في هذا المقال الذي قد يشغل بال كثير من المهتمين من أبناء الوطن, سأقف بالضبط في منتصف المسافة ما بين الطالب وبين واضعوا الامتحان لحساسية الموضوع, ومنذُ البداية اسمحوا لي ان أفرّق بين الاختبار وبين الامتحان موضوع حديثنا اليوم من حيثُ هدف التقييم ومن حيثُ طبيعة الممتحنين فقط, (الاختبار) غالبا ما يكون لعدد محدود من الطلبة سواء كان ذلك لصف معين او لمدرسة معينة بهدف تقييم ما تحقق من اهداف الدرس في فترة زمنية معينة, او لأغراض الترفيع من صف الى صف اعلى, اما (الامتحان) موضوع حديثنا اليوم, فغالبا ما يكون لأعداد كبيرة وضخمة من الطلبة ولجميع المناطق الجغرافية, بهدف تقييم اداء الطلبة واعطاءهم المعدلات والرتب النهائية من اجل اتخاذ قرارات حاسمة كالدخول في جامعات او المعاهد او الكليات العسكرية او البرامج المهنية الشاملة.., والسؤال الدقيق هنا, ماذا يعني وجود خلل أو خطأ في ورقة الامتحان؟
بلغة القياس والتقييم, بناء الامتحان يشبه تماما بناء الفيلا,..بناء الفيلا يحتاج الى مهندسين مهرة في فحص التربة ووضع أساسات البناء ووضع الجسور العمودية والافقية, ويحتاج الى مهندسين مهرة في تحديد أماكن كل من المداخل والمخارج, ومواقع كل من الغرف والممرات والصالات والشرفات والادراج, واكثر من ذلك يحتاج الى مهندسين مهرة في تصميم أماكن تواجد النوافذ والبواب من اجل دخول أكبر كمية من ضوء الشمس, ثم تمرير أكبر قدر من الهواء لجميع زوايا البناء, وان اي خطأ في هذه التصاميم مجتمعة سيؤدي حتما الى انتفاء صفة الفيلا عن ذلك البناء لتأخذ اسما اخر اقل بكثير من الفيلا.
وهكذا الامتحان, يحتاج الى مهرة في القياس والتقويم بالإضافة الى العمق في التخصص من اجل بناءه بناءً معياريا في الشكل والمضمون, فمعرفة طبيعة المحتوى ومعرفة خصائص الطلبة, ومعرفة بماذا ستبدأ أسئلة الامتحان وبماذا ستنتهي, ومعرفة توزيع علامات الامتحان على فقراته, ومعرفة تحديد مدة الامتحان وزمنه, ومعرفة كيف نصوغ واين نضع السؤال المرتبط بالمعرفة, والسؤال المرتبط بالتحليل, والسؤال المرتبط بالتطبيق, والسؤال المرتبط بالاستقصاء, والسؤال المرتبط بحل المشكلات.., كل ذلك يتطلب أشخاص ماهرين في تصميم ورقة الامتحان من حيث شكلها ومضمونها.
وعودة الى السؤال الدقيق أعلاه, ماذا يعني وجود خلل أو خطأ في ورقة الامتحان؟ الجواب مع إنني أقف بالضبط في منتصف المسافة ما بين الطالب وبين واضعوا الامتحان لحساسية الموضوع, فان الجواب يقع في مسارين أولهما وجود خلل في ورقة الامتحان, وثانيهما وجود خطأ في ورق الامتحان, مع ان كل منهما يصب في الاخر, ثم لا يمكن عزل احداهما عن الاخر, وان نتيجة كل من المسارين سيؤدي بلغة القياس والتقويم حتما الى التواء واضح في شكل (Normal Curve) يمينا او يسارا, وبالتالي تغيير مفاجئ في رتب ومئينات الطلبة الحقيقية.
(وجود خلل) في أي ورقة من أوراق الامتحان, فان ذلك يعني عدم مراعاة طبيعة المحتوى وخصائص الطلبة عند بناء الامتحان, ثم يعني عدم مراعاة بماذا ستبدأ اسئلة الامتحان وبماذا ستنتهي, ويعني عدم مراعاة توزيع علامات الامتحان على فقراته, ويعني عدم مراعاة تحديد مدة الامتحان وزمنه, ويعني عدم مراعاة كيف نصوغ واين نضع السؤال المرتبط بالمعرفة, والسؤال المرتبط بالتحليل, والسؤال المرتبط بالتطبيق, والسؤال المرتبط بالاستقصاء, والسؤال المرتبط بحل المشكلات.., وهذا من شأنه ان يؤدي الى انتفاء صفة (الامتحان الجيد) عن الورقة الامتحانية.
اما (وجود خطأ) في اي ورقة من أوراق الامتحان, فان ذلك يعني وجود نقص او زيادة في نص احد الاسئلة او بعض الاسئلة, او ربما وجود خطأ مطبعي في كلمات بعض الاسئلة, او في ارقام بعض الاسئلة, او في بعض الاشكال الهندسية لبعض الاسئلة, او في بعض الرسومات البيانية لبعض الاسئلة.., وهذا من شأنه أيضا ان يؤدي الى انتفاء صفة (الامتحان الجيد) عن الورقة الامتحانية.
ولأن حساسية (الامتحان الجيد) عالية جدا, فان الورقة الامتحانية ذات البناء الجيد ستتأثر في كلا الحالتين المتمثلتين بــ الخلل / الخطأ, وبالتالي فان عملية تقييم اداءات الطلبة ووضع علامات ودرجات محكية او معيارية لهم سيعتريها شيء من عدم المصداقية, وبلغة القياس والتقويم وبلغة الاحصاء التحليلي والاحصاء الوصفي فان رتب العلامات ومئيناتها لدى الطلبة الممتحنين ستنحرف يمينا او يسارا عن منحى التوزيع الطبيعي (Normal Curve), وان هذا الانحراف في رتب العلامات ومئيناتها والذي سيظهر في منحى التوزيع الطبيعي (Normal Curve) سيحصل حتما في حالة التغاضي عن وجود خلل / خطأ في اي ورقة من اوراق الامتحان, او في حالة معالجة الامر من خلال زيادة علامات ودرجات السؤال المعني لكل طالب كمعالجة مقنّعة للخلل او الخطأ الحاصل, ناهيك عن التشوهات التي سيحدثها وجود الخلل او الخطأ في اي ورقة من اوراق الامتحان في التواء شكل (Normal Curve) يمينا ويسارا.
ليّ رقبة الـ(Normal Curve) ليصبح معتدلا هو بمثابة معالجة مقنّعة لما يحصل من خلل أو خطأ في الامتحان, وسيحدث بالضرورة تشوهات معيارية في عملية تقييم الطلبة, والبقية عند اساتذة القياس والتقويم..