الفقر ( أسباب وآثار وحلول )


يعتبر الفقر آفة حقيقية تفتك بالإنسان الذي كرمه الله تعالى على كافة مخلوقاته الأخرى، حيث وهبه العقل، والروح، والموارد الطبيعية، غير أن الطبائع الأنانية لبعض البشر الذين امتلكوا القوة، والمال، والعلم، والنفوذ جعلتهم يستأثرون بهذا التكريم لأنفسهم دوناً عن الآخرين، فطغوا على إخوانهم من بني آدم، مما أدى إلى انتشار الحروب، والفقر، والمجاعات، والفساد حول العالم، فلم تعد هناك بقعة من العالم خالية من هذه الآفات المهلكة.
الفقر ظاهرة قديمة جدًا وآفة اجتماعية خطيرة شهدتها البشرية عبر العصور، وهي معقدة وذات جوانب متعددة: اقتصادية، سياسية، ثقافية وبيئية.

والفقر هو حالة من الحرمان تتجلى في انخفاض استهلاك الغذاء وتدني الأوضاع الصحية والمستوى التعليمي.
ويعتبر الفقر علة تتفشى في جسد العالم ومرض خبيث يصل حد القتل ويفتك ويضرب ويشرد كل كائن بشري فقير على وجه الأرض .

والفقر ظاهرة اجتماعية متعددة الجوانب فليس الفقر نقصاً في الدخل فحسب أو حتى ندرة في فرص العمل ولكنه أيضاً تهميش لطبقة من المجتمع وحرمان الفقراء من المشاركة في صنع القرار وإبعادهم من الوصول للخدمات الاجتماعية ورغم كل التقديرات والمؤشرات والحلول التي وضعت من خلال الخبراء لا يزال الفقر منتشراً رغم ما يتمتع به العالم من خيرات .

والفقر الذي ينتشر في عالمنا اليوم ويتغلغل بشكل مخيف لا يقل في حدته عن أخطار أخرى يواجهها العالم .
ويمكن تعريف الفقر من الناحية الفردية : بأنه عدم القدرة للوصول إلى الحد الأدنى من الاحتياجات المهمة المادية للفرد كالطعام والسكن والملبس ووسائل التعليم والصحة. وحاجات غير مادية مثل حق المشاركة والحرية الإنسانية والعدالة الاجتماعية ويعرف أيضا أنه عدم القدرة على تحقيق الحد الأدنى من مستوى المعيشة .

ويمكن تعريف الدول الفقيرة : بأنها تلك الدول التي تعاني من مستويات منخفضة من التعليم والرعاية الصحية وتوافر المياه النقية صحيا للاستهلاك البشري والصرف الصحي ومستوي الغذاء الصحي كماً أو نوعاً لكل أفراد المجتمع، ويضاف إلى ذلك معاناتها من تدهور واستنزاف مستمر لمواردها الطبيعية مع انخفاض مستوى دائرة الفقر.

أسباب و عوامل تفشي ظاهرة الفقر: من أهم الأسباب و العوامل التي أدت إلى ظهور و تفشي ظاهرة الفقر ونذكر منها :

أولاً : حجم الأسرة: إن حجم الأسرة يعتبر من مسببات الفقر حيث يؤدي كبر حجم الأسرة و ارتفاع معدلات الإعالة إلى زيادة الأعباء على نفقات الأسرة وبالتالي مواجهة حالة العجز عن توفير كل متطلبات الأسرة ذات الحجم الكبير وقد تزداد حالة العجز هذه باستمرار و تتفاقم و ينتج عنها الفقر بأتم معناه.

ثانياً : التضخم: إن التضخم الذي يعرف بأنه الارتفاع العام في أسعار السلع والخدمات معبراً عنها بالنقود يؤدي إلى انخفاض القوة الشرائية للنقود و بالتالي تتأثر الدخول الحقيقية للأسر و تصل إلى حالة العجز عن اقتناء كل المتطلبات التي تحتاجها و تصبح ضمن تعداد الفقراء بغض النظر عن درجة الفقر فالتضخم سيزيد في عبئ الإعالة التي تقع على العاملين في إعالة غير النشطين في ظروف التضخم المتسارع.

ثالثاً : غياب القيم الروحية : واستبدالها بالقيم المادية، مما أدى إلى غياب التراحم والتكافل بين الناس، فالقيم الروحية تتعارض على الدوام مع المصالح البشرية النابعة من الأنانية المحضة، والتي حتماً ستفضي إن استوغلت في قلوب البشر وعقولهم إلى كوارث لا تحمد عقباها، ومن هنا فإن هذا السبب قد يكون مصدر الأسباب الأخرى إما بطريقة مباشرة أو غير مباشرة .

رابعاً : التمييز وعدم المساواة الاجتماعية : قد تكون سبباً في ظهور مشكلة الفقر، خاصة التمييز بين الجنسين كعامل يزيد من الفقر في جميع أنحاء العالم خاصة بين النساء والرجال وكذلك بين فئة الأطفال .

خامساً : اللامُبَالاة : اللامبالاة هو عندما لا يعير الناس إي اهتمام، أو عندما يشعرون بالعجز بحيث أنهم لا يحاولون تغيير الأمور، لعمل الصواب، لتصحيح خطأ، أو لتحسين الأوضاع أحيانا، بعض الناس يشعرون بعدم قدرتهم على تحقيق شيء ما، فيشعرون بالغيرة من أقارب العائلة أو الزملاء في مجتمعهم الذين يحاولون القيام بذلك. ثم يسعون لإحباط الساعين الذين يحاولون تحقيق شيء ما لمستوى فقرهم. اللامبالاة يولد اللامبالاة.

سادساً : عوامل أخرى : وقد يزيد من أعباء الفقر أمور كثيرة خاصة كالجهل، قلة المستوى التعليمي، عدم وجود عائل للأسرة، انتشار الفساد وعدم المساواة في الحقوق والواجبات، الكسل وعدم السعي الحقيقي لزيادة الدخل، تضييق الخناق على عدة فئات وأهمها الشباب مع الخناق على سفرهم خارج بلادهم، زيادة أسعار السلع بنسبة مضاعفة في بعض الأوقات، قلة التشجيع للمستثمرين على الاستثمار في بلادهم .

الآثار الناتجة عن ظاهرة تفشي الفقر :

التصدّعات الأسرية، وانهيار المجتمع، وانتشار الرذيلة، والتشوهات الاجتماعية مثل الانحراف، والأمراض النفسيّة والجسدية، وارتكاب الجريمة المتمثلة في السرقة والقتل والاعتداء على حقوق الآخرين، وارتفاع نسبة الأميّة في المجتمع من خلال تسرب الأطفال من المدارس للعمل والاختلاس الناتج من انخفاض الدخل ومستوى المعيشة والرغبة في الثراء أو الحصول على المال لسد احتياجات الأسرة وهجرة العقول وأصحاب المهارات إلى الخارج وزيادة نسبة الطلاق وانتشار ظاهرة رفض الزواج خوفاً من الالتزام وارتفاع معدل الوفيات .

حل مشكلة تفشي ظاهرة الفقر : يعالَج الفقر بكثير من الطرق والوسائل وهي كالآتي:

أولاً : تعليم الناس الاعتقاد الصحيح بأن الرزق من الله : وأنه هو الرزاق، وأن كل ما يقدِّره الله من المصائب فلحكمٍ بالغة، وعلى المسلم الفقير الصبر على مصيبته، وبذل الجهد في رفع الفقر عن نفسه وأهله قال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) الذاريات/58، وقال تعالى : (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) هود/6 .

ثانياً : الاستعاذة بالله من الفقر : وقد ورد في السنة ما كان يفعله النبي، ويعلِّمه أمته، وهو الاستعاذة بالله من الفقر ؛ لما له من أثر على النفس، والأسرة، والمجتمع عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ : (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ وَالْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ). رواه البخاري (6007) ومسلم (589).

ثالثاً : الحث على العمل : والكسب، والمشي في الأرض لكسب الرزق. قال تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) الملك/15

رابعاً : إيجاب الزكاة في أموال الأغنياء : وقد جعل الله للفقراء نصيباً في الزكاة، ويُعطى الفقير تمليكاً، ويُعطى حتى يغتني، ويزول فقره قال تعالى: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ. لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) المعارج/24، 25

خامساً : تحريم الربا والقمار : والغش في البيع قال تعالى(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة/90

سادساً : عوامل أخرى : تتم عملية مكافحة الفقر عن طريق مكافحة البطالة فالبطالة هي مسبب الفقر في المجتمع، كما يجب رفع مستوى الأجور وتشجيع الاستثمار وتأسيس المشاريع الجديدة، ودعم أصحاب الأفكار والطموحات كما انه يجب ضبط التخصصات الجامعية والترويج للعمل المهني، فالتخصصات الجامعية يجب أن تكون متناسبة مع سوق العمل وحاجياته. إلى ذلك يجب مكافحة الفساد فكلما انخفض الفساد كلما كانت مشكلتا البطالة والفقر أيضاً منخفضتين .

رسالة :

إن التصدي لمشكلة الفقر يحتاج لرؤية مستقبلية واسعة مصحوبة بعمل دؤوب في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، والسياسية والثقافية فها آن أوان ذلك ؟








تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات