الانتخابات النيابية والفساد


نعيش هذه الايام حياة سياسية واجتماعية واقتصادية يومية حافلة ...فان كنت سعيد حظ ولم تكن عضوا في احدى حملات احد الاصدقاء او الاقارب الانتخابية, فانت بالتاكيد معرض لزيارة سيل المرشحين ومن يرافقهم لمنزلك يوميا ويكون مقياس رجولتك ان استطعت تأمين كاسات شاي وفناجين قهوة بالبيت تكفي للناخبين الذين يجب عليك توفيرهم  للمرشح ومرافقيه الذين يتجاوزون احيانا حمولة 10 سيارات وبكم  مش دبل كمين(هذا البكم لحمل القناوي والعصي وبعض الشباب المتحمسين خوفا من اي طارئ ولاعادة تعليق اي لافتة يجدونها واقعة من الهوا او بفعل فاعل في طريقهم طبعا )
 
المهم انه ان كنت سياسيا او اجتماعيا او ان لم تكن فانت مجبر على خوض شئ من غمار هذه الهوسة وانت مجبر ان يكون لك موقف لان لافتات المرشحين وصورهم المحسنة عشرات المرات بالفوتوشوب (بارك الله فيه) وكروتهم وبياناتهم الانتخابية تدخل عنوة لا استئذانا الى شارعك وحائط بيتك وصور مدرستك وحتى زجاج سيارتك احيانا , ويا للروعة لو كنت انت مع مرشح واخوك او ابن عمك الللي هو جارك مع مرشح ..كل واجهة منزله المقابلة لبيتك سنمتلئ بلافتات وعبارات التحدي الجميلة التي لاهدف منها الا رفع الضغط وزيادة السكري عندك وان لم يكن لديك سكري.خلال شهر الانتخابات سوف يكون عندك   لاتتعجل وبالذات ان كنت في الانتخابات مع ابن عشيرتك وزوجتك كانت مع ابن عشيرتها.
 
الشاهد في الموضوع اننا سنذهب في التاسع من الشهر المقبل لصناديق الاقتراع لاختيار مرشح ولكن اي مرشح سنختار وماهي صفاته,يعيش الشعب الاردني  هذه الايام حالة من التردي الثقافي والانحطاط السياسي والاجتماعي ربما تكون اكبر شاهد ودليل للاخصائيين الاجتماعيين في الاردن اننا شعب مريض اجتماعيا وسياسيا فلم يمر الاردنييون بحالة من انعدام الثقة والنفاق الاجتماعي كما يحدث الان وبدون استثناء ...الشيخ الملتحي قبل الليبرالي ابو الاحزاب ...أساتذة الجامعات والاطباء  قبل سائق التكسي وعمال المياومة...المحامين والصحفيينوالنقابيين  قبل المجرمين واصحاب السوابق والمطبِعين ...الصبايا قبل الشباب
الكل يتكلم بمثالية افلاطون وسقراط فكلهم يريدون نائب وطن ونائب تشريع وشخص نظيف عفيف كريم الخلق ودمث الطباع غير عنصري غير عشائري غير اقليمي يكون للوطن قبل المحافظة والدائرة والعشيرة  نظيف اليد والفرج واللسان  ...وكلهم يذم ويسب ويشتم  نائب المال ورجل الاعمال او المقاول الذي استباح ذوق الناس في الديمقراطية بان رشح نفسه للنيابة ...ويذمون مرشحي العشائر الذين هم اناس فضلاء ولكنهم لم يتجاوزو مرحلة المخترة فهم مخاتير رائعون واكفاء ولكن ليس لهم في النيابة من شئ. فتمثيل العشيرة في المجلس المحلي او المنطقة شئ ومجلس النواب شئ اخر تماما..وحتى العسكريين القدامى وموظفي الدولة فهم اناس اكفاء ورجال خدمو الوطن والمواطن ولكن كموظف حكومي ..وهم لاعلاقة لهم بالتشريع او بمحاسبة الحكومات فكيف يحاسب الحكومة من اعتاد ان يكون حكوميا 30 عاما مع انه هناك احتمال لان يكون بينهم من يصلح كنائب ولكن لايصح انه كل ضابط متقاعد او وزير سابق هو جبرا مؤهل لان يكون نائبا؟

للتأكيد فقط نحن هنا نتكلم عن النماذج الانتخابية الذين يدعون الاهلية بمجرد امتلاكهم احدى الصفات او الوظائف التي ذكرناها بغض النظر عن الاخلاق والقدرة على التشريع ومحاسبة الحكومة وخدمة الوطن ككل ...فمن الممكن ان تجد مرشحا لعشيرة وهو ايضا مؤهل لان يكون نائب وطن او تاجر ورجل اعمال وهو مؤهل لان يكون نائبا وايضا من الضباط او الوزراء المتقاعدون فهناك من يستحق ان يكون ممثلا للوطن تحت القبة.
 
ولكني اقف مصدوما حائرا وجلا متعرقا متخوفا  من هول المشهد وكآبة المنظر وسوء المنقلب في الوطن وقضاياه .

فجل الناخبين موجودون في حملات ومقرات ويؤيدون وسيصوتون للنماذج الثلاثة التي ذكرناها سالفا  من المرشحين ولن يحظى نائب الوطن ونائب الرأي ونائب التشريع والقضية باي تاييد او صوت ....الا يعتبر هذا مرض اجتماعي سياسي وحتى نفسي؟

كيف يرضى الاستاذ الجامعي الذي يدرس الاخلاق والفضيلة لأبنائنا وابنائه في الجامعة ان يصوت لشخص يتباهى بانه مدعوم من الحكومة لانه بصيِم شاطر ويدعي انه ناجح لانه اشترى 500 هوية (يعني 500 ذمة ) كيف يقبل امام المسجد وخطيب الجمعة ان يدعم ويؤيد ويصوت لمرشح عشيرة  يتباهى بعنصريته وتقوقعه حول هذه الدائرة الضيقة  في دائرة انتخابية تعيش فيها عشرات العشائر ...اين ذهبت ايات الله وكلام رسوله الكريم (اتركوها فانها منتنة)

كيف يقبل عامل يكابد ليل نهار من اجل تامين قوت يومه ان يدعم ويصوت لمقاول او تاجر استمرأ الاستغلال والاتجار بقوت الضعفاء بل استمرأ التفاخر والتظاهر بتوزيعه مساعدات لهؤلاء العمال وهؤلاء الفقراء وهي ليست مجانية لان ثمنها اقتطع من كرامتهم...كيف يقبل عسكري سابق او مواطن لديه من الابناء العاطلين ما اثقل ظهره  ان يصوت لموظف حكومة سابق  او وزير كانت الواسطة والمحسوبية عنوانه الابرز وديدنه انتزاع الحقوق من اصحابها واعطائها لاهل الواسطة والجاه.

كيف ستصوت فتاة جامعية او شاب جامعي  في مقتبل العمر لرجل امي ولا اقصد امي بالقراءة والكتابة بل اقصد امي بالوعي الاجتماعي و الثقافي والسياسي  لهموم البلد وقضاياه ....كيف ستصوت امرأة لشخص وهي تعلم انه لايعنيه ولا يهمه في المرأة  وقضاياها غير مجامعته لنسائه  كلما دعته شهوته لهذا....كيف سيصوت الحزبي واصحاب الرأي والمثقفون والمقاومون ومن يصلون الفجر حاضرا لانسان هم يعلمون جيدا انه لافرق عنده بين الأعتصام فيمجمع النقابات او مسجد الحسين وبين زيارة السفارة الاسرائيلية في عيد الغفران لتقديم التهاني وشرب نبيذهم الفاخر.

 
شئ غريب ومستهجن ولكنهم سيصوتون لهؤلاء بالرغم من كل ما اسلفنا وهنا تكمن العلاقة بين الانتخابات النيابية والفساد

فالانتخابات النيابية كما الفساد

الكل يشتم الفساد وينبذ اهله ويطلب ليل نهار من الحكومة والاجهزة الامنية مكافحته ولكن الفسدة والمفسدين  من اغنى الناس ولهم نفوذهم في المجتمع وبعض مرافق الدولة واكثرهم قبولا لدى عامة الناس وهذا دليل ان الصورة ليست كما نبدو وانه ليس كل ما يقال يفعل.

وحتى تعامل الحكومات مع الفساد كماهو تعاملها مع الانتخابات  ...فكل الحكومات يعلمون ان قانون الانتخاب سيفضي لمجلس نواب غيركفؤ..ضعيف...اسير للحكومات ولوظائف الدرجة الرابعة من حراس وعمال  ومع ذلك يشرعونه ويجرون الانتخابات بناءا عليه وحتى الممارسات التي تخرق القانون التي يقوم بها المرشحون ..فالحكومة تعلم بها وتقر بانها موجودة ودائما تقول انها ستفعل وتعاقب ولكن الحقيقة ان المرشحين يشترون الاصوات علانية ولم يسجن منهم احد لاسنة ولاسبع سنوات كما هي العقوبة المنصوص عليها في القانون

والفساد  في قانون الحكومة وادبياتها ممنوع اقتصاديا و اجتماعيا وثقافيا ودينيا واخلاقيا وقانونيا  وهناك عقوبات صارمة ومكافحة اعلامية مستمرة لهذه الظاهرة ولكن بسهولة ويسر وبايد حكومية وايد اناس حسبو انهم ابناء النظام واهل حظوته منذ امد طويل يتم الفساد وتسرق اموال الدولة ليل نهار   وصيفا شتاءا
 
وبهذا نسأل سؤال ألا تكون الممارسات غير الاخلاقية في الانتخابات كالفساد من حيث نظرة المجتمع والدولة ؟

طبعا نؤكد ان نسبة ليست بقليلة هي على هذه الشاكلة وهذا يؤكد صحة القاعدة وهي ان هناك نسبة مازالت تميز وتختار الانسب والافضل نسأل الله ان نكون وانتم من هؤلاء... فالخير موجود ولكن بحاجة لان نقوييه ونقف الى جانبه.



تعليقات القراء

معتصم سليم شطناوي
اشكرك كل الشكر على هذا المقال الرائع وانشاء يا بش مهندس عقبال النيابه
>-(
26-10-2010 08:34 AM
كمال عثامنة /جامعة العلوم والتكنولوجيا الاردنية
اولا: انت كاتب مبدع وتكتب بحرفية عالية وتستحق الثناء والشكر. ثانيا :هذا هو واقع الحال الذي نتمنى ان يزول وتحل محله المعايير الوطنية والاسس الحقيقية في اختيار المترشحين لمجلس النواب. احسنت ايها الكاتب المبدع وشكرا لك.
26-10-2010 09:27 AM
مواطنة اردنية
كلام ومقال رائع ويعكس واقع الحال الذي نعيشه
وياليت كل الناخبين يقرؤون هذا المقال ويتعظون ويختارو مرشح الوطن

26-10-2010 04:07 PM
مواطنة اردنية
كلام ومقال رائع ويعكس واقع الحال الذي نعيشه
وياليت كل الناخبين يقرؤون هذا المقال ويتعظون ويختارو مرشح الوطن

26-10-2010 04:07 PM
عاشق جراسا نيوز ...USA..
زمن الإستغباء السياسي بشعارات سميت بخطابات وتأويلات من أجل كراسي التي أصبحت قاب قوسين !!
30-10-2010 04:32 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات