جردة حساب حكومية


أصبح من الضروري بل ومن الملح بقوة أن تخلو الحكومة لنفسها قليلا ،ونحن على مشارف عام مالي جديد لتراجع حساباتها، وأن تقيٍّم ما أنجزته بشفافية عالية ، وأن تبدأ بجردة حسابات تفصيلية وميدانية ومن واقع ما هو موجود في الوزارات، لا كما هو مكتوب في السجلات المتعفنة في المستودعات لوزاراتها ودوائرها وشمول هذه الحملة التفتيشية والرقابية كل من يقبض قرشا واحدا من خزينة الدولة، و لا أعتقد أن إجراء حكوميا من هذا النوع قد تم منذ سنوات بدليل غياب المعلومة من جانب ، وما نلمسه من تخبط ومزاجية وفزعات في التخطيط الإداري والمالي من جانب آخر ، ولا أعني هنا الاكتفاء بالمراسم الشكلية في إعداد الموازنة التي لا ينفذ منها إلا النزر اليسير فيرحّل الكثير من بنودها إلى العام القادم ،وهكذا في كل السنوات ،ثم إلقاء خطبة الموازنة و مناقشتها ، و الإغراق في قراءة أرقامها السنوية المحنطة على المواطنين الذين أغرقتهم في الديون .
الغاية من وراء هذه الجردة الثورية الشاملة أن تنزل الحكومة إلى الميدان بكامل عدتها وعتادها وأجهزتها الرقابية والتفتيشية وأن تفتح ملفات جميع الوزارات والمؤسسات دون استثناء ،فتحا حقيقيا وموضوعيا ومنهجيا يشمل كل ما يتعلق بالوزارات والمؤسسات العامة والدوائر المختصة والجامعات ،وتصويب مساراتها بمهنية و شفافية عالية و مطلقة وبصراحة وجرأة لا تجعل شكا لمتشكك ،ولا ريبة لمرتاب، ولكي يطمئن المواطنون على أن ما هم فيه من ضنك في العيش، ومن قسوة ومعاناة حقيقية وصبر أيوبيّ ،هو أفضل الموجود وأنه ليس في الإمكان أحسن مما كان ،وضائقة مالية يجب أن نتعاضد ونتعاون مع أجهزة الدولة لتخطيها راضين قانعين صابرين ومدافعين أيضا عن هذه الإجراءات؛ لأنها السبيل التي رأيناها مناسبة ، والطريق القويم الذي يؤدي إلى تحسين مستوى معيشة المواطن الأردني مستقبلا .
لكن الذي يظهر أن وزاراتنا تتخبط لعدم وجود خطط واضحة ومنشورة مسبقا في وسائل الإعلام تشير إلى ما سبق إنجازه ،وإلى جديتها في الالتزام بتنفيذ خططها المستقبلية لاحقا ، من واقع الاحتياجات المجتمعية الضرورية الضاغطة ،وتقديم الأهم على المهم ،ولنا أن تنظر مثلا واحدا يتعلق بالبلديات التي تتهاوى واحدة تلو الأخرى، ولا ندري ما هي عاقبتها التي لا تبشر بخير ومن لا يصدق فليجرب طلب حاوية (يزين) بها مدخل حارته من أي بلدية !! .
أتمنى اليوم المثالي الذي تتوقف فيه برامج (البث المباشر) و(سمعنا صوتك) ،وكل البرامج الخدمية ،والمناشدات حتى الذل والهوان ، والبكاء على التلفاز حول ماسورة مكسورة ، ولمبة شارع محروقة ودخلة تحتاج إلى تعبيد ،والاحتجاج على عملية الدور في توصيل الماء ،وحول وجود عائلة تتضور جوعا وتسليط الكاميرا على عائلة كانت (مستورة ) (ففضحوها) أمام خلق الله جميعا على الهواء مباشرة وهنا نسأل أين وزارتها المعنية بدراسة حالتها عنها ؟ كما أنني أسأل هل هنالك خطة تخبر المواطنين متى ستتغير بعض شبكات المياه المتهرئة وما هي خططها الزراعية وموقفها من فوضى التعليم التقني وتعدد المسارات والفروع الأكاديمية التي أكلت بعضها . وهل استشارت وزارة الأشغال العامة المواطنين عندما دمرت البنية التحتية وحفرت وجرفت الشوارع لغايات الصرف الصحي، وتركتنا وكأننا نشاهد مناورة عسكرية أبطالها المتعهدون الذين يعملون دون أدنى رقابة حكومية ؟ وهل تستطيع وزارة التربية والتعليم أن تقدم لنا خطة واضحة مفهومة ( قابلة للتطبيق) من واقع مجتمعنا لا أن تكون مستوردة ويراد لنا أن نسلقها سلقا دون وعي أو اقتناع وإلزامنا بتطبيقها على مدارسنا غير المؤهلة لهذه البرامج في العين البيضاء ومرود وجرف الدراويش وصمد وبيت راس والشونة ومحي و دابوق وكفر خل وبشرى بنفس المستوى . باختصار نريد جردة حساب مالية ثقافية مجتمعية أخلاقية وأن ( ننفض) غبار وزاراتنا المتراكم عبر السنين وأن نتوقف عن ترحيل الأزمات بسبب أو بحجة تغيير الرؤساء والوزراء والمديرين والرؤساء.وإنني أعرف مؤسسة حكومية اعتادت على أن تغير رؤساءها كل بضعة أشهر ,وان أي منقول إليها يدرك سلفا أنه طالما نقل إليها فإن نهايته الوظيفية قد حلت ووجبت ،فكيف لهذا المتحمس أن يخطط لعمله في مؤسسته تخطيطا شاملا وهو ( شهرين ومروح)؟؟
لماذا لا تتم مراجعة شاملة بتشكيل لجان متخصصة للاطلاع على كل كبيرة وصغيرة في وزاراتنا وتقوم بزيارات ميدانية متتابعة للتفتيش على كل أقسام الوزارات على غرار ( التفتيش الإداري في قواتنا المسلحة ) ابتداء من التفتيش على دورات المياه ( آه .. آه ) وأعمال الصبانة وطلاء الجدران والساحات والممرات ودوائر اللوازم والعهدة والجوانب الخدمية وحصر الأثاث المحطم تحت الأدراج ومراقبة خزانات المياه والتدفئة وتصويب أخطاء الملفات القديمة ومحاسبة المقصرين وفتح كل أوراق الدوائر وتشجيع المتميزين وليس كما هو حاصل في جوائز الدولة التقديرية والتشجيعية والمعلم أو المدير المتميز لأن التميز في المؤسسة حالة إبداعيةعامة ومتضافرة تيدأ من المدير مرورا بخدمة الجمهور وتنتهي بالفرّاش
أيها الإخوة والأخوات : صدقوني أن كل ما نقوم به ونمارسه من متابعة وتفتيش في مؤسساتنا لا علاقة له يتحسبن العمل وجودته جودة حقيقية نابعة من حاجاتنا وإمكانياتنا المتواضعة وتنفيذ سياسة الأولويات ، ومصارحة العاملين والموظفين بأن هذه هي إمكانيتنا ساعتها نقتنع بسياسة الترشيد الحكومي وأعجبتني حكومة أيرلندا التي تبرع وزراؤها بمرتباتهم لعام كامل دعما لخزينة الدولة !! كل ما هو حاصل في لجان مناقشة إعداد مشاريع موازنة المؤسسات ، وروتينية أعمالها ما يدعو إلى الإحباط ،لعدم التزام ببنود الموازنة وجداول التشكيلات و متابعة تقارير الموظفين والمشرفين وحصرالشواغر الضرورية وضبط الإنفاق ودمج المؤسسات ذات العلاقة وكل ما يجري هو على طريقة ( مشي .. مشي إحنا جايين نقيم الدين في مالطا !) و( هيك مضبطة بدها هيك ختم ) وغير ذلك من العبارات القاتلة .
بعد هذا أتمنى أن تسجل هذه الحكومة شرف اقتحام هذه المواجهة الشاقة وأن تقوم بهذه المبادرة غير المسبوقة بهذه المراجعة الشاملة التي لا تكلفها شيئا ، لكنها ستربحنا كثيرا لعلنا بعدها نبدأ من جديد، وقد وضعنا أقدامنا على أرض صلبة من الاستفادة من أخطاء الماضي ومعرفة إمكانياتنا الحقيقية مهما كانت متواضعة ،وما على الحكومة إلا أن تكون شفافة وشجاعة في مواجهتها، وحينئذ ليس أمامنا إلا الصبر والعمل المتواصل مع الحكومة لتنفيذ خططها وبرامجها التي اشتركنا واتفقنا جميعا على تنفيذها لأننا سنعرف بعدها إلى أين نحن سائرون .
drtarqm@hotmail.com



تعليقات القراء

متابع جراسا
أتمنى على صانع القرار الحكومي قراءة هذا المقال جيدا
10-10-2010 10:25 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات