اقتصادنا والبوصلة التائهة


منذ ان وجد الإنسان على هذه الأرض وكان أهم أهدافه تحسين أوضاعه الإقتصاديه سواءً على مستوى الافراد او الجماعات، ومع تطور التجمعات الإنسانية لتأخذ شكل تجمعات منتشرة هنا وهناك حتى تطورت لتتكون منها الدول بشكلها الحديث والاوضاع الاقتصادية تشكل الهدف الأول لها ومن أهم أسباب نزاعاتها، فمن يملك المال يملك القوة، وها نحن نشاهد اليوم الدول التي سارت بالإتجاه الصحيح كيف حققت الرخاء الإقتصادي لمجتمعاتها وما ترتب على ذلك من سلم مجتمعي وتطور علمي وترسانة ضخمة من العلوم والتكنولوجيا رغم قلة مواردها الطبيعية مثل اليابان وماليزيا وسنغافورة.
على مستوى الوطن كان العامل الاقتصادي هاجس رئيسي لجميع الحكومات التي تبدلت في تاريخه، وكان لكل منها أجتهاده في كيفية إدارة هذا الملف، ولكن كانت الغالبية العظمى منها تطبق الخطوات ذاتها وتسلك ذات السبيل فكانت النتيجة ما نحن فيه الأن وهنا نتذكر تعريف اينشتاين للغباء بأنه (أن تقوم بتكرار نفس الشىء وتتبع نفس الخطوات وتنتظر نتائج مختلفه) وقد كان أكثر ما استهلكت الحكومات جهودها من أجله هو جذب الإستثمارات الأجنبية، فعدلت التشريعات وحاولت تحسين البيئة الاستثمارية وقللت من رتابة الإجراءات الروتينية امام المستثمرين – وهذا أمر محمود- ولكن كان لا بد أن يكون هناك مسارات أخرى تسير بالتوازي مع ذلك الخط ومن ذلك لزوم التركيز على الاستثمارات الداخلية خاصة اذا ما علمنا ان موجودات البنوك تقارب الـ (48) مليار دينار أردني، وهذا الأمر يحتاج من الحكومة الى وقفة طويلة إذ يجب ان توجه جهودها لتحريك ولو جزء من هذه المبالغ المبالغ المجمدة ليتم ضخها في مشاريع استثمارية تسهم في دفع العجلة الإقتصادية الى الأمام لتعود عوائدها على اصحابها وعلى الوطن والمواطن بشكل عام.
إن أرتفاع الودائع البنكية وموجودات البنوك مؤشر سلبي ودليل واضح على الإحجام عن الاستثمار، أما بالنسبة للأردن فإننا نرى أن ذلك يعود الى سببين رئيسيين هما :
أولاً: الخوف، وهذا العامل ينقسم الى قسمين هما:
1- الخوف من الاوضاع الأمنية وعدم استقرارها في الأقليم، وهذا يتطلب من الحكومة ان تكون في غاية الصدق والصراحة مع المواطن وان تستطيع اقناعه بأن أوضاعنا الأمنية -بإذن الله- لا تدعو للقلق أو الخوف وحبذا لو كان ذلك بشكل عملي لا مجرد أقوال وبطريقة (القدوة) كأن يتم توجيه أصحاب رؤوس الأموال بما فيهم كبار المسؤولين السابقين لتنفيذ المزيد من الإستثمارات الداخلية، إذ إن المواطن العادي حين يرى ان كبار المستثمرين قد راحوا بهذا الإتجاه فإن ذلك سيتعزز في ذهنه الثقة باقتصادنا وبيئتنا الأستثمارية الأمنة وسيكون لديه الجرأة على اتخاذ القرار باستثمار جزءاً من مدخراته في السوق المحلي.
2- الخوف من الفشل وعدم امتلاك الخبرة الفنية الكافية، وهذا يتطلب أيضاً ان تقوم الجهات الحكومية بتسخير جزءاً من جهودها لتقديم الخدمات اللوجستية في هذا المجال من توجيه الراغبين بالإستثمار للقطاعات الناشئة وذات الجدوى الإقتصادية الجيدة وذلك من خلال وسائل الإعلام والجهات ذات العلاقة من خلال المساعدة في إعداد دراسات الجدوى الإقتصادية المبنية على اسس علمية سليمة لجميع المشاريع لطالبيها والتي ستساعدهم حتماً في توجيههم للقطاعات المناسبة لهم وإعطائهم فكرة جيدة عن القطاع المتجه إليه ومدى حاجة السوق لمثل تلك الإستثمارات ومدى العائد الاستثماري الذي سيعود عليه وبالتالي سيكون من السهل عليه اتخاذ قراره للبدء بمشروع استثماري خاص.
ثانياً: ضعف العائد الإستثماري، وهذه المعضلة يمكن مواجهتها بحزمة إجراءات منها على سبيل المثال لا الحصر:
1- منح صغار المستثمرين إعفاءات كاملة من الرسوم والظرائب لمدة معينة وبشروط محددة منها أن يشغّل مواطن أردني واحد على الاقل في مشروعة وعلى أن يكون خاضعاً للضمان الأجتماعي وكذلك إلزامه بتسجيل مشروعه في دائرة ضريبة الدخل والمبيعات مع إعفاءه من دفع تلك الضرائب كما سبق وأشرنا، وأيضاً منح تسهيلات إضافية للمشاريع الريادية والخلّاقة والتي تساهم في فتح مجالات استثمارية جديدة وخلق المزيد من فرص العمل، وهذا سيؤدي بالضرورة الى خفض قيمة الكلف على المستثمر.
2- فتح اسواق جديدة، ويمكن ذلك من خلال تفعيل اتفاقيات التبادل التجاري مع الدول المحيطة بشكل خاص ودول العالم بشكل عام وكذلك البحث عن طرق جديدة وبديلة لنقل المنتجات المحلية للأسواق العالمية وذلك بواسطة المنافذ البحرية والجوية بوسائل النقل منخفضة التكاليف، كما انه لا بد تشجيع القطاعات المختلفة على إنشاء الجمعيات التعاونية وتفعيل القائم منها للقيام بدورها في قيادة القطاعات المختلفة وعلى وجه الخصوص تسويق المنتوجات في الأسواق المحلية لاختصار المسافة ما بين المنتج والمستهلك وهو ما سيساهم في رفع قيمة العائد الإستثماري بالنسبة للمستثمر كما ان ذلك سيساهم في خفض أسعار تلك المنتوجات بالنسبة للمستهلك الأخير.
اننا نرى انه ومن خلال اتباع الدولة الأردنية لما سبق ولغير ذلك من إجراءات ومن خلال شراكة حقيقية فاعلة ما بين القطاعين العام والخاص لتنشيط ودفع عجلة الإستثمار الداخلي فإنه يمكن ان نستطيع ان نقنع من يملكون ما نسبته 5% من اموال الأردنيين المجمدة لدى البنوك الأرنية على الأقل، أي ما قيمته ملياري دينار أردني للإستثمار في السوق المحلي في المرحلة الأولى وهو مبلغ يمكن ان يسهم بشكل فاعل في دفع عجلة الإقتصاد الأردني وسيكون له أثر كبير في رفد السوق الأردني بالمزيد من الإستثمارات الداخلية والخارجية.




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات