أبعد من نتائج الاستطلاع


الاستطلاع الأخير لمركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، تقليد دوري دأب المركز على تنفيذه في مواقيت زمنية منتظمة لقياس اتجاهات الرأي العام حول أداء الحكومة ومواضيع أخرى مستجدة ذات صلة بالشأن الوطني العام.
والنتائج مهمة لأصحاب القرار والمشتغلين بالعمل السياسي، لمعرفة أولويات المواطنين وهمومهم، ومكامن الضعف في السياسات العامة، والتحديات الماثلة أمام الحكومة في المرحلة المقبلة.
وكما أفادت النتائج، أولويات الأردنيين قبل أزمة كورونا لم تتبدل، فهي اقتصادية ومعيشية بامتياز، لكنها بعد الأزمة الطاحنة باتت أكثر حرجا وخطورة بالنظر إلى النتائج الكارثية التي خلفتها الأزمة على اقتصاديات العالم برمته.
ولشهور طويلة مقبلة، بل لسنوات ربما ستكون الحكومات في سباق مع التداعيات أملا باحتوائها والتخفيف من آثارها بخطط وبرامج عمل ودعم للفئات الاجتماعية الضعيفة، ومحاربة البطالة المستفحلة وتطوير قطاعات يراهن صناع القرار على دورها في انتشال الاقتصاد من كبوته، والوفاء بمتطلبات التنمية.
بهذا المعنى فإن استطلاع المركز وسواه من المسوحات الميدانية مهم للغاية، لكننا نحتاج لجهد استطلاعي وبحث ميداني أعمق لفهم المتغيرات التي أحاطت بعلاقة الأردنيين بدولتهم ومؤسساتهم، بعد اختبار تاريخي وغير مسبوق تعرضت له هذه العلاقة في الأشهر الأربعة الماضية.
لأسباب تاريخية كثيرة يطول شرحها، عانى الأردنيون طويلا من أزمة ثقة بالنفس وبالدولة والمؤسسات. وطالما كانت الشكوك تساورهم حيال شعور الدولة تجاههم، ومدى ارتباطها بهم. معارك الوجود التي خضناها على مدار العقود السابقة لم تكف لحسم الشك من اليقين في العلاقة بين الطرفين.
صحيح أننا نعيش في أجواء الأسرة الواحدة، لكن كما الحال في العلاقات الأسرية الضيقة لم نختبر منذ زمن بعيد مشاعر المودة العائلية، فتأتي أزمة صحية لفرد من أسرتنا لتكون مناسبة لاكتشاف مدى حبنا وارتباطنا ببعضنا البعض.
هذا ما حصل للأردنيين في أزمة كورونا، دولة ومؤسسات ومواطنين.
في ذروة أزمة كورونا شعر المواطن العادي بالدولة ومؤسساتها كما الأم والعائلة تحتضن أبناءها وتسهر على صحتهم، وتكافح بامتياز لحمايتهم”من شر هذا الوباء”.
ومن المرات النادرة لمسنا حالة من الامتنان والتقدير في أوساط المواطنين تجاه المسؤولين والأجهزة الرسمية، وتقديرا عاليا لتفانيهم بخدمة الناس.
لا يهم رأي الناس اليوم في الاقتصاد والسياسات المقترحة للتعامل مع تداعيات الجائحة، ففي سائر دول العالم هذه المسائل ستبقى محل خلاف وجدل طويلين، المهم ماذا تبقى في العقول والقلوب من مشاعر حيال الدولة في صميمنا الداخلي؟ هل امتلكنا الثقة بأنفسنا وبكياننا السياسي ومؤسساتنا؟ هل قطعنا الشك باليقين أم ما نزال نشعر بالغربة والضياع؟
شعبية الحكومات حالة متذبذبة ومتغيرة في سائر الدول، ترتفع وتنخفض تبعا لمتغيرات كثيرة لا يمكن التحكم فيها دوما، لكن الثقة بالذات وبالدولة حالة لا تخضع لحسابات اللحظة العابرة، وتستقر في الوجدان بصرف النظر عن الموقف من الحكومات والسياسات العامة.
نحتاج لاستطلاع رأي غير دوري وغير روتيني، يتضمن أسئلة خارج الاستمارة المصممة لقياس شعبية الحكومة وأولويات المواطنين الراهنة. اسئلة عميقة تنفذ لصدور الناس وترصد ما حصل من تغيرات في موقفهم تجاه دولتهم ونظرتهم لأنفسهم كأردنيين، سطروا نموذجا في مواجهة أزمة ضربت الكون.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات