أزمة الكويت السياسية


مرة أخرى، الحكومة الكويتية تستقيل إثر أزمة حادة في العلاقة بينها وبين البرلمان تجلت بالخصوص في انسحاب أعضاء الحكومة من اجتماع لمجلس الأمة يوم أمس احتجاجا على إدراج طلب استجواب رئيس الوزراء الشيخ ناصر محمد الأحمد الصباح على جدول الأعمال. هذه الاستقالة جاءت بمثابة المفاجأة بعد مفاجأة الانسحاب من الجلسة البرلمانية أمس كذلك بعد ما تردد أن هناك توجها لتأجيل طلب الاستجواب لفترة وصل البعض إلى حد تحديدها بعام كامل أو كذلك بعد ما أشيع أن الحكومة قد تتقدم بخطاب تتهم فيه المجلس بعدم التعاون.
وفي الوقت الذي لم يكن مستبعدا فيه أن توصي الحكومة أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح بحل مجلس الأمة استقر الأمر في النهاية على استقالة الحكومة التي مع غيابها يجهض بالكامل مسعى الاستجواب الخاص بالسماح بزيارة رجل دين شيعي إيراني مثير للجدل إلى الكويت وقضايا أخرى أضيفت إلى ذلك واعتبرت من باب التدليل على عدم كفاءة رئيس الوزراء في تسيير أمور البلاد.
الملفت في التجربة الكويتية، المتميزة في منطقة الخليج، أن الأمور تسير بصعوبة وسلاسة متفاوتتين إلى أن يتقدم بعض النواب، لسبب أو لآخر لا يهم، بطلب استجواب أحد الوزراء كما حصل قبل أشهر مع وزير الإعلام فترتبك الساحة السياسية أما هذه المرة فقد اهتزت بالكامل لأن المعني بالاستجواب هو رئيس الوزراء وهو "خط أحمر" على حد وصف البعض في الكويت.
كان يمكن للأمور أن تسير بسيناريو مختلف هذه المرة لو قبل رئيس الوزراء بهذا الاستجواب، بغض النظر عن خلفيته ومدى وجاهته، فقد دعا مثلا "التحالف الوطني الديمقراطي" في الكويت الذي يرأسه النائب السابق عبد الله النيباري رئيس الوزراء إلى صعود منصة الاستجواب و"عدم الجزع من هذه الأداة الدستورية" التي "لن يستطيع احد مصادرة حق استخدامها من النواب". مشيرا إلى ضغوط سياسية قال إن عددا من المسؤولين دول الجوار يمارسونها على بلاده لحل مجلس الأمة حلا غير دستوري. لكن الشيخ ناصر فضل الاستقالة على مواجهة هذا التحدي وهو في ذلك كأنه يرد على أحد نواب الاستجواب وليد الطبطبائي الذي صرح بأنه لن يتراجع عن استجواب رئيس الوزراء مخيرا إياه بوضوح بين "صعود المنصة أو الاستقالة" مؤكدا بأن "رئيس الوزراء ليس خطا أحمر ومساءلته مكفولة".
لا أحد يدري بالضبط، على الأقل من هم خارج الكويت، لماذا يفضل هناك دائما المسارعة باستسهال حل البرلمان أو استقـــالة الحكومة دون أن يترك للتجــربة البرلمانية أن توضح مزاياها وعيــوبها، عملا بالحكمة القــائلة بأن هنات الديمقراطية لا تعــالج إلا بمزيد من الديمقراطية، اللهم إذا كان في الكويت من يرى أمرا آخر لا يتجاوز النظر إلى البرلمان على أنه جزء من ديكور ديمقراطي لا يسمح له أبدا أن يأخذ الأشياء بجد يزيد على الحد يخيل فيه لبعض النواب أن يتقمصوا الدور كاملا راغبين بدفع الأمور إلى حافتها.
بالطبع هذا يجب ألا يجعلنا نغفل أن في معظم الدول العربية لا أحد يحاسب أحدا ولا أحد يمكن له أن يفكر ويتهور فيطرح الثقة في الحكومة أو حتى في أحد وزرائها لأن ذلك يمثل تطاولا غير مقبول على رأس هرم الدولة الذي هو معصوم من الأخطاء ولا يمكن أن يختار لشعبه إلا أفضل الوزراء وأفضل الحكومات، لكن كنا نود لو أن الكويت امتلكت جسارة الإقدام على خطوات غير مسبوقة في تجربتها، على محدوديتها، لأن مثل هذه الخطوات هي الكفيلة في النهاية بتثبيت المكاسب ودعمها على عكس ما يخيف به الكثيرون وهم يدعون الحرص على البلد.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات