بنك الأراضي أن تبدأ متأخراً



ارتفعت أسعار الاراضي السكنية في المدن والتجمعات الرئيسية خلال العقدين الماضيين إلى مستويات غير مسبوقة، بحيث تجاوز سعر المتر المربع الواحد في بعض مناطق عمان العاصمة قيمة الدخل الشهري لشريحة واسعة من الأسر، وأصبح ثمن قطعة الأرض يشكل ما يزيد عن نصف كلفة المسكن كاملاً، وذلك بسبب ارتفاع الطلب على الأراضي السكنية بفعل التزايد في عدد السكان والهجرات القسرية من الدول المجاورة، وعدم تبني الحكومة ومؤسساتها المعنية لسياسات واجراءات للحد من الإرتفاع الهائل في أسعار الأراضي، بحيث تفاقمت المشكلة وغدت العقبة الرئيسية التي تعترض وجود سوق فعال للإسكان يوفر المساكن لمختلف فئات المجتمع.
تتدخل الحكومات في سوق الأراضي عندما تشتد الحاجة إلى ذلك، وذلك باستخدام العديد الإجراءات والأدوات والتي من أبرزها بنك الأراضي Land Banking وهي فكرة استثمارية دأبت الشركات الاستثمارية العقارية في كثير من دول العالم على تطبيقها من خلال شراء مساحات واسعة من قطع الأراضي خارج المدن والتجمعات السكنية بأسعار زهيدة، وبيعها عند ارتفاع أسعارها نتيجة اقتراب حركة العمران ثم تطورت واصبحت وسيلة وأداة مهمة من أدوات إدارة الأراضي Land Management، تتبعها الحكومات والبلديات لضبط سوق الاراضي في المناطق الحضرية ولتوفير مساحات كافية من الارضي تغطي الاحتياجات المستقبلية، حيث تلجأ البلديات أو الجهات المعنية إلى شراء أو استملاك مساحات واسعة من الاراضي ذات الأسعار المنخفضة خارج حدود التنظيم وفي المناطق المتوقع أن تتوسع الحدود باتجاهها، والإحتفاظ بها سنوات طويلة لحين وصول حركة العمران إليها حيث تكون قد زادت اسعارها اضعافاً كثيرة، فتقوم هذه الجهات باستغلال جزء منها لإنشاء مبان عامة ومرافق ومشاريع حيوية عليها، كما يمكن استعمال أجزاء أخرى في التأثير على أسعار الأراضي من خلال طرح مساحات منها للبيع في سوق الأراضي الحضرية.
لم تلجأ الحكومة سابقاً ولا أي من مؤسساتها المختلفة إلى أسلوب بنك الاراضي لتأمين احتياجاتها المستقبلية من الأراضي سواء السكنية منها أو غير السكنية لعدة أسباب أهمها الإنطباع السائد بتوفر مساحات واسعة من أراضي الخزينة المملوكة للدولة والتي تستطيع الحكومة استعمالها عند الحاجة، إلا أن استنفاذ كثير من مساحات هذه الاراضي وخاصة في المدن الرئيسية التي يرتفع فيها الطلب على الاراضي، قد ترك الحكومة والمؤسسات المعنية عاجزة عن التدخل في سوق الأراضي، وأصبحت قطع الأراضي السكنية خارج متناول فئات واسعة من المواطنين، ولو كان لدى الحكومة ممثلة بالمؤسسة العامة للإسكان والتطوير الحضري أو دائرة الأراضي والمساحة مساحات واسعة من الاراضي "مخزنة" ضمن هذه المدن تطبيقاً لمفهوم بنك الأراضي، لاستطاعت تلبية احتياجات المواطنين وخاصة فئات الدخول المتدنية والمحدودة منها، ولتمكنت من أيضاً من التأثير ولو جزئياً في سوق الأراضي للحد من الأرتفاع غير المعقول وغير المنطقي في أسعارها.
يمكن للمهتمين بقضايا الاراضي والإسكان أن يلحظوا أن فكرة "بنك الاراضي" قد تم تطبيقها دون قصد من قبل مؤسسة الإسكان في مشروع مدينة أبو نصير السكنية، وقد تم أواخر السبعينات من القرن الماضي شراء آلاف الدونمات لهذه الغاية بأسعار لا تتجاوز دنانير قليلة للمتر المربع الواحد، وتم وضع التصاميم من قبل شركة استشارية سويسرية لإنشاء مدينة سكنية تضم (6200) وحدة سكنية على مرحلتين متتابعتين، وقد بوشر في تنفيذ المرحلة الأولى والتي تضم (3650) وحدة سكنية في عام 1983 حيث استمر تنفيذها خلال فترة زمنية بلغت حوالي ست سنوات، وقد أدت إشكالات تتعلق بالتأخير الذي حصل في تنفيذ المشروع ثم بالتسويق وارتفاع الكلف لاحقاً، إلى قيام المؤسسة بصرف النظر عن تنفيذ المرحلة الثانية، فيما بقيت مئات الدونمات من أراضي المشروع خالية من البناء، وبمرور الوقت فقد شهدت أسعار هذه الأراضي ارتفاعاً كبيراً بفعل الإرتفاع العام في أسعار الأراضي في المملكة وبتأثير ما شهدته أراضي الجزء الأول من المشروع من تطوير وبناء، لتشكل الاراضي الباقية ثروة حقيقية للمؤسسة بعد أن قامت بتقسيم هذه الاراضي إلى قطع صغيرة وتوفير خدمات البنية التحتية لها وبيعها للمواطنين، استطاعت من خلالها المساعدة في توفير السكن الملائم لآلاف الأسر محققة عوائد بعشرات الملايين من الدنانير مكنت المؤسسة من الاستمرار في خدماتها دون أن تحصل من الخزينة على أية مخصصات على الرغم من أن كثيراً من مشاريعها اللاحقة والتي استهدفت الأسر محدودة الدخل كانت مشاريع مدعومة لم تحقق منها المؤسسة أية عوائد، وتجدر الإشارة هنا أن المؤسسة ما زالت حتى اليوم وبعد مرور حوالي (40) عاماً على شراء أراضي موقع أبو نصير، تبيع قطعاً سكنية من الموقع المذكور بعشرات بل ومئات الآلاف من الدنانير لكل منها.
ختاماً نقول إن عدم قيام الحكومة ومؤسسة الاسكان بالذات بإنشاء وإدامة بنك للاراضي سيؤثر سلباً على قدرة الحكومة في تنفيذ مشاريع اسكانية للأسر ذات الدخول المحدودة، فما لدى المؤسسة من أراض صالحة للإسكان ضمن حدود المدن الرئيسية محدود جداً وستجد المؤسسة نفسها خلال سنوات قليلة بعد استنفاذ هذه الاراضي عاجزة عن تنفيذ أية مشاريع إضافية إلا من خلال شراء الأراضي اللازمة لها بأسعار السوق والتي تفوق كثيراً القدرات المالية لقطاع واسع من المواطنين.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات