في النهضة الجزائرية أسوةٌ حسنة لفلسطين .. شهداءً وثوارا


بقلم محمد النجار - ما الذي يجعل فلسطيني يعيش على أرضه في غزة المحاصرة يرسُم (جرافيتي) للجزائر على أحد الجدران؟ ويجمع بين علم الجزائر وصور الشهداء والأسرى؟ لأسباب نضالية، استقبلت الجزائر أول قواعد الثورة الفلسطينية، وأمنت دخول فلسطين لمبنى الأمم المتحدة لتلاوة الخطاب الشهير (لا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي) وأعلن منها ياسر عرفات قيام الدولة الفلسطينية في 1988، وغرس الرئيس الجزائري بو مدين يراع القاعدة التي تقضي بالانتصار لفلسطين ظالمة أو مظلومة.

- لماذا الجزائر؟ هل أصبح الشرق جافاً وبارداً تُجاه فلسطين التي هي خاصرته المحتلة؟ التاريخ يجيب.

قبل فلسطين كانت الجزائر محتلة، وكان وقتها شارل ديغول كما ترامب ونتان ياهو، وغيرهم الكثير ممن أصبحوا هباءً منثورا. جميعهم رحلوا وبقيت الجزائر كما ستبقى فلسطين التي كانت قبل أن يرسم الراسمون الجغرافيا، وقبل أن يحفر التاريخ مجراه، جميعهم زائلون وستبقى فلسطين.

عندما ذهب المفاوض الجزائري إلى سويسرا للتفاوض مع ممثلي الاحتلال الفرنسي على ترتيبات الاستقلال الكامل عام 1962، ظلَّ الثوار الجزائريون يرفعون البندقية المقاتلة لتقوم بدورها المقدّس، في ذات الوقت. كان المفاوض الجزائري يدرك أنّ البندقية هي الوسيلة الوحيدة، وفقط الوحيدة التي أجبرت المحتل على الجلوس إلى طاولة التفاوض. لذلك، فإنّ التخلّي عن مصدر القوة تحت أي ظرف، يعني التخلّي عن أقوى ورقة ضغط واستنزاف ترهق - وسترهق - المستعمر.

بالتأكيد تختلف الظروف والعوامل، لكن ما يتشابه بين الجزائر وفلسطين وحتى أنغولا وفيتنام هو عقل المحتل نفسه وأدواته، وكذلك موجبات التحرير وأدواته.

عندما حاول المفاوض الفرنسي أن يعيد رسم الجغرافيا الجزائرية، ويقسّم البلد، ويحتفظ بالصحراء التي كان نفطها يخرج من باطن الأرض، كان المفاوض الجزائري يخطّ آيات الرفض مدعوماً بصوت البندقية، وهي تقول "الجزائر كل الجزائر". لم يتنازل المفاوض الجزائري عن شبر واحد من الأرض، ولم يترك للمحتل مساحة نقطة على سطر.

في عام 1930، احتفل الفرنسيون في نشوة كاملة بمرور قرن على احتلال الجزائر، فقد كانوا يرونها فرنسية إلى الأبد، لكن الجزائريين كانوا على موعد مع الحرية بعد ربع قرن فقط من ذلك الاحتفال الاستفزازي. فقد قرر الجزائريون العودة إلى الكفاح المسلّح الموحّد بعد تجارب مقاومة شعبية وسياسية. وصولاً للجزائر الدولة التي نراها اليوم.

وإجابةً على السؤال الأول الذي يطرحه المقال، الفلسطينيون يرون بالتجربة التحررية في الجزائر إنموذجاً متكاملاً للاقتداء به، إذ لم ينتظر الجزائريون أحداً ليقاتل بالنيابة عنهم، وكان أكثر حرصهم هو على استقلال قرارهم الثوري عن أي تأثير أو استغلال سياسي.

أما الواقع الفلسطيني، فكان الخطأ بالتخلّي عن البندقية والكفاح لصالح المفاوضات وحدها. حيث أن عام 2005 شهد مفاوضات أمنية مع السلطة الفلسطينية بطلب من جنرالات الاحتلال للسماح لجنود الاحتلال ولصوصه بمغادرة بيت لحم وكنيسة مهدنا دون أن يطردهم الفلسطينيون بالأحذية. هذه المفاوضات التي نتطلع إليها.

التاريخ يجيب مرة أخرى، يقول الكاتب المغربيّ عبدالله صديق عن أهل دول المغرب العربي - الذين سكنوا فلسطين: "أن تكون مغربياً، فأنتَ الأبعد غرباً، الحاملُ في وجدانكَ أثراً من جينات موروثة عن أسلاف وصلوا إلى هنا، بعضهم مرّ، وآخرون مكثوا وابتنوا لهم بيوتاً، تتابعوا حتّى صارت البيوت المفردة حَيّاً، يُنسَب إليهم، هو (حَيّ المغاربة)". (1)

عودةً للأسباب النضالية، يقول المفكر الجزائري مالك بن نبي والذي عاصر فترة التجهيز الفكري للثورة الجزائرية: "وإنها لشرعة السماء : غير نفسك, تغير التاريخ، ومن سنن الله في خلقه أنه عندما تغرب الفكرة، يبزغ الصنم" محذراً من الفراغ الثوري تُجاه المستعمر". (2)

ليس على يوسف الفلسطيني الجزع من رميه في البئر والتخلّي عنه من إخوة له أو تقاعسهم عن الدعم، أو اليأس من التحرّر من أغشم قوة إجرامية على وجه الأرض أو الإحباط من الزمن، ففي الجزائر المثال.

الفلسطينيون يعلمون ما الذي كان قبل البندقية إنه صمت العشية، إياكم والفراغ كي لا يرحل قمركم بعيداً.

(1) كتاب "أن تفكر في فلسطين".
(2) كتاب "شروط النهضة"



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات