كل ما أحاوله أن أتخيل نقطة التوازن في مستقبل لبنان، لأتخيل كيف يمكن أن يتطور مسار التوجهات الحالية. ولنرى ماذا تخبئه الأيام.

المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات